"مسافة أمان"... هل توجد حياة بعد الحرب؟

30 مايو 2019
بقي بناء شخصيات المسلسل متماسكاً (فيسبوك)
+ الخط -
انتظر الجمهور السوري كثيراً أن تنجح الدراما المحلية في استقطاب النجوم العاملين في الخارج، ضمن إطار اجتماعي، وليس ضمن مسلسلات البيئة الشامية أو الدراما التاريخية، فجاء المسلسل المنتظر، "مسافة أمان".
سلافة معمار، وكاريس بشار وقيس الشيخ نجيب، هم النجوم الذين وصلوا إلى مقعد البطولة في المسلسل بعد سلسلة من الاعتذارات، شملت النجمان عابد فهد وباسل خياط، أما حصّة الإخراج لليث حجو عن نص لإيمان السعيد.
تنطلق الحكاية من تسع شخصيات متفرقة لا تتقاطع مع بعضها في الحلقات الأولى، سوى أنها جميعاً تعاني من قلق غير مفهوم، ولا سيما في البداية.
هكذا، عمِل المسلسل على بناء حالة ود عاطفي بين الجمهور والشخصيات. هنا، الأداء يتنفس في مشاهد لم يظهر فيها النجوم المشاركون من سنوات بهذا القالب. ولو دارت غالبية الحكايات ضمن البيوت المغلقة كحالة من اللجوء العاطفي انتابت السوريين في ظل الحرب. فجاء الأداء ليرسم الحالات الانفعالية لثلاث شخصيات رئيسية: "سلام"، الطبيبة المصدومة بفقد الزواج، تعيش حالة خوف على ابنها وتعاني من رعاش في يدها اليمنى. أما الأمان الذي تبحث عنه سلاف يرتبط بغموض أحاسيسها؛ فلا ملجأ سر لها حالها حال السوريين وهي تحافظ على بناء علاقات حذرة مع المحيطين.
الشخصية الثانية "سراب"، الزوجة التائهة في غياب الزوج، تستيقظ لنفسها بعد أن غدت ابنتها في عمر الشباب، تبحث عن الحب فتجده لدى زوج جارتها. مساحة الخوف لدى سراب هي الأكبر، فحالة التشتت في المشاعر تجعلها تتخبط في مشاعرها من دون قرار حاسم. أما الشخصية الثالثة فهي "يوسف" المصور الفاقد للحبيبة بعد غرقها في مراكب الموت. لا يتحدث يوسف كثيراً، يحاول الموازنة بين تلبية رغباته وبحثه عن الاستقرار.
جميع الشخصيات الرئيسية ومن يدور في فلكها، تحاول حماية ذاتها من الانفجار والوقوع أكثر في أتون الحرب. ما حوّل غالبية القصة إلى مشاهد نفسية تغوص في أعماق الشخصيات أكثر مما تعمل على تصعيد الحدث أو استفزاز مشاعر المشاهدين، ما سبب فراغات في المسلسل حاول المخرج الليث حجو ترميمها، فجاء ذلك أحياناً مقنعاً وأحياناً في غاية الإقحام.
الدراما الواضحة المعالم عبر قصصها وشخوصها ليست بحاجة لسرد راوٍ يشرح المشروح ويفضح أسرار الأحداث صغيرة الحجم نسبياً، فضلاً عن عدم انسجامه مع خط مسار الحلقات. تارة يأتي في مطلع الحلقة وأحياناً في منتصفها، مرة قصير المدة ومرة أخرى طويل درجة الملل. فضلاً عن حالة تعبئة للشخصيات على حساب تطور هذه الشخصية أو فهم ملامحها، فما الداعي لمشاهدة أكثر من عشرين مشهداً لصبي في الحارة ما دام تأثيره في صلب الحكاية لا يتعدى حبه لفتاة أكبر منه عمراً.
في المقابل، لم تقع الشخصيات في فخ التكرار، بل بدت غالبيتها كأنها تعيد تقديم نفسها مجدداً، بدءاً بجرجس جبارة الذي أدى دور أستاذ الموسيقى، وحسين عباس بدور رجل الأعمال الصاعد بعد الحرب. كما منح مساحة كبيرة للفنانة حلا رجب تمهّد لتصديرها كنجمة سورية شابة، حالها حال إيهاب شعبان وهيا مرعشلي ولين غرّة. بالمقابل، منحت قصة الفنانة نادين تحسين بيك وسوسن أبوعفار دفئاً كبيراً غاب عن المسلسلات السورية خلال سنوات الصراع.
لا يمكن فهم "مسافة أمان" كحكاية درامية واحدة، ولا يمكن البحث له عن بداية أو نهاية، أو التفاعل مع الخطوط في نفس الوقت ما دام التزامن غير موفق بين سير الأحداث لدى الشخصيات، بل هو مجموعة من القصص المتناثرة في دمشق المشتركة في المناخ العاطفي البائس بعد الحرب، فئن اجتمعت كانت الصدفة هي الرابط المشترك ليس إلا.
المساهمون