وعلى الرغم من أنّ فيروس كورونا قد مُنح اسمه بالفعل، إلا أنّ تسميته مع ذلك ما زالت تثير جدلًا، منذ الأسابيع الأولى لاكتشافه في مدينة ووهان الصينية، حيث انتشرت مسميات عديدة له منها "إنفلونزا ووهان" و"فيروس كورونا ووهان" و"فيروس كورونا المستجد 2019"، و"الفيروس المسبب للالتهاب الرئوي بسوق الأطعمة البحرية بمدينة ووهان"، وفقًا لموقع "بي بي سي".
كما أطلقت منظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحافي، اسم "المرض الناجم عن فيروس كورونا-19" على المرض الذي يسببه الفيروس، في حين اقترحت اللجنة الدولية لتصنيف الفيروسات في تقرير لها، تسمية الفيروس باسم "فيروس كورونا الثاني المسبب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد"، أو "سارس 2" نظرًا لارتباطه الوثيق بفيروس "سارس" الأول، قبل أن يوضح متحدث باسم منظمة الصحة العالمية، أنّ المنظمة لن تستخدم هذا الاسم، لأنه قد يثير الهلع بين الناس.
وشهد التاريخ جدلًا كبيرًا حول تسمية العديد من الفيروسات الفتاكة، من بينها فيروس "إتش 1 إن 1" الذي اشتُهر باسم "إنفلونزا الخنازير"، و"فيروس نورو" و"فيروس سارس"، لأنّ تسميات بعضها قد تسببت في إثارة غضب الناس لأسباب مختلفة، كما أنّ التصاق الاسم غير الرسمي الأول بأذهان الناس بشكل غير مناسب، سبب مشاكل عديدة بعضها خطير، مما يستوجب اختيار اسم مناسب لسلالة الفيروس منذ البداية.
خلافات دبلوماسية على تسمية الفيروسات
اشتُهر فيروس "إتش 1 إن 1" في البداية باسم "إنفلونزا الخنازير"، نظرًا لأنّ أول مصاب به كان يعيش في قرية بالقرب من مزرعة خنازير، إلا أنّ نائب وزير الصحة الإسرائيلي ياكوف ليتزمان، أعلن في مؤتمر صحافي طارئ عام 2009، أنّ إسرائيل ستُطلق على الفيروس اسم "فيروس الإنفلونزا المكسيكي"، في إشارة للبلد الذي اكتُشف فيه للمرة الأولى.
وأُطلقت على العديد من الفيروسات أسماء المناطق التي ظهرت فيها للمرة الأولى، حيث سمي "فيروس ماربورغ" نسبة إلى بلدة ماربورغ الألمانية، و"فيروس زيكا" على اسم غابة في أوغندا، كما تحمل "إنفلونزا فوجيان" اسم مقاطعة في الصين، ويحمل "فيروس إيبولا" اسم نهر في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويبدو أنّ الاسم الذي اقترحته إسرائيل، أثار حفيظة السفير المكسيكي فيها، والذي لم يقبل أن يلتصق اسم الفيروس القاتل باسم بلده، فقدم شكوى رسمية احتج فيها على الاقتراح بالتسمية الجديدة.
خسائر فادحة بسبب أسماء الفيروسات
تكبد مربو الخنازير خسائر فادحة، بسبب اعتقاد الناس أنّ لحم الخنازير ينقل العدوى بفيروس "إتش 1 إن 1"، الذي اشتُهر في البداية باسم "إنفلونزا الخنازير"، على الرغم من أنّ هذه الحيوانات لم تكن سبب المشكلة، مما أدى لمظاهرات كثيرة احتجاجًا على ذلك.
وأثارت التسمية الشائعة هلع كثيرين، ودفعتهم لقتل أعداد كبيرة من هذه الحيوانات، كما أمرت الحكومة المصرية بإعدام جميع الخنازير في البلاد، ودفن بعضها حيًا.
أسماء سببت التباسات
أطلق البعض على فيروس كورونا اسم "فيروس كورونا ووهان"، على الرغم من وجود 17 فيروساً بالفعل في ووهان، من بينها فيروسات البعوض والخنافس، والتي لا ينتقل أغلبها للبشر.
وعلى الرغم من أنّ هذا الاسم قد يسبب الالتباس، إلا أنّه على الأغلب سيظل متداولًا بين الناس، بعد استخدامه في آلاف عناوين الصحف حول العالم، مثلما لا يزال يُشار لفيروس "إتش 1 إن 1" باسم "إنفلونزا الخنازير".
كما اقترن اسم إسبانيا باسم فيروس إنفلونزا قاتل، الذي انتشر في أنحاء العالم في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، على الرغم من أنه لم يُكتشف للمرة الأولى في هذه الدولة، لكنها كانت فقط أول من أعلنت عن إصابات به، في الوقت الذي أخفت فيه دول أخرى الأمر، حرصًا على الروح المعنوية أثناء الحرب.
تسميات سببت عواقب كارثية
اشتُهر "فيروس نقص المناعة البشرية" في ثمانينيات القرن الماضي، باسم "فيروس نقص المناعة المرتبط بالمثليين"، مما عرقل سُبُل منع تفشيه، بالإضافة إلى الإساءة التي انطوى عليها الاسم.
وقيل إنّ ربط الفيروس بالرجال المثليين البيض دونًا عن غيرهم، عرقل جهود الكونغرس الأميركي لتمرير تشريع وقائي، مما ساهم في زيادة تفشي المرض بين الآخرين.
أنظمة بديلة لتسمية الفيروسات
اقترح البعض تسمية الفيروسات بأسماء البشر، كما هو الحال مع العواصف، إلا أنّ هذا الأمر لم يجنب العالم مشكلات جديدة.
وقيل إنّ رجلًا يابانيًا اشتكى للجنة الدولية لتسمية الفيروسات عام 2011، احتجاجًا على إطلاق اسم "فيروس نورو" على فيروس يسبب القيء والإسهال وينتقل بين البشر، نظرًا لأنّ اسم "نورو" شائع في اليابان، لكنّ الفيروس في الحقيقة ظلّ شائعًا بهذا الاسم حتى اليوم.
كما اقترح آخرون ترقيم الفيروسات، لكنّ الأمر لم يكن مجديًا نظرًا للكوارث التي قد يسببها خطأ برقم واحد، في حين أوصت منظمة الصحة العالمية في أدلتها الإرشادية، وصف الفيروس بالأعراض التي يسببها، ولم يجدِ ذلك أيضًا في تجنب الجدل.
واستوحي اسم "فيروس سارس"، من الأحرف الأولى لاسم "متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد"، وعلى الرغم من أنه مطابق تمامًا لمعايير منظمة الصحة، إلا أنه لاقى اعتراضات في هونغ كونغ، نظرًا لتشابهه مع اسم منطقة إدارية فيها.
ويبدو أنّ تسمية الفيروسات ستظل مسألة صعبة، لكنّ اختلاف التسميات لن يؤثر على انتشارها، لذلك قد يكون من الأفضل التركيز على سُبل منع تفشيها بدلًا من ذلك.