"عصفور" يوسف شاهين... لا يزال في قفص هزيمة 1967

08 يونيو 2018
هل أدى الفساد وإطلاق يد المقربين إلى الهزيمة؟ (فيسبوك)
+ الخط -
لم تعد الذكرى تخفت مع كل عام، ولا يثير تكرار الحديث عنها مللاً كما في غيرها، حكايات النكسة وما أدت إليه تتسع كل يونيو/حزيران، وتزيد مساحات التذكر والبحث عن أوجه الشبه بين ما كان، وما يجري الآن.

في حلقة هذا الأسبوع من "خارج النص" على "الجزيرة"، كانت رحلة بحث جديدة مع فيلم "العصفور" ليوسف شاهين، والأسباب التي أدت إلى منع عرض واحدة من أولى المحاولات الفنية الجادة للبحث عما انتهى بالمصريين الحالمين بالنصر القريب إلى تلك الهزيمة المريرة التي لم يخفف من وقعها وصفها بـ "النكسة".

كان شاهين حائراً في التفكير بين مسؤولية المثقفين، وما فعلته السلطة. يقول السينمائي الراحل علي أبوشادي إن هذا السؤال شغل المخرج بعد فيلمه السابق، "الاختيار"، فيما يرى الناقد براء الخطيب أن النكسة غيرت شاهين نفسه وجعلته أكثر اشتباكاً بالواقع وهمومه. الفيلم من قصة لطفي الخولي، الذي اشترك مع شاهين في كتابة السيناريو والحوار، ومثل فيه كل من محسنة توفيق وصلاح قابيل وصلاح منصور ومحمود المليجي وعلي الشريف، وآخرين.



جاءت الفكرة الأولى من شاهين بعد عامين من الحرب، وذهب بها إلى السياسي والكاتب لطفي الخولي فأقنعه برحلة الصحافي الباحث عن مواطن الفساد في المجتمع كخط رئيسي للأحداث، ورحلة يكتشف خلالها وهو يعد مادته الصحافية ما يجهله عن البلد الذي كان ينتظر تحقيق وعد زعيمه بإغراق العدو في البحر، بينما الحالمون يجتمعون في بيت "بهية".

السؤال حينها كان: هل أدى الفساد وإطلاق يد المقربين وسيطرة الخوف إلى تلك الهزيمة؟ سؤال يصلح حينها كما يصلح الآن، لكن ذلك ليس وجه الشبه الوحيد. في واحد من مشاهد الفيلم يتحدث الجندي الواصل لتوه إلى سيناء عن دهشته حين رأى الأرض التي اقتطعها العدو لنفسه: "ليه سبناها كده؟ صحرا.. كأنها بلد تانية".

انتهى شاهين من فيلمه رغم مخاوف وترقّب لما ستفعله الرقابة، وحين عاد من الخارج لينتظر العرض في عام 1972؛ وجد الأمر أصعب مما توقع، أعد عرضاً خاصاً للفيلم في سينما ميامي ليشاهده وزير الثقافة والإعلام حينها يوسف السباعي، وكان يرى في تلك المحاولة آخر آماله في طرحه في دور العرض، لكن الروائي الراحل كان قد صار مسؤولاً حكومياً.



يقول سيف عبدالرحمن، أحد أبطال الفيلم، إن السباعي وجد شبهاً كبيراً بين شخصية المسؤول التي أداها صلاح منصور وأخيه إسماعيل السباعي الذي كان مديراً لأمن القاهرة حينها، رفض الفيلم وهدد بحرق "النيغاتيف" الخاص به، وهو ما استعد له شاهين بتحميضه في العاصمة الفرنسية.

منع الفيلم لثلاث سنوات، وكان المبرر حينها الحفاظ على الجبهة الداخلية ومنع إحباط المواطنين، فيما شنت الصحافة الحكومية هجوماً عنيفاً على شاهين واتهمته بالحصول على تمويل أجنبي للنيل من القيادة، والحديث عن الفساد الداخلي بما يخدم العدو، وبرزت عبارة "اللصوص الشرعيين" التي يقولها أحد شخصيات الفيلم لزميله في الجامعة.

زادت حدة الهجوم على شاهين وفيلمه حين عرض في الخارج، ولاقى ترحيباً كبيراً في "مهرجان كانّ السينمائي"، وهو شبه آخر بما جرى مع أفلام حديثة كثيرة ليس آخرها "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد الذي حصل على العديد من الجوائز وعُرض في أبرز الاحتفاليات السينمائية العالمية، فيما منعت مصر عرضه وتراجعت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي عن إشراكه في المسابقة الرسمية قبل عامين.

"إحنا في عدوان.. وإنت عايز تتكلم عن مكن".. تنتهي حرب أكتوبر، وتفرج الدولة عن الفيلم، لكن النقاد يتهمونه بالهجوم على تراث عبدالناصر (الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر)، والتجني على حقبة يوليو، ووصفوا الفيلم بأداة جديدة في حرب السادات (الرئيس الراحل أنور السادات) على سابقيه. هذا العمل المثير بقي حتى اللحظة غير مرغوب في الشاشات المصرية، وتضيع بسلسلة حصاره تلك فرصة أخرى للبحث في ما انتهى بنا إلى ما نحن فيه الآن.


المساهمون