غضب في الجزائر: تظاهرات غير مسبوقة ضد ترشيح بوتفليقة

23 فبراير 2019
هتف المحتجون: "لا للعهدة الخامسة" (رياض قرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
كسر الآلاف من الجزائريين قرار منع التظاهر في العاصمة الجزائرية، أمس الجمعة، حيث خرج الآلاف من المواطنين والشباب والنساء إلى الشوارع، للتجمّع في ساحة أول مايو وسط العاصمة الجزائرية وفي مدن أخرى، احتجاجاً على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي ستجرى في 18 إبريل/ نيسان المقبل. وأسقط الجزائريون تهديدات رئيس الحكومة أحمد أويحيى، التي أطلقها في الثاني من فبراير/ شباط الحالي، بمنع التظاهر والخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد ترشح بوتفليقة.

وبدأ النشطاء بالتجمع، منذ الصباح، في ساحة أول مايو وسط العاصمة الجزائرية، المحكومة لوحدها، من دون باقي المدن الجزائرية، بقرار منع التظاهر والاعتصام والمسيرات منذ 14 يونيو/ حزيران عام 2001. لكن تصاعد الاحتقان الشعبي منذ القرار الذي أعلنه المحيطون ببوتفليقة في 10 فبراير/ شباط الحالي بترشيح الرئيس العاجز جسدياً وغير القادر على الكلام حتى، لولاية رئاسية خامسة في انتخابات إبريل/ نيسان المقبل، كان واضحاً أنه سيجعل الحكومة أعجز من أن تنفذ قرار منع التظاهر، وأن تقف ضد طوفان شعبي جارف تدفق على الساحة من القبة والمرادية وبلكور وباب الواد والحراش والمحمدية والمدنية وغيرها من أحياء العاصمة.

وقبل أيام من "جمعة الغضب"، جرى تسريب معلومات إلى الناشطين الداعين إلى التظاهر بإمكانية اعتقالهم، وهو ما حصل بالفعل صباح اليوم المشهود. كما جرت محاولة استباقية من قوات الأمن لتفريق الناشطين والصحافيين المتجمعين في ساحة أول مايو بلا جدوى. وسيرت السلطات شاحنات جمع النفايات، والتي قامت بجمع الإطارات من الأحياء الشعبية تفادياً لاستخدامها من قبل المتظاهرين. وفي إطار محاولاتها لمنع التظاهر، احتلت قوات الأمن الساحة التي تحتضن أكبر مستشفى في الجزائر "مصطفى باشا"، والتي تقام فيها أغلب الوقفات الاحتجاجية للنقابيين والأطباء والعسكريين المصابين وضحايا الإرهاب والأحزاب السياسية وغيرهم، إذ طغى عليها اللون الأزرق، وهو لون بزات الشرطة التي انتشرت أيضاً على مداخل العاصمة والمحاور الكبرى. لكن ما إن انتهت الصلاة، حتى انتشر المعارضون في ساحة أول مايو، والتي لم تعد تتسع للمتظاهرين من الشباب والكهول والنخب والصحافيين والمثقفين والشباب العاطل عن العمل. ودفع هذا الأمر بالقيادة الأمنية والسلطات السياسية إلى اتخاذ قرار بسحب قوات الشرطة من الساحة وتركها للآلاف من المتظاهرين الذين استجابوا لنداءات التظاهر التي وجهتها مجموعات ناشطة وقيادات سابقة في حركة "بركات" (كفاية) وحركة "مواطنة"، تجنباً لأي صدام مع المتظاهرين الذين كانوا يرفعون الأعلام الوطنية وشعارات تندد بمشروع الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة. وردد المحتجون شعارات "لا للعهدة الخامسة"، و"ديغاج" (إرحل بالفرنسية)، و"الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد"، في إشارة إلى شقيق الرئيس الذي يزعم أنه يتحكم في القرارات الكبرى. وأعرب الشباب الغاضب عن يأسه من استمرار الوضع الراهن من خلال شعارات التظاهرات.



وقال سليمان مدان، وهو شاب يدرس في كلية التجارة، إن "هذا الوضع غير ممكن. من المسيء للجزائر وللشعب أن يحكم بلد مثل الجزائر رجل مريض وغائب عن الوعي"، فيما أبدى رفيقه عبد العالي، الذي يدير فرقة فنية في حي شعبي في العاصمة، استياءه من الأحزاب السياسية التي تدعم بوتفليقة، قائلاً: "هؤلاء شهود زور، سيحكم عليهم التاريخ. لقد ظلوا يكذبون علينا ويخيفوننا بالربيع العربي حتى لا نعترض، لكن الشعب استفاق أخيراً". ومر المحتجون في الشوارع الرئيسية للعاصمة الجزائرية، مثل أحياء الشهيدة حسيبة بن بوعلي والشهيد عميروش. وخلال محاولة المتظاهرين الوصول إلى القصر الجمهوري في منطقة المرادية في أعالي العاصمة الجزائرية، قمعتهم الشرطة في البداية بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، قبل أن تعود هذه القوات وتسمح للمتظاهرين بالمرور. لكنها عادت ومنعتهم عندما أصبحوا على بعد أمتار من القصر، ونشرت عناصرها حوله خوفاً من إمكانية اقتحامه من قبل المتظاهرين. وقال الإعلامي مروان لوناس إن الحراك الاحتجاجي السلمي "يعني أن جدار الخوف انكسر، والعاصمة تحررت من قرار منع التظاهر"، مشيداً بالسلمية الكبيرة التي تحلى بها المتظاهرون. واعتبر الإعلامي حسان واعلي أن "هذا يوم وطني وتاريخي"، فيما اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس، تعليقاً على التظاهرة الاستثنائية في العاصمة أمس، أن "الشعوب الحرة لا تموت، واليوم بدأ التاريخ يسجل تجربة جديدة في الجزائر"، مشدداً على أنه يتعين على الجزائريين أن "يكونوا في المستوى حتى لا تتحوّل إلى فرصة ضائعة".

وليست العاصمة الجزائرية وحدها التي كشفت عن موقف شعبي رافض لترشح بوتفليقة، إذ شهدت أغلب المدن الجزائرية مسيرات وتظاهرات ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وفي سطيف خرج المئات من المتظاهرين رفضاً لترشيح بوتفليقة، فيما شهد وسط مدينة عنابة شرقي الجزائر مسيرة مشابهة. كما شهدت مدينة وهران مسيرة حاشدة ضد الولاية الخامسة. ونزل المتظاهرون في مدن بجاية وقالمة والطارف وعين إمليلة وقسنطينة شرقي البلاد، وغليزان وتيارت غربي البلاد، وورقلة وتقرت جنوبي البلاد، إلى الشوارع للتظاهر ضد ترشيح بوتفليقة. وفي سياق الرفض الشعبي، اعترض مصلون في عدد من المساجد في الجزائر على خطب الجمعة التي كان سيلقيها الأئمة حول تحريم الاحتجاجات والتحذير من المسيرات والدعوة إلى عدم التظاهر ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في انتخابات إبريل/ نيسان المقبل، تنفيذاً لتعليمات وردت يوم الخميس الماضي إلى أئمة المساجد في الجزائر من قبل السلطات الحكومية، تأمر بتخصيص خطب الجمعة للتحذير من "الفتنة الداخلية" ومن المسيرات والتظاهر. وقاطع المصلون في مسجد وسط مدينة باتنة شرقي الجزائر إمام الجامع، حال تناوله موضوع "الخروج عن طاعة الحاكم"، ورفضوا استغلال المسجد للدعاية لمصلحة النظام. كذلك قاطع المصلون في مسجد الكوثر بولاية بجاية شرقي البلاد خطبة الإمام، التي كان يتحدث فيها عن الفتنة وعدم التظاهر وعدم الخروج على الحاكم.

ولم يكن اللافت في مسيرات أمس الجمعة فقط كسر الجزائريين لحاجز الخوف والتخويف المستمر من عودة البلاد إلى مربع الفوضى، وتحول الموقف الشعبي من بوتفليقة بعد 20 سنة من الحكم، بل أيضاً غلبة الطابع السلمي على التظاهرات في العاصمة وكل المدن، إذ لم تسجل أية عمليات عنف أو شغب أو تخريب. كذلك كشفت تظاهرات الجمعة، أنه ورغم غياب جهة منظمة تتبنى الاحتجاجات وتؤطرها، أن مستويات الوعي بضرورة التعبير عن الموقف السياسي من دون جر البلاد إلى مربع الفوضى كانت بارزة بشكل كبير، وألغت جملة المخاوف التي أعلنتها أطراف حكومية وسياسية وشعبية عدة قبل ذلك، من إمكانية حدوث انزلاق أمني. وساعد تفهم قوات الأمن وانسحابها واكتفاؤها بمراقبة المسيرات وحماية المقرات والممتلكات العامة والخاصة في تجنب الصدام والعنف. وفي مدينة المسيلة بادر المحتجون إلى تنظيف الساحة التي احتضنت وقفة الاحتجاج، بعد الانتهاء من الوقفة ضد العهدة الخامسة. وقال المحلل والكاتب في الشؤون السياسية عبد القادر حريشان، لـ"العربي الجديد"، إن "مسيرات الجمعة أظهرت أن الجزائر برمتها ضد العهدة الخامسة، وأن الشعب يرفض إهانته بترشيح رئيس مريض، وهو ليس سعيداً كما قال رئيس الحكومة على قناة فرنسية. إن المسيرات عبرت عن الرفض القاطع لترشح الرئيس المريض المنتهية ولايته، وهي موجهة أيضاً ضد حزب جبهة التحرير الحاكم الذي تحول إلى لجنة مساندة للرئيس، وتخلى عن مبادئه. كما أنها مسيرات ناقمة على أسماء ترمز إلى المجموعة الحاكمة، وهما شقيق بوتفليقة، السعيد بوتفليقة ورئيس الحكومة أحمد أويحيى، الذي حاول تخويف الشعب". وأضاف حريشان: "يتعين على السلطة أن تقرأ الرسالة جيداً بشأن السخط الشعبي على هذا النظام الفاسد الذي يرفض تداول السلطة بطرق سلمية عبر صناديق الاقتراع".

ويمكن اعتبار أن الجزائر ما قبل 22 فبراير/ شباط 2019 ليست كما قبله، إذ انتهى "عقد الاحترام السياسي" بين الشعب وبوتفليقة بعد 20 سنة من الحكم. وانتهت مسيرات الجمعة، فيما بدأ الترقب لمسيرات يوم غد الأحد التي دعت إليها حركة "مواطنة"، التي تضم تكتلاً من الأحزاب والشخصيات المستقلة، لكن عدداً من الناشطين يجرون مشاورات للاستمرار في التظاهر اليوم السبت للضغط على السلطة حتى دفع بوتفليقة إلى التخلي عن الحكم وتسليم السلطة، وخصوصاً أن الرئيس سينتقل غداً الأحد إلى مدينة جنيف السويسرية لإجراء فحوصات طبية، ومن هنا يبدو المخرج ممكناً لإعلان عدم قدرة الرئيس على الاستمرار في السباق الانتخابي، وهو سيناريو وارد وقد يكون له ما بعده.

المساهمون