"لسه عم يسجل": توثيق تجربة الحصار في غوطة دمشق

04 اغسطس 2018
نتاج لما يقرب من خمسمائة ساعة من التصوير(العربي الجديد)
+ الخط -
من تجربة الحصار في الغوطة الشرقية، ينطلق سعيد البطل وغيّاث أيّوب مع فيلمهما الوثائقيّ الطويل "لسّه عم يسجّل"، والذي أنتجته "بدايات"، في رحلته العالميّة الأولى إلى مسابقة "أسبوع نقاد السينما" في النسخة الثالثة والثلاثين من مهرجان فينيسيا الدولي، والذي سينطلق يوم 29 أغسطس/ آب.

التقى فريق "العربي الجديد" بالمخرج، سعيد البطل. وفي حديثه عن تجربته في نطاق الإخراج السينمائي، يقول: "فيلم "لسه عم يسجل" هو الفيلم الطويل الأول بالنسبة لي، وهو من إخراجي أنا وصديقي غياث أيوب. وقبل هذه التجربة سبق أن صورت فيلمين قصيرين هما: "خط تماس" في عام 2014، بالتعاون مع منظمة "بدايات"، و" تو بي كونتنيو" في عام 2017. وسبق أيضاً أن قمت بالعديد من التجارب السينمائية، إلا أنها لم تكن ناضجة".

تسجيلي وليس وثائقياً

وعن "لسه عم يسجل" يقول البطل: "الفيلم هو نتاج لما يقارب من خمسمائة ساعة من المواد المصورة، تم تصوريها بين عام 2012 وعام 2015، بين الغوطة الشرقية (مدينة دوما تحديداً) والعاصمة دمشق، أثناء فترة الحصار الذي كانت تقوم به قوات النظام السوري في الغوطة الشرقيَّة.

وتناوب على التصوير عدد من الأشخاص، ولم يكن التصوير مرهوناً بشخص واحد. لذا فإن هذا الفيلم يعتبر تسجليّاً أكثر مما هو فيلم وثائقي. ومدة الفيلم هي ساعتان، ودام العمل على مونتاجه ما يقارب العامين، وسبق ذلك أربعة أعوام من التصوير. ويتناول الفيلم قصة الشباب في سورية، الذين هم في مقتبل العمر وفي أولى مراحل دراستهم الجامعية ضمن تلك المناطق التي تتعرّض إلى أبشع أشكال الحصار والدمار والقتل والتنكيل".



ظروف مستحيلة

وعن الصعوبات التي واجهت فريق العمل، يقول البطل: "جميع الذين عملوا على هذا الفيلم، لم يسبق لهم أن درسوا السينما أو التصوير. وتم تصوير الفيلم بمكان خاص جداً، وفي ظروف حياة بغاية الصعوبة، تحديداً في الغوطة الشرقية ودمشق. وكانت أصعب مهمة هي نقل الأرشيف المصور والذي تتجاوز مساحته السبعة "تيرا بايت". وتم نقل الأرشيف على مرحلتين من الغوطة إلى برزة، ومن برزة إلى خارج سورية. وذلك تطلَّب وقتاً طويلاً، ومجهوداً تشارك به عدد كبير من الأشخاص. وخلال عامين، حاولنا أن نظهر من المواد ما هو مكثف ومختصر لما تحتويه، بصورة تعكس أصدق ما حدث على أرض الواقع في هذا المكان الحساس".



توثيق الحقيقة

وعن أهمية التوثيق، والرسالة التي يرغب البطل من إيصالها في فيلم، يقول البطل: "اسم الفيلم "لسه عم يسجل"، وهو واحد من أهم الأشياء التي نحاول أن نتحدث عنها، أي أهمية التوثيق؛ فمن وجهة نظرنا التوثيق مهم لكل شخص سمحت له الظروف واستطاع أن يسجل ما كان يحدث في تلك المرحلة الخاصة جداً في تاريخ سورية.

ونحن مدركون تماماً أن المنطقة التي سكنا فيها هي منطقة تم التلاعب بحقيقة ما جرى فيها على مدار التاريخ. وهذا يشبه حقيقة ما اكتشفناه في الثورة عن الكذب والخداع الذي كان مكتوباً في كتب التاريخ التي درسناها. فاليوم نخاف أن تؤرشف الوقائع التي حصلت في سورية بشكل كاذب، بل إننا اليوم نرى بدايات هذا التشويه من قبل إعلام النظام السوري، وحتى من قبل بعض الأطراف التي تعمل لصالح الثورة السورية.

فالجميع يحاول أن يحرف القصص لتكون أقرب لدوافعهم. وهنا تأتي مسؤولية كل شاب سوري في هذه المرحلة، فعليه أن يحمل في يده كاميرا أو قلما ليوثق ما يحدث، ولنستطيع بطريقة ما تأمين تاريخ حقيقي لأولادنا، ليتمكنوا من رؤيته والحكم عليه. فما نريده هو رسم تاريخ حقيقي بدون تزييف، يتضمن أخطاءنا أيضاً بدون تحريف، لنتجنب أن يقع أولادنا في أخطائنا مرة ثانية".



كل لحظة تستحق التصوير

ويضيف البطل: "هناك عدد كبير من الشباب السوريين الذي صوروا بدون توقف. وأحياناً كانوا غير مدركين للهدف من التصوير، ويمكنني أن أعرف ذلك من خلال تجربتي الخاصة، ومن خلال معرفتي، التي لا بأس بها، بعدد كبير من المصوريين السوريين.

فهناك حالة عامة، تعكس واقع هؤلاء الشباب الذين لم يدرسوا ما يخص السينما، وليس لديهم أي فكرة عنها، وإنما حملوا الكاميرا كسلاح للدفاع عن النفس وعن الحقيقة. ولكن هذا لا يعني أن تلك المواد المصورة ليس لها قيمة، على العكس مما يعتقد العديد من الأشخاص الذين لديهم قسم كبير من الأرشيف الموضوع جانباً، وبغض النظر عن ظروفهم التي مروا بها؛ فالبعض يشعرون بأن تلك الأيام التي حملوا بها الكاميرا للتصوير كانت بلا جدوى، وهذا غير صحيح على الإطلاق. فكل لحظة تمر تستحق التصوير، أينما كانت وكيفما كانت، فبعد وقت يشعرون بقيمة تلك اللحظات التي تم تصويرها وأهميتها. ونحن لم نشعر بذلك إلا عندما غرقنا في صناعة الفيلم، والموضوع ليس بسهل، فهناك خمسمائة ساعة حملت كماً هائلاً من الأوجاع، وخاصةً أن عددا كبيرا من الناس المتواجدين في هذا الأرشيف ربما رحلوا أو ماتوا، ولكن هذا لا يلغي واجبنا تجاه تلك المواد والصور".


المساهمون