يطرح تحقيق "العربي الجديد" سؤالاً عن سبب غياب الكتاب السينمائي العربي في صناعة الكتاب، على نقّاد سينمائيين وناشرين عرب من تونس والمغرب ومصر، في محاولة للتوصّل إلى أجوبة تُسعف في فهم هذه الإشكالية المؤرقة في المشهد السينمائيّ العربيّ اليوم ("العربي الجديد"، 10 إبريل/ نيسان 2020: "الكتاب السينمائي العراقي").
أحمد السجلماسي: لا صناعة عربية
يرى الناقد المغربي أحمد السجلماسي أنْ لا صناعة خاصة بالكتاب السينمائي العربي "تُراعي جودته تصميماً وورقاً وطباعةً وصُوراً". فـ"المكتبة السينمائية العربية فقيرة جداً، مقارنة بمكتبات دول غربية". باستثناء مصر، "البلد العربي الوحيد الذي يمتلك صناعة سينمائية قائمة بحدّ ذاتها، والذي تمكّن منذ عقود من إصدار كَمّ لا بأس به من الكتب السينمائية المختلفة، شكلاً ومضموناً، يُمكن القول إنّ الدول العربية الأخرى لا تزال تشكو من ندرة ملحوظة في هذا المجال، باستثناء لبنان في فترات، وسورية، إذْ تُصدر "المؤسّسة العامة للسينما" في دمشق مجلة "الحياة السينمائية"، وسلسلة كتب "الفن السابع" بشكل شبه منتظم. بالإضافة إلى دول خليجية حالياً". ويُضيف أنّ طباعة الكتب في الدول العربية الأخرى "غير مزدهرة، فضلاً عن كتب متخصّصة بالسينما وبفنون أخرى". بالتالي، "فإنّ المبادرات الفردية والجَمعية والمهرجانية تكون دائماً سيّدة الموقف".
وهل في هذه الكتب السينمائية بحث واشتغال أكاديميان، أمْ أنّ الأمر لا يتجاوز جمع مقالات؟ يُجيب: "يختلف كَمّ الكتب السينمائية العربية، الصادرة بشكل غير منتظم غالباً، بين بلد عربي وآخر. فهناك كتب مترجمة، وأخرى مؤلّفة، وبعضها رسائل جامعية، يطغى عليها غالباً الطابع النظري ـ الأكاديمي، البعيد عن النقد المهني، باعتباره مواكبة لجديد الأفلام السينمائية، وتحليلاً لها بأسلوب واضح للقرّاء. بعضٌ آخر جمع لأشغال ندوات عن تجارب سينمائية معينة، أو مواضيع لها علاقة بالسينما وثقافتها". ويُشير إلى أنّ بعض النقّاد العرب "يجمع مقالات له، منشورة في صحفٍ ومجلات ومواقع، في كتب، وأنّ هناك من يشتغل في التوثيق والتأريخ لفاعلين سينمائيين، بمناسبة تكريمهم أو وفاتهم، أي كتب عن ممثلين ومخرجين ونقاد وتقنيين وغيرهم".
يُضيف السجلماسي أنّ هناك تعدّداً في أنواع الكتب عن السينما، "يحضر فيها النقد بمستوياته المختلفة والمتكاملة: الانطباعي والصحافي والأكاديمي والتحليلي والتوثيقي ـ التأريخي. لكنّ الملاحظ ندرة الكتب المشتغلة على الخطاب السينمائي العربي، انطلاقاً من الأفلام لا من خارجها".
وعن الدور الذي تلعبه مهرجانات سينمائية في التعريف بالكتاب السينمائي، يرى أنّ في المغرب نوعين: "الأول يهتمّ أصحابه بالبهرجة، والثاني له مردود على مستويات عدّة، إذ يولي أهمية للكتاب السينمائي بتنظيم معارض له، يُشرف عليها غالباً الكُتبيّ حسن بنعدادة، وجلسات لتقديمه وتوقيعه بحضور المؤلّفين والـ"سينفيليين" والفنانين والمثقفين والمهتمّين. هناك مهرجانات تُصدر، بالإضافة إلى الـ"كتالوغات" (دليل المهرجان)، مجلة (عدد واحد كل عام على الأقلّ)، كحالة "جمعية أصدقاء السينما بتطوان"، التي تُصدر "وشمة" مرّة كلّ سنة، بمناسبة انعقاد دورة جديدة من دورات مهرجانها المتخصص بالسينما المتوسطية، وهذه حالة يتيمة في المغرب. هناك مهرجانات تجمع أشغال ندواتها في كتب، كـ"مهرجان سينما الشعوب بإيموزار كندر"، و"مهرجان الرشيدية السينمائي"، و"أيام دكالة السينمائية بالجديدة"، و"مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية"، و"مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير"، و"المهرجان الجامعي الدولي لسينما الشباب بورزازات". هذه نماذج".
أحمد شوقي: الدولة في مصر وسورية هي الناشر
يقول الناقد المصري أحمد شوقي إنّ واقع صناعة الكتاب السينمائي العربي "يختلف من مكان إلى مكان، بل من ناشر إلى آخر". بالنسبة إليه، "هناك ناشرون يمتازون باهتمامٍ كبير بجودة التقديم (نوع الورق وإخراج الصفحات ومستوى الطباعة)، مقابل مَن لا يكترث". ويرى أنّ الأزمة كامنةٌ في "إحجام القطاع الأكبر من الناشرين المستقلّين، المهتمّين عادة بجودة الشكل، عن نشر عناوين سينمائية، بينما تبقى الدولة (في حالات كمصر وسورية) الناشر الأكبر لهذه الكتب، التي ـ في مقابل جودة محتوى الكثير منها ـ تُنشر في صورة غير لائقة على صعيد جودة الشكل".
وعن مصير النقد في هذه الحالة، يقول: "يصعب تعميم إجابة أو الخروج باتجاه عام، فهناك كُتب تتضمّن بحوثاً متعمّقة ورؤى أكاديمية مغايرة، تحاول قراءة الخطاب السينمائي العربي، والعالمي أيضاً، بينما تقتصر كتب أخرى على جمع المقالات. لكن، تبقى القيمة حاضرة بغض النظر عن النوع. فحتى أكثر الأشكال بساطة، أي جمع مقالات ناقد معيّن، تظلّ ذات قيمة توثيقية تتعلّق بأرشفة المقالات، وإبقائها في المكتبة السينمائية العربية، بدلاً من أنْ تضيع، بانقضاء زمن نشرها في وسيلة الإعلام الأصلية".
أما عن الدور الذي تلعبه المهرجانات في هذا الإطار، بصفته مديراً فنياً لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، فيقول إنّها "تلعب دوراً كبيراً حالياً في ظلّ إحجام غالبية الناشرين عن الاهتمام بالكتاب السينمائي"، مضيفاً أنّ مهرجانات كثيرة تصدر كتباً سينمائية: "صحيح أنّ بعض تلك الكتب يأتي في إطار احتفائي بنجم أو مخرج أو اتجاه سينمائي، لكنّها أعمالٌ ذات قيمة، ووجودها أفضل من عدمه. فضلاً عن تنظيم مهرجانات لقاءات لمناقشة كتب أصدرتها جهات أخرى. عامة، هذا نوع من الاشتباك مع الواقع السينمائي وأدبيات السينما ينبغي أن يضعه أي مهرجان حقيقي ضمن قائمة اهتماماته".
تونسياً، يرى سمير بن علي مسعودي، مدير "دار ورقة للنشر والتوزيع"، أنّ "كتب النقد السينمائي والتنظير للكتابة السينمائية أو تحليلها هي من قبيل الكتابة النقدية والبحثية المتخصّصة". يُضيف أنّ "دار ورقة" تستعين بأكاديمي عضو في لجنة القراءة، هو أحمد القاسمي، المختصّ في المجالين السينمائي والسيميائي". ويُشير إلى أنّه ليس غريباً عن هذا المجال، فهو محرّر الدار باعتباره أحد روّاد نوادي السينما، وحائز على شهادة دراسات متخصّصة في علاقة السينما بالتراث: "لدينا لجان يقرأ أعضاؤها كلّ ما يصلنا من أعمال أدبية ونقدية، لكنّ عدد المنتسبين إليها محدود. نحتاج إلى وقت لقراءة هذا كلّه، واللجان تضمّ مبدعين وأساتذة، وأشارك أنا أيضاً في هذا الدور معهم".
وعن فعل الصناعة بحدّ ذاته، يُثمّن مسعودي كلام النقاد بقوله إنّه "لا توجد صناعة للكتاب السينمائي عربياً، فهو يصنّف ضمن الكتب النقدية أو الأكاديمية. ليست لدينا عادة الكتاب السينمائي كما في الغرب. حتى الكتب الفنية الأخرى، فإنّ سوقها محدودة". ويُضيف: "إذا كنتَ تعني بالكتاب السينمائي كتاب الأفلام المصورة، فهذا شبه معدوم عندنا، أو معدوم. ونحن نتابعه منذ عقود باللغة الفرنسية". أما عن الجودة، "فأعتقد أنّ الكتب العربية شهدت نقلة نوعية في الأعوام الأخيرة، إخراجاً وطباعة، ومن حيث نوع الورق".
ويختم مسعودي كلامه بتناول البدل المادي للناقد السينمائي بالقول إنّ "المردود المالي مرتبطٌ أساساً برواج الكتاب"، وإنّ عدد النسخ يصل إلى ألف كحدّ أقصى: "يبدأ الحديث عن المردود المالي عندما يُطبع من الكتاب بين 5 آلاف و10 آلاف نسخة، وما فوق. ما دون ذلك مجرّد منحة بسيطة. لكن، لا بُدّ من احترام حقّ صاحب الكتاب. لا توجد سياسة من هذا القبيل في بلدنا، ولا نعرف أنّ هناك سياسة كهذه في أي بلد عربي".
طارق سليكي: التأسيس للمستقبل
عن آلية اختيار الكتاب السينمائي وقواعده، مُقارنة بالكتب الثقافية الأخرى، وعمّا إذا كانت هناك لجان متخصصة في النقد السينمائي تختار الكتاب الجيّد، أم أنّ الأمر يتعلق بلجنة واحدة، يقرأ أعضاؤها المخطوطات، إنْ تكن سينمائية أو أدبية، يقول الناشر المغربي طارق سليكي، مدير دار نشر "سليكي أخوين"، إنّ لديه لجنة للقراءة في تخصّصات عدّة، "وهناك من نلجأ إليهم بين فينة وأخرى للتشاور معهم في مواضيع أكثر تخصّصاً". لكن، إذا "أخذنا الكتاب السينمائي، هناك أسماء لها موقعها ومكانتها في الساحة السينمائية، ومشهود لها بفضل حضورها ومواكبتها. لذا، لا أعتقد أنه يُمكن الشكّ، ولو لحظة، في جودة أعمالها، وبالتالي في قبولها. المعتمد في هذا المجال، أنْ يكون لصاحب المشروع مسار مهني مقبول". يُضيف أن الدار "تعاونت مع نقّاد أكاديميين وسينمائيين متمرّسين، كعبد الكريم واكريم وخليل الدامون ومومن السميحي ومحمد اشويكة وعزّ الدين الوافي والبوعيادي، وغيرهم".
وعمّا إذا كان هناك بدل مادي للناقد السينمائي أم لا، يقول: "في المغرب، لا تزال الكتابات النقدية السينمائية قليلة وشحيحة، والدراسات السينمائية في الجامعة المغربية حديثة العهد. لذلك، نحن نؤسّس للمستقبل. ولكي يكون هناك عائدٌ مالي من الكتب، باختصصاتها كلّها، يجب أن يكون هناك توزيع حقيقي. نحن اليوم نعاني هذه المشكلة. الناس يقرأون، لكن ليس بالشكل الذي نطمح إليه، وفي الوقت نفسه ليس بالشكل الذي يُسوّق له. الدليل على ذلك، أنّ عدد دور النشر يزداد، وهناك دور لها عمر طويل في المهنة، فما الذي يجعلها مستمرّة، لو لم يكن هناك قارئ؟".
ويختم سليكي كلامه بالتوقّف عند سياسة توزيع الكتاب السينمائي العربي: "في غياب مؤسّسات تستثمر في التوزيع، تعيش دور النشر العربية ترحالاً لا يتوقّف، من معرض إلى آخر، ترويجاً لكتبها وبحثاً عن قراء عبر العالم. هذا لا يخصّ الكتاب السينمائي فقط، إذْ ليست هناك دور نشر متخصّصة به دون سواه، إنّه نوع من أنواع أخرى، لكنْ لا حظّ له أكبر من الكتب الأخرى في الترويج في المعارض، وفي تنظيم لقاءات وحفلات توقيع، وفي مهرجانات سينمائية. هنا، يلعب التواصل دوره في التعريف بالمنتوج".
هاني مصطفى: كتب المهرجانات أرشيفية
من جهته، يرى الناقد المصري هاني مصطفى أنّ "عملية نشر الكتاب، ربما في العالم كلّه، تعاني تراجعاً كبيراً بسبب تراجع القراءة بين شباب الأجيال الجديدة، الذين تربّوا على قراءة الكتب عبر الوسائط الإلكترونية المختلفة، كالـ"تابليت" والكومبيوتر الشخصي. لذلك، فإنّ اقتصاديات طباعة الكتب لم تعد مُربحة لدور نشر خاصة عديدة. هذا الوضع حاضر بشكلٍ أصعب في الكتب المتخصصة، كالكتاب السينمائي. الاستثناءات القليلة تتمثّل بنشر كتب أكاديمية لا تزال تشكّل لدارسي السينما مصدراً رئيسياً لاهتماماتهم البحثية والعلمية". يضيف مصطفى: "لكن، في تاريخ صناعة الكتاب السينمائي في مصر، لم يكن الناشرون يهتمّون بجودة الورق والطباعة، فالهدف الأساسي كامنٌ في خفض التكلفة، لجعل الكتاب متاحاً لأكبر عدد من القراء، ما يؤثّر عادة في الجودة، خاصة أنّ الكتاب السينمائي يحتوي على صُوَر تكون أمثلة للأفلام (المكتوب عنها)".
وعن مصير النقد السينمائي في الكتب السينمائية، وهل هناك بحث واشتغال أكاديميان على مواضيع متعلّقة بالخطاب السينمائي العربي، أم أنّ الأمر يختصّ فقط بمقالات ومعلومات مجموعة في كتب باسم النقد السينمائي، يقول مصطفى: "كرئيس تحرير سلسلة كتب "آفاق السينما"، الصادرة عن "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، وهي إحدى هيئات وزارة الثقافة المختصّة بنشر الثقافة في المدن والقرى المصرية (تجربتي في هذا المنصب قصيرة)، كانت تُعرض عليّ كتب تحتوي على مقالات لنقاد سينمائيين مشهورين في مصر، وكنتُ أرفضها لأنّها لا تُشكّل إضافة كبيرة للمكتبة السينمائية المصرية. كانت السلسلة تنشر كتباً تستند إلى بحث أو دراسة نقدية تختصّ بموضوع معين، يمثّل إسهاماً من كاتبه لقارئ مهتمّ بشؤون السينما. لكنّ جهات حكومية أخرى، وخاصة ربما، كانت تنشر كتباً تُجمع فيها مقالات كهذه".
إلى ذلك، يقول مصطفى عن الدور الذي تلعبه المهرجانات السينمائية في التعريف بالكتاب السينمائي، إنّ "معظم المهرجانات المصرية تنشر كتباً سينمائية كل عام، لكن غالبيتها تستند إلى مادة أرشيفية خاصة بحياة فنانين مكرّمين في هذه الدورة أو تلك، والقليل منها يكون بحثاً أو دراسة سينمائية خاصة. معظمها يعاني مشاكل منهجية تحدث بسبب السرعة في تحديد منهج العمل، أو في جمع المادة، أو استعجال المراجعة العلمية واللغة. لذلك، لا يمكن اعتبار الكثير منها إسهاماً للمكتبة السينمائية العربية". يُضيف مصطفى: "هناك استثناءات قليلة، ككتبٍ تنشرها مهرجانات القاهرة (الدولي) والإسماعيلية (سينما تسجيلية وقصيرة) والأقصر (سينما أفريقية)، وهذا الأخير ترجم كتباً أفريقية إلى اللغة العربية في دورات سابقة له".