العودة الملتبسة لـ"بَن": تناقضات مختلفة

19 ديسمبر 2018
هدغز وروبرتس في "عاد بَنْ": اللقاء الغريب (فيسبوك)
+ الخط -
يحدث أحيانًا أن تشاهد فيلمًا، وتشعر أن هناك أكثر من فكرة ومسار للحكاية تدور في مخيّلة الكاتب والمخرج، وغالبًا ما يكونان شخصًا واحدًا في أفلام كهذه. لكن كثرة الأفكار والمسارات تخرج في النهاية بصورة مشتّتة أو غير متجانسة كفاية. هذا تحديدًا ما يمكن أن يوصف به فيلم "عاد بَنْ" (Ben is Back) للمخرج والكاتب بيتر هَدْغز. 

يبدأ الفيلم مباشرة بالحدث الذي يقوله العنوان، إذْ "عاد بَنْ" من مصحّة للمدمنين، بعدما أمضى فيها 77 يومًا من دون مخدرات. منذ المشهد الأول، يظهر أمام المنزل لتمضية ليلة "عيد الميلاد" مع أفراد العائلة. تستقبله الأم هولي بحفاوة ومحبة، بينما الأخت الصغرى وزوج الأم يشعران بتوتّر شديد لوجوده المفاجئ. في النصف الأول، تكون عودة بَنْ الحكاية، لكن هَدْغز يتناولها بشكل ضعيف وغير مميّز بأي شكل، إذْ لا يُفهم هل هناك نيّة للعودة إلى الإدمان، أم أنه مجرد اشتياق حقيقي للعائلة؛ وبالتالي لا يُمكن التعاطف مع بنْ أو والدته هولي في الحالة هذه. وهل يريد بَنْ بدء حياة جديدة فعليًا، أم أنها حيلة يُخرِّب بعدها كلّ شيء، وبشكل سريع؟ أصادق هو أم كاذب؟

ربما يتعمّد بيتر هَدْغز التشتيت، لأن بطله مراهق مشتَّت هو أيضًا. وربما أراد منح فيلمه بعض الغموض. لكن هذا لا يأتي بنتيجة، من ناحية الأثر العاطفي للقصّة، خصوصًا مع كون شخصية هولي ليست واضحة كفاية هي أيضًا، وتتأرجح بين عاطفة شديدة وغير عقلانية (كلحظة رؤيتها بَنْ أول مرة، واحتضانها له من دون أسئلة أو ارتياب)، والحدة والقسوة والحزم (كما في مشهد المقابر حين سألته أين يريد أن يُدفن).

مشكلة أخرى: الأحداث التي تجري في 24 ساعة يمضيها بَنْ مع العائلة، يبدو الفيلم خلالها كأنه يعاني لإيجاد مواقف، فيتحوّل الأمر إلى مجرّد مَشاهد منفصلة ترتبط ببعضها بشكلٍ مفتعل للغاية لتمرير المعلومات، كذهاب هولي إلى المجمّع التجاري للقاء طبيب بَنْ، فتنكشف كيفية بدئه الإدمان؛ أو قراره الذهاب إلى المصحّة في جلسة جماعية (في هذا اليوم تحديدًا) مُطلقًا مونولوغًا طويلاً عن تعافيه؛ أو اللحظة المربكة التي يُخرج فيها المخدرات المخبّأة في جيبه ويعطيها للأم؛ إلخ. كلّ شيء يعكس شخصيات مرتبكة من ناحية السيناريو، وأحداثًا مفتعلة ومصنوعة لتمرير المعلومات.



في النصف الثاني، يتغيّر مسار الحكاية تمامًا: يختطف رفاق سابقون لبَنْ كلب العائلة لإجباره على العودة إليهم، فيبدأ مع هولي رحلة ليلية طويلة بحثًا عن الكلب. هنا، يتحسّن مستوى العمل، إذْ يظهر وجود قصّة واحدة، لو أنها شكّلت الفيلم منذ البداية لكان الوضع أفضل كثيرًا، فهناك فرق كبير بين حكاية مُدمن عائد إلى العائلة، وأخرى عن أم ترافق ابنها في رحلة ليلية مرعبة لحمايته من المدمنين، خصوصًا أن في النصف الثاني نفسه تكون دوافع الشخصيات وأهدافها أوضح: استعادة الكلب، ورغبة هولي في استعادة بَنْ.

صحيح أن الحوار ظلّ تلقينيًا في بعض المشاهد لتقديم معلومات مباشرة؛ وصحيح أن المواقف التي تتعرّض لها هولي تظلّ بسيطة ولا تنمو دراميًا داخلها. لكن التشتّت يخفّ، والقصة تُصبح واحدة، وتقود جوليا روبرتس دفّة المشاعر بخبرة كبيرة، في دور ليس غريبًا عليها، فهو امتداد لأداء تجيده منذ بداية مسيرتها، لكنه يظلّ قادرًا على التوريط العاطفي للمُشاهد، خصوصًا مع أداء ناضج للممثل لوكاس هَدغز (ابن المخرج)، المُرشَّح لجائزة "أوسكار" أفضل ممثل ثان عن دوره الرائع في "مانشستر عبر البحر" (2016) لكينيث لونرغن، ولعلّه يحصل على ترشيحٍ جديد عن تأديته دور بَنْ بيرنز في "عاد بَنْ".
دلالات
المساهمون