وفي مقال نشرته الصحيفة، اليوم الإثنين، ذكّر لي سي. بولينجر، العميد السابق لجامعة كولومبيا، وأستاذ القانون المتخصص في الدستور وقضايا حرية التعبير، بأنّ وكالات الاستخبارات الأميركية خلصت إلى علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "الواضحة" بجريمة قتل خاشقجي.
ولفت إلى أنّ الحكومة السعودية، وبعد أسابيع من النفي وسط الانتقادات الدولية، اعترفت في نهاية المطاف بأنّ خاشقجي قد تم اغتياله في قنصلية بلاده في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أيدي "سعوديين مارقين" وعد النظام بمقاضاتهم، "لكن بعد ذلك لم يحدث شيء".
وأضاف بولينجر "في عالم مثالي، يمكن استخدام الاتفاقيات الدولية لمحاكمة المشتبه بهم في محكمة جنائية دولية، غير أنّ السعودية لا تعترف بالمحاكم الجنائية الدولية ولم توقّع على الاتفاقيات ذات الصلة".
Twitter Post
|
وعرض بولينجر حلاً آخر لمسألة محاكمة قتلة خاشقجي، لافتاً إلى أنّ الاعتداء على خاشقجي وهو مقيم قانوني في الولايات المتحدة، وأولاده مواطنون أميركيون، هو "هجوم فظ ووقح على القيم الأميركية وضد الحقوق التي منحه إياها الدستور في هذا البلد".
وبحسب بولينجر، فإنّ المدعين العامين الفدراليين ملزمون بالتحقيق في قضية خاشقجي، مع إمكانية رفع دعوى جنائية ضد القتلة.
وأقرّ بولينجر بأنّ هناك عقبات قانونية أمام مقاضاة قتلة شخص غير مواطن في الخارج، في جريمة ارتكبها من هم ليسوا مواطنين أميركيين، لكنّه لفت في الوقت عينه إلى أنّ "هناك أسسا قانونية معقولة للتحقيق والمحاكمة الفدرالية الأميركية".
واعترف بأن مبادئ القانون الدولي تحذّر من توجّه دولة ما بصلاحيات قضائية، للتحقيق في جرائم مرتكبة في بلدان أخرى، غير أنّه أوضح أيضاً أنّ المحاكم الأميركية والقانون الدولي يعترفان بأنّ الاختصاص القضائي خارج الحدود الإقليمية، فيما يتعلّق بالجرائم التي تقع خارج الولايات المتحدة، "يمكن تبريره في ظروف معينة".
وقال بولينجر إنّ مقتل صحافي بارز يكتب في إحدى الصحف الأميركية، يُعد مثالاً رئيسياً على نوع من "الرقابة في الخارج" التي تقوّض حرية التعبير والصحافة هنا في الولايات المتحدة.
وأوضح أنّ المحاكم تقرّ الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية، لجريمة تحدث في بلد تصل تداعياتها إلى بلد آخر (مثال على ذلك إطلاق النار على شخص ما على الجانب الآخر من الحدود الدولية)، مشيراً إلى أنّ الولاية القضائية خارج الإقليم، تُعتبر مناسبة كذلك لجرائم مثل القرصنة والإرهاب والتعذيب التي يدينها المجتمع الدولي عالمياً، "والتي كانت جريمة خاشقجي إحداها بلا شك"، بحسب قوله.
وأشار إلى أنّ القانون الدولي يعترف بأنّ التعذيب جريمة بشعة، إلى حد أنّ الدول تتحمل مسؤولية محاكمة مرتكبي التعذيب داخل حدودها، حتى لو ارتكبت الجريمة في مكان آخر، لافتاً في هذا الإطار إلى أنّه يمكن للسلطات الأميركية اتخاذ الترتيبات اللازمة، للقبض على المشتبه بهم السعوديين في الولايات المتحدة، لتتم محاكمتهم بتهمة التعذيب.
وذكر بولينجر خياراً ثانياً محتملاً، يمكن من خلاله محاكمة قتلة خاشقجي، وذلك عبر فتح قضية في ملف الحقوق المدنية الفدرالية، بناءً على قانون يحمي ممارسة الأفراد لحقوقهم الدستورية.
وقال إنّ الدستور الأميركي يشير إلى أنّه في حال تآمر شخصين أو أكثر على "جرح أو اضطهاد أو تهديد أو تخويف" أي من سكان الولايات المتحدة، بناء على الممارسة الحرة لحقوقه المحمية دستورياً، وفي حالة نتيجة الوفاة فإنّ الجناة قد يواجهون عقوبة السجن مدى الحياة أو يُحكم عليهم بالإعدام.
وتابع أنّه في قضية خاشقجي، سيكون هذا الاختصاص القانوني مناسباً، لأنّه تم اضطهاد حقوق خاشقجي التي يوفرها له الدستور في الولايات المتحدة، حيث مارس الصحافة.
وأضاف أنّه يمكن تعزيز إشارة الاختصاص القضائي الأميركي، في قضية خاشقجي، في حال تمكن المحققون الفدراليون من إثبات أنّ جوانب الجريمة وقعت في الولايات المتحدة، على سبيل المثال إذا أثبتوا أنّ السعوديين اتصلوا بخاشقجي عندما كان في الولايات المتحدة، لاستدراجه إلى قنصليتهم في إسطنبول.
واستغرب بولينجر، الموقف الأميركي في قضية خاشقجي، معتبراً أنّ الولايات المتحدة "متهاونة" إلى حد كبير في الرد على مقتله.
وقال إنّ "واجب معاقبة مرتكبي هذه الجريمة البغيضة، أمر واضح للغاية، وكذلك وجوب التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن ممارسة الحقوق الدستورية، لا سيما حرية التعبير والصحافة"، مشدداً على أنّه "يمكن تحقيق كلا الهدفين من خلال التطبيق العملي والمباشر للقانون الأميركي الموجود".
وختم بولينجر بالقول إنّ "أي شخص على أرض الولايات المتحدة، سواء كان صحافياً بارزاً أو مواطناً عادياً ينتقد السلطات، يجب أن يطمئن إلى أنّ تطبيق الحكومة للدستور في ظهره. الدستور الذي يقول في مقدمته (يحق لأي فرد في الولايات المتحدة انتقاد الزعماء السياسيين، في الأماكن العامة، من دون خوف من الانتقام من الدولة)".