"موت أميرة": أنتوني توماس يستعيد إعدام الأميرة السعودية مشاعل بنت فهد

01 فبراير 2019
لم يتوقع أنتوني توماس الضجة التي أثارها الفيلم(العربي الجديد)
+ الخط -
إنّ العدد المتزايد من النساء أو الفتيات السعوديات اللواتي يتمردن على تقاليد بلدهن ويواجهن خطر الموت أثناء هروبهن، إنّما يعود بنا إلى القضايا التي أثيرت في الدرامي الوثائقي "موت أميرة" الذي عرض عام 1980 ولعبت فيه الممثلة  المصرية سوسن بدر دور البطولة (اضطرت بعد الفيلم إلى تغيير اسمها من سوزان بدر الدين إلى سوسن بدر). يتناول الفيلم قصة حقيقية للأميرة مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود، التي تقول الرواية الشعبية، إنها أعدمت في السعودية.
بحسب الرواية التي يتناقلها السعوديون، فإن الأميرة مشاعل، كانت في بيروت منتصف سبعينيات القرن الماضي للدراسة وهي في الـ19 من عمرها. هناك وقعت في غرام قريب السفير السعودي في لبنان، ويدعى خالد المهلهل. مع عودتهما إلى السعودية انكشفت العلاقة بينهما، حاولت الأميرة الهرب بهوية مزيفة، لكن تمّ التعرف عليها في مطار جدّة، ثمّ أعدمت بتهمة "الزنا"، بينما قتل حبيبها بعد فترة وجيزة. 
هذه هي الرواية المتعارف عليها حول مقتل الأميرة مشاعل، وهي الرواية التي كرّسها المخرج البريطاني أنتوني توماس في شريطه "موت أميرة"، مسلطاً الضوء على روايات أخرى، أقل انتشاراً أيضاً عن سبب موت الأميرة، وإن كان الخط الدرامي يقودنا دائماً إلى إعدامها بسبب "الزنا".
عرض الفيلم تبعته تداعيات غير متوقعة، إذ هدّدت السعودية آنذاك بفرض عقوبات اقتصادية وطردت السفير البريطاني من المملكة العربية السعودية. 
 "العربي الجديد" التقت أنتوني توماس، المخرج السينمائي الإنكليزي والمؤلف الذي شكّلت مقابلاته أساس هذا الفيلم، بغية فهم أفضل لما حدث في ذلك الوقت ومعرفة وجهة نظره حول التغييرات التي حدثت في تلك المجتمعات منذ ذلك الحين.


ما نوع الحياة التي عاشتها الأميرة وأي نوع من الفتيات كانت؟
كانت أميرة من القصور ككثيرات غيرها، لكنّها عاشت حياة فارغة، تمضي وقتها بمشاهدة أفلام الفيديو وقراءة المجلات، وأحياناً لم تكن تبدأ يومها قبل الساعة الخامسة بعد الظهر. بيد أنّه من الواضح أنّها كانت تتمتّع بشخصية قوية جداً وتتحمّل مخاطر كبيرة. أمّا حياة القصر فكانت كما وصفتها ماري روز بوشو، مربية الطفل ابن عم مشاعل، مكاناً للخمول وهدر الوقت، ولم تكن بيئة ملهمة.

هناك روايات متعددة ومختلفة جداً عن هذه القصة، ما الذي يجعلك متأكّداً أن روايتك هي الحقيقة، وأن الأميرة أعدمت لهذا السبب وبهذه الطريقة؟
أنا متأكّد جداً من أنّها الحقيقة بعد أن اخترتها من بين جميع الروايات المختلفة، كما أنّني متأكّد من أنّها لم تحاكم في المحكمة الإسلامية إنّما أعدمت في باحة أمام أحد الفنادق، وهو ليس المكان الطبيعي حيث كانت تجرى عمليات الإعدام الأخرى في المملكة العربية السعودية، لكن جدّها أصرّ على هذه العقوبة.


هل قابلت أي شخص دعم فرضية إعدام الأميرة؟
نعم المربية روزماري التي كانت تعيش في القصر مع الأميرة مشاعل، أخبرتني أنها تصدّق أنّ مشاعل حوكمت وأعدمت عن حق لارتكابها الزنا.

قلت: "لقد أعدمت في موقف للسيارات"، لماذا يقتلونها سرّاً إن كانت نيتهم أن يظهروا لشعبهم أنّهم صارمون حتى مع بناتهم؟
لا لم يكن إعداماً سرياً، بل في مكان عام جداً، كانت قطعة أرض فيها عدد من السيارات المركونة، وهناك تمّ تنفيذ الإعدام، حيث جاءت حشود ضخمة للمشاهدة.

ماذا عن الرواية التي تقول إنّ عائلة الأميرة دفعت أموالاً طائلة لإحدى القبائل لتقديم إحدى بناتها كي تعدم عوضاً عن الأميرة؟
لا، هذا هراء. في الفيلم نستمع إلى كل هذه الروايات المختلفة، هناك من يقول إنّ الرجل الإنكليزي (نجّار كان يعيش في المملكة، ويسكن في الفندق المقابل لعملية الإعدام) الذي صوّر عملية الإعدام كان يعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية، وشخص آخر زعم عن فتاة القبيلة، لكن الفيلم يوصلنا إلى الحكاية الحقيقية.


الصورة الوحيدة المنشورة والتي يقال إنها تظهر الأميرة مشاعل (في الوسط ترتدي قميصاً أبيضاً)/ تويتر


في أحد مشاهد الفيلم، يقول الممثل الذي يلعب دور دكتور جامعي في لندن: "من أجل أن تعيش كعربي تحتاج إلى أن تعيش مع مرض انفصام الشخصية". بناء على خبرتك في العالم العربي، ما هو المعنى الحقيقي لما قاله برأيك؟ وإلى أي مدى تعتقد أن هذا القول ينطبق على العالم العربي اليوم؟
أعتقد أنّ ما قاله في هذا السياق يعني أنّ عليك العيش في عالمين مختلفين في آن واحد. وهذا الشخص كان في الواقع دبلوماسياً مهمّاً للغاية. وأعتقد أنه عبّر عن الموضوع بأسلوب جيد، لأنه قال إنه يفهم مشاعل ويفهم عائلتها، وهذا التحوّل الضخم بين جيلين متتاليين.
أمّا عمّا إذا كانت هذه العبارة لا تزال صحيحة اليوم فلا أعرف ذلك، أنا أتحدث عن أواخر السبعينيات، ولم أجر أي بحث مكثف هناك في الآونة الأخيرة.

تحدثت في الفيلم عن الحياة الجنسية السرية للأميرات. هل تعتقد أنّ من العدل تعميم هذه الصورة النمطية على جميع الأميرات؟ وهل تعتقد أنّ هذا الأمر لا يزال على حاله اليوم؟
لا أعرف ما إذا كانت هذه هي الحال اليوم، لكنني على يقين من أنّها كانت كذلك في الوقت الذي كنت أصوّر فيه هذا الفيلم.

"أحمل مودة كبيرة للعالم العربي". قلت هذا في مقابلة أجريتها عام 2005. ما الذي يعجبك في العالم العربي، وما الذي وجدت صعوبة في فهمه؟
أكثر ما أحبّه في العالم العربي هو دفء مشاعر الناس ومتانة الصداقات. هي بيئة أشعر فيها براحة كبيرة جداً، ولدي فيها صداقات عزيزة. بالتأكيد لا أصدقاء لي في السعودية، لكن بالتأكيد لدي في لبنان ومصر، وقد استمتعت بوقتي للغاية في هذه الأماكن.
أجد صعوبة في فهم مأساة الحرب الأهلية في لبنان، إنها فظيعة. لقد صنعت ثلاثة أفلام في العالم العربي عام 1974، وكان ذلك الوقت يحمل آمالاً كبيرة هناك. كان الشعب المصري متفائلاً جداً بالمستقبل، والآن كما تعرفين فإن النظام الحالي أصبح أكثر فأكثر دكتاتورية. أشعر بمأساتهم كثيراً، في الواقع إنهم لا يستحقون ذلك.


مشهد من الفيلم (يوتيوب)

برأيك كيف تغيرت المجتمعات العربية منذ ذلك الحين؟
في عام 2011 كنا نظن أنه ستكون هناك حركة جديدة بالكامل. لكننا أصبنا بخيبة أمل.
لقد تغيرت المملكة العربية السعودية منذ أن كنت هناك، وهناك نسبة أعلى بكثير من النساء في مجال التعليم. نحن نعلم أن النساء يمكنهن قيادة السيارة هناك اليوم، لكن لا يزال أمامهن طريق طويل جداً.

ما هي الرسالة المركزية التي أردت إيصالها من خلال هذا الفيلم؟
لقد بدأت برسالة تعكس فعلاً بربرياً لأكثر المواجهات تأثيراً بين الملك وحفيدته. بيد أنّها تحولت إلى نوع مختلف تمامًا في الفيلم عمّا أردته. لكنني أشعر بأنّ الفيلم أعطى أيضاً فرصة للنظر في التعقيد وصعوبة الوجود في بيروت في وقت الحرب، حيث تبحث عن الحقيقة حول أميرة. كانت هناك أشياء كثيرة في ذلك الفيلم أخبرتنا نوعاً ما عن الظروف الراهنة في العالم العربي وقدّمت رسالة مختلفة تماماً عن تلك التي كنت قد قصدت إيصالها في الأساس. لكن هذا هو الشيء الذي يتعلق بالتصوير الوثائقي، يجب أن تسترشد بالحقائق بدلاً من الأفكار المبلورة مسبقاً. يتم صنع العديد من الأفلام الوثائقية اليوم بهذه الطريقة.
لا. اذهب إلى هناك، وكن على استعداد ورغبة في تغيير أي شيء من أجل الوصول إلى الحقيقة.


المخرج أنتوني توماس سنة 1980 التي عرض فيها الوثائقي (Getty)


هل كنت ستنتج الفيلم بطريقة مختلفة اليوم، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟
لا لن أفعل ذلك بأي طريقة أخرى على الإطلاق.

هل كنت تتوقع رد فعل غاضباً من المجتمع السعودي على الفيلم؟
لا لم أتوقع ذلك، لأنني عندما عرضته في مصر على الناس الذين منحوني إذناً بالتصوير، سألت نائب الوزير عما إذا كان قلقاً من رد فعل العالم العربي وقال لي إن السعوديين أكثر حذراً من الترويج للفيلم الخاص بك عن طريق الخلاف حوله. ومن المثير للاهتمام أنّه عندما تكرر عرضه في الولايات المتحدة عام 2005، فإن السعوديين لم يتفوهوا بكلمة، وبالطبع لم تكن أرقام المشاهدة كما كانت في عام 1980.

المساهمون