ووفقاً للمصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن هناك معلومات ودلائل عدة تفيد بأن حفتر حصل على ضوء أخضر من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للزحف نحو طرابلس، فيما تعزز التعليمات التي أوصلتها الاستخبارات العامة المصرية لوسائل الإعلام حول كيفية التعامل مع التطورات من هذا الاعتقاد.
وبحسب المصادر الأوروبية فإن الهدف الأساسي لهذه العملية ليس دخول العاصمة الليبية والسيطرة عليها، بقدر ما هو محاولة فرض أمر واقع وتحسين وضع حفتر قبل أي تدخل دولي جماعي في الشأن الليبي، قد يترتب عليه إنهاء الأزمة.
وكشفت المصادر أن حفتر زار القاهرة سراً منذ أسابيع عدة، قبل استقباله بشكل علني للمرة الأولى في السعودية نهاية شهر مارس/آذار الماضي. وبحسب المصادر أطلع حفتر على مجريات مفاوضات سرية تجري بين الدول الأربع الكبرى المهتمة بالشأن الليبي، وهي إيطاليا وفرنسا وأميركا وبريطانيا، مع الدول العربية الحدودية مع ليبيا، وكذلك دولة الإمارات، حيث كانت المفاوضات تسير في اتجاه ضرورة إيجاد حل نهائي للأزمة، تحضيراً لمؤتمر الحوار الوطني الجامع الذي كان من المقرر انعقاده في مدينة غدامس جنوب غرب ليبيا، بعد تخفيف روما وباريس شروطهما بشأن خارطة المستقبل.
وأكدت المصادر أن هناك مؤشراً آخر على التنسيق بين السيسي وحفتر في عملية طرابلس الأخيرة، يتمثل في ورود معلومات عن تشديدات أمنية وعسكرية مصرية غير معتادة على الحدود الغربية، تم رصدها قبل ساعات من إعلان حفتر بداية عمليته، التي تبدو متعثرة حتى الآن رغم الدعاية الإعلامية المصاحبة لها والتي تسوق لتقدم كبير.
ورجحت المصادر أن يكون سماح السيسي بهذه الخطوة أو الدفع باتجاهها حالياً، يعود لرغبته في ضمان مكانة مميزة لحفتر مستقبلاً، كرئاسة الدولة أو قيادة الجيش الموحد. وأصبح حفتر هو المسيطر فعلياً على معظم التراب الليبي، عدا العاصمة التي تتمركز فيها الجماعات والقوى ذات الخلفية الإسلامية والثورية المناهضة للسيطرة المصرية والإماراتية على المشهد السياسي، والتي يصنفها السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان كـ"مليشيات إرهابية". مع العلم أن قوات حفتر تضم العديد من المليشيات، والتي استجابت للمبادرات المصرية المتعاقبة منذ 2014، لتوحيد المليشيات تحت لواء حفتر مقابل حصولها على تدريب وعون لوجيستي واستراتيجي من القاهرة.
وعلى الرغم من الإدانة المصرية العلنية لخطوة حفتر ومحاولة تصوير الأمر بأنه "انفلات غير مرغوب فيه"، تماشياً مع البيان الدولي الخماسي (أصدرته الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والإمارات) ومواقف الأمم المتحدة، فقد اختلف تماماً تعامل الإعلام المصري الموالي للسيسي مع الأحداث. وفتحت القنوات الفضائية والصحف المجال للمتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري بشكل مستمر، بدون إتاحة أي مساحة لأطراف من العاصمة أو حتى حكومة الوفاق. وبحسب مصادر إعلامية مصرية، يتم التسويق للعملية باعتبارها تهدف للقضاء على الإرهاب بشكل أساسي، دون إلقاء الضوء على السياق العام للأحداث، وذلك وفق تعليمات مباشرة من الاستخبارات العامة.
وكان مؤتمر باليرمو، الذي عقد بتنظيم إيطالي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد جمع في أحد لقاءاته السيسي بحفتر والسراج ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، وفيه طالب السيسي إيطاليا بالعمل مع مصر على توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، مشيراً إلى أن مصر لن تستطيع بمفردها التحكم بكل المليشيات. ووجه السيسي تحذيرات مبطنة في ذلك اللقاء للسراج من أن تفرز الانتخابات، إذا جرت بشكل مدروس، رئيساً للجمهورية ورئيسين للحكومة والبرلمان يمكن لجميع القوى الإقليمية التعامل معهم بدون مشاكل، بشرط ألا يكون من بينهم "إسلاميون"، معبراً بذلك عن الرؤية التي يتشاربك بها مع الإمارات والسعودية وروسيا.
وعمل السيسي على تعطيل إجراء الانتخابات الليبية مراراً، ربما لحين تحكم حفتر في أكبر قدر ممكن من الأراضي. وسبق أن نشرت "العربي الجديد" تقريراً منذ 5 أشهر بالتزامن مع مؤتمر باليرمو، ذكرت فيه مصادرها أن السيسي ليس متعجلاً على إجراء الانتخابات، وهو في ذلك يختلف مع الاتجاه الأوروبي والأممي. ورجحت أن يحاول إثناء حفتر على القبول بموعد قبل نهاية العام المقبل، رغم أن لقاءات باليرمو تمخضت عن اتفاق على عقد مؤتمر آخر بداية 2019، لبدء إجراءات الانتخابات في الربيع، الأمر الذي لم تستحسنه مصر، ولم يحدث حتى اللحظة أيضاً.