أدوات الإمارات في اليمن: مزيج انفصاليين وقبائل و"قاعدة"

16 يونيو 2020
من تظاهرة للموالين للانفصاليين في عدن (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تترك الإمارات منذ بدء تدخّلها العسكري في الحرب اليمنية، ضمن "التحالف العربي" في مارس/آذار 2015، وسيلة إلا واستخدمتها لتعزيز نفوذها على حساب الحكومة اليمنية، التي باتت عدوها الأول، لتركز أبوظبي إمكاناتها على تشكيل جماعات موازية للشرعية تعمل على تنفيذ مشروعها، الذي تجلّت أبرز صوره بالانقلاب الذي نفذه أتباع أبوظبي في "المجلس الانتقالي الجنوبي" على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي جنوبي اليمن وتحديداً في العاصمة المؤقتة عدن. وعملت الإمارات في كل مرحلة من الصراع على تغيير وتطوير أدواتها التي لم تعتمد فقط على تعزيز وجود ودعم جماعات مسلحة خارج سلطة الشرعية اليمنية، بل أيضاً عرقلة تحرير بعض المناطق من سيطرة الحوثيين لأهداف خاصة.

تشكيل مليشيات

تكشف مصادر متعددة لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى وقائع ميدانية، كيف عملت الإمارات خلال سنوات الصراع اليمني على إنشاء مليشيات خاصة بها في جنوب وشرق اليمن، مثل قوات "النخبة الحضرمية" و"الشبوانية"، وأيضاً محاولة تشكيل جماعات مماثلة في المهرة لكنها فشلت نوعاً ما حتى الآن في المحافظة، وفي الوقت نفسه عملت على إنشاء "الأحزمة الأمنية" في عدن ولحج وأبين والضالع. بالتوازي مع ذلك أنشأت كياناً سياسياً كغطاء لتلك المليشيات هو "المجلس الانتقالي الجنوبي"، في تحدٍ صريح وواضح للحكومة اليمنية، لتنجح في بسط سيطرتها عبر هذه الأدوات على أغلب مناطق جنوب وشرق اليمن، بل تحوّلت هذه السيطرة إلى احتلال إماراتي مكتمل الأركان، لتتحكّم أبوظبي في كل شيء في المناطق المحررة، بما في ذلك منع هادي وأركان حكومته من العودة إلى اليمن، بعدما أحكمت قبضتها على منافذ البلاد البرية والجوية والبحرية، ومناطق الثروة.

ولم تقتصر أطماع أبوظبي على جنوب وشرق اليمن، بل توجّهت إلى الشمال حيث أنشأت قوات أخرى تحت مسمى "المقاومة الوطنية" و"حراس الجمهورية"، بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، العميد طارق محمد عبدالله صالح، في الساحل الغربي، وسلمته بشكل كامل هذا الساحل، لتكون بذلك قد شكلت جيشين في اليمن شمالاً وجنوباً.
كذلك عملت الإمارات على التقرب من بعض الأحزاب والمكونات السياسية وإنشاء تحالف معها، ومنها حزب "المؤتمر الشعبي العام"، جناح صالح ونجله العميد أحمد صالح، فضلاً عن جناح واسع من "الحزب الإشتراكي" اليمني، في أغلب مناطق جنوب وشرق اليمن، حتى أنها تمكنت من استقطاب جناح في الحزب "الناصري" ممثلاً بأمينه العام عبدالله نعمان، في محاولة لاستخدام كل هذه الأدوات التي لها خلافات فكرية وأيديولوجية مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح" لتفتيت صفوف الحكومة اليمنية والداعمين لها من قبل الأطراف الرافضة للوجود الإيراني والدور الإماراتي.

وقامت أبوظبي أيضاً بجذب بعض مكوّنات الحراك الموالية لإيران، وذلك من خلال استخدام جناح يتزعمه الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، إضافة إلى استخدام موالين لإيران في جنوب وشرق اليمن منهم ناشطون وصحافيون ووسائل إعلام، فضلاً عن بعض المليشيات، ويصل عدد أفرادها إلى خمسة آلاف، وباتت الإمارات تعتمد عليهم في بسط سيطرتها وتوسعة نفوذها، في مواجهة الحكومة.

سلفيون وقبائل
لم تتوان أبوظبي عن استخدام السلفيين في معركتها باليمن، ويبرز من هؤلاء نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" الشيخ السلفي هاني بن بريك، والشيخ السلفي الجهادي عبد الرحمن شيخ اليافعي. ويلعب هؤلاء دوراً مؤثراً في الحرب الفكرية وتصفية خصوم أبوظبي من رموز التيارات الدينية الأخرى أو تيار الإسلام السياسي، أو تلك التي لا تشترك في الحرب وترفض العنف. كذلك تحدثت مصادر سلفية وأخرى في مقاومة عدن، عن أن تنظيم "القاعدة" كان من أهم الأوراق بيد الإمارات التي ما زالت تستخدمه وتدعمه بطريقة غير مباشرة عبر بن بريك، سواء كان الدعم مادياً أو بالسلاح، مقابل تبادل منافع ومصالح بين الطرفين، ليتولى "القاعدة" ما لا تستطيع أبوظبي وأتباعها تنفيذه بأنفسهم.


كما أن قبائل الجنوب كانت واحدة من أهم الأدوات بيد الإمارات، التي تمكّنت من تطويع أغلب قبائل الضالع ويافع وبعض مناطق ردفان، لكنها فشلت في ذلك في أبين وشبوة وحضرموت والمهرة، وهو ما أدى إلى نجاح الحكومة في طرد أبوظبي ووكلائها من تلك المناطق، ليبقى نفوذ للإمارات في مناطق ساحل حضرموت عبر قوات "النخبة الحضرمية". لكن أبوظبي تمكّنت خلال الأشهر الأخيرة من إحداث اختراق في صفوف بعض قبائل حضرموت، مثل قبائل يافع، وتحاول من خلال هذه الأدوات جر الحضارم وقبائلهم إلى صراع ضد الحكومة، من خلال إخراجهم من فكرة الحياد.

كما أنها تمكنت خلال الشهر الأخير من تطويع بعض الوجهاء القبليين في شبوة القريبين من حزب "المؤتمر الشعبي العام" جناح صالح، في محاولة لاستخدامهم في حشد قبائل شبوة لتفجير الأوضاع العسكرية في المنطقة ومهاجمة السلطات المحلية وقوات الجيش والأمن التابعة للحكومة الشرعية، وأيضاً لإحداث إرباك من خلف قوات الشرعية، المتواجدة على مقربة من عدن في محيط مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين.

التواطؤ السعودي

على الرغم من نجاح الإمارات في جمع فئات عديدة إلى جانبها، إلا أنها لم تكن لتستطيع تحقيق مخططاتها لولا الغطاء السعودي لانقلاباتها وبسط سيطرتها على عدن وعلى سقطرى أخيراً، كما تقول مصادر في الشرعية اليمنية، لتصبح الرياض غطاء لتمرير كل مشاريع أبوظبي، من تشكيل مليشيات مسلحة وكيانات سياسية، إلى إفشال اتفاق الرياض الذي تكفلت السعودية لمجلس الأمن الدولي بتطبيقه. كما تُتهم أبوظبي بدفع الرياض لوقف القتال في جبهات مع الحوثيين، ووقف عمليات تحرير تعز وإب والبيضاء وصنعاء، على الرغم من قدرة الجيش اليمني على حسم معركة صنعاء وما تبقّى من مناطق خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، وفق تصريحات لقادة في الجيش.

وفي هذا السياق، قال القيادي في المقاومة اليمنية أبو العز محمد البعداني، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات توفر فرصة للحوثيين لاستهداف الحكومة ومهاجمة مناطق نفوذ الشرعية، وتمنع إطلاق عمليات عسكرية لتحرير بعض المناطق من سيطرة الحوثيين من قبل قوات الجيش الوطني، بل إن الطيران الإماراتي يتدخّل بقصف الجيش عند تقدّمه، وهي بذلك توفر فرصة للحوثيين لتقليص نفوذ الشرعية نيابة عنها حتى يتم إضعاف الأخيرة وتخفيف الضغط عن أبوظبي في جنوب اليمن وشرقه. وأضاف أن استمرار دعم حصار مدينة تعز ورفض تحريرها جعل الحوثيين بشكل مستمر سيفاً مسلطاً على المحافظة الأكثر كثافة سكانية في اليمن والتي فيها نفوذ واسع للشرعية وأحد معاقل حزب "التجمع اليمني للإصلاح".

من جهته، قال الناشط اليمني مجدي الزيادي، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات لم تعتمد لتحقيق أهدافها فقط على "المجلس الانتقالي" والمليشيات التي شكّلتها وبعض القبائل، بل قامت بالتلاعب بالعملة اليمنية ومحاربة التجار الموالين للحكومة وتعطيل مؤسسات الإيرادات، والتلاعب بالاقتصاد ونشر الفوضى، إضافة إلى السيطرة على مناطق تواجد الثروة لمنع استفادة الحكومة الشرعية منها، فضلاً عن تكوين مراكز قوى جديدة، وتعطيل المنافذ الجوية والبحرية، والسيطرة على مضيق باب المندب وجزيرة ميون، واستغلال حصار اليمن بحرياً لعرقلة أي اتصال مباشر للحكومة مع أطراف إقليمية ودولية، ومنع إيصال سلاح لها أو دعم من أي طرف خارجي أو حتى عقد صفقات شراء سلاح أو غيره.