الإنتاج الموسيقي في مصر أسير الأزمة السياسية

25 مارس 2015
الأزمة السياسية المصرية تقبر صناعة الموسيقى (دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تربّعت مصر لسنوات على عرش الموسيقى العربية. وقد لعبت صناعة الموسيقى، والتأليف الموسيقي دوراً بارزاً في الاقتصاد، إذ تساهم هذه الصناعة بنسبة 1% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي. 

في السنوات الماضية، تراجع الإنتاج بسبب الظروف السياسية والأمنية، بالإضافة إلى اتخاذ الموسيقى منحى جديداً ودخولها العالم الرقمي. بحسب القيمين، لم تستطع شركات الإنتاج في مصر مواكبة التطور الرقمي في عالم الموسيقى خلال السنوات الماضية، بسبب الأوضاع السياسية، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض نسبة مساهمة الإنتاج الموسيقي في الناتج المحلي إلى 0.1% العام الماضي.

تراجع الإنتاج

يقول مدير شركة "مزيكا للإنتاج الفني" محسن جابر، إن صناعة الموسيقى تراجعت في السنوات الأخيرة، ووفقاً لتقارير منظمة "I F P I"، الاتحاد الدولي للمصنفات الفنية، فإن مصر تخسر سنوياً 2 مليار دولار؛ بسبب القرصنة على المصنفات الفنية، وذلك من خلال التحميل المجاني من الإنترنت، وهو ما يسبب خسائر تقارب 400 مليون دولار سنوياً.

ويشير جابر إلى أن الدولة منذ عام 2000، قد رفعت يدها تماماً عن صناعة الموسيقى، وتركتها فريسة لمجموعة من الأزمات، أهمها أزمة القرصنة، وذلك بالرغم من وجود ترسانة من القوانين التي يمكنها حماية صنّاع الموسيقى، إلا أن الدولة لم تسمع لاستغاثات شركات الإنتاج الموسيقي، وتعاملت مع الصناعة على اعتبارها صناعة ثانوية، فشرّدت ما يقارب أربعة ملايين موظف يعملون في التأليف والتوزيع والتسويق والإعلان والصحافة الفنية والإعلام الفني، وغيرها من المهن التي ترتبط بصناعة الموسيقى.


من جهته، يقول محمد سعيد، مدير الإنتاج في استديوهات "أف مزيكا" إلى أن الأزمة السياسية في مصر، ساهمت في تراجع صناعة الموسيقى، ويقول لـ "العربي الجديد": "لم تعد سوق الموسيقى كالسابق قائمة على أساس التلحين والتوزيع، ولم يعد الفنان يعتمد بشكل رئيسي على بيع إنتاجاته الفنية عبر الأقراص المدمجة، أو الكاسيت كالسابق، فاليوم، وفي ظل التطور الرقمي، ونشوء شركات خاصة بتوزيع الموسيقى عبر وسائل الاتصال الحديثة، تغيّرت صناعة الموسيقى، لكن مصر، وبسبب الأزمة السياسية، غابت الاستثمارات الخاصة بإنشاء شركات لتوزيع الموسيقى الرقمية، الأمر الذي سبّب بحدوث خسائر في هذا القطاع".

ويشير المتحدث ذاته إلى أن "حجم الأرباح من خلال بيع الموسيقى الرقمية يتعدى أضعاف الأرباح المتأتية عن طريق الإنتاج الموسيقي السابق". ويعتبر "أن مصر مهيئة لدخول عالم الموسيقى الافتراضي، في حال ثبات الأوضاع، لأن الشركات العالمية، تسعى إلى التعاقد مع فنانين مصريين من أجل نشر أعمالهم وبيعها عن طريق الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة".

إلى ذلك، يشير سعيد إلى أن آفاق الاستثمار الخاصة بصناعة الموسيقى في مصر واعدة، في ظل وجود كوادر فنية قادرة على النهوض بالإنتاج الموسيقي، مؤكداً وجود الكثير من الدراسات التي تفيد بإمكانية حصول مصر على المراكز الأولى في الدول العربية لجهة الإنتاج والتوزيع، خاصة الإنتاج الرقمي. ويمكن لمصر أن تحقق عائدات مالية مرتفعة تصل إلى أكثر من خمسة مليارات جنيه سنوياً، بعد دخول شركات التوزيع الفني في العالم الافتراضي، بسبب الإقبال الكثيف على تنزيل البرامج الفنية، والموسيقى على الهواتف الذكية، بحسب سعيد.

انهيار الصناعة الموسيقية

من جانبه، يقول عضو مجلس إدارة الجمعية المركزية للتسجيلات الصوتية والمرئية والخبير ثروت سالم، إن مصر تمر بمرحلة أزمة على كافة المستويات، وبالتالي فمن الطبيعي أن تنهار بعض الصناعات، ومنها صناعة الموسيقى. ويؤكد أن الحكومات المتعاقبة تنظر إلى صناعة الموسيقى باعتبارها صناعة ثانوية، بالرغم من أن إجمالي العاملين فيها يتجاوز الخمسة ملايين مواطن مصري، ما بين مطرب، ومؤلف وموزع وموسيقي وغيرهم، ما يؤكد أهمية هذه الصناعة على كافة المستويات.

من جهة أخرى، يلفت سالم إلى أن الموسيقيين عقدوا مؤتمراً بالتنسيق مع بقية العاملين في مجال الإبداع الفني، لطرح أزماتهم ومشاكلهم على الحكومة المصرية. وبالفعل كانت هناك استجابة من قبل الدولة لتلك الاستغاثات، لا سيما أن الإنتاج الموسيقى لا يتوقف فقط عند حد الضرائب التي تدفعها الدولة، بل إنه عامل مهم وفارق في السياحة، وفي تحسين صورة مصر أمام العالم، الأمر الذي دفع بعدد من الوزراء إلى حضور مؤتمر "الإبداع مستقبل مصر" الذي عُقد خلال الشهر الماضي، والخروج بمجموعة من التوصيات، سيبدأ العمل بها خلال الفترة المقبلة.


في هذا الإطار، يطالب سالم بضرورة إنشاء كيان كبير تشرف عليه الدولة، يقوم بالإنتاج الموسيقي، بحيث تمنحه الدولة شارة بث لقناة فضائية وإذاعية ودعاية مجانية، وذلك لتقديم فن محترم وأصوات مصرية جديدة تليق بالفن المصري والأغنية المصرية، وللتصدي لسطوة التوجّهات الاحتكارية لبعض رجال الأعمال، وبعض الوكالات الإعلانية. وهو الأمر الذي سيقضي على أهم أزمات صناعة الموسيقى في مصر، ألا وهي الاحتكارية، إضافة إلى تفعيل دور الشرطة في ضبط الأسواق من خلال الرقابة على المصنفات الفنية.

من جانبها، تؤكد الفنانة حنان ماضي، أن هناك أزمات متعاقبة تعانيها صناعة الموسيقى في مصر، أبرزها القرصنة، وسرقة الإنتاجات الفنية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق 22 شركة خاصة للإنتاج الفني خلال العامين الماضيين، مسبّبة خسائر كبيرة.

بالإضافة الى احتكار بعض الشركات للسوق الفني، الأمر الذي أدى إلى هروب المستثمرين، بالرغم من دور هذه الشركات في تنمية الاقتصاد المصري.

إقرأ أيضا: الإمارات: انتشار الموسيقى الرقميّة
دلالات
المساهمون