مرت ثلاثة أيام على واقعة مقتل وإصابة العشرات من البحارة الإيرانيين في مياه بحر عمان، على خلفية تعرض سفينة "كنارك" الحربية الإيرانية لصاروخ، أرجعته الروايات غير الرسمية منذ البداية إلى خطأ ارتكبته مدمرة "جماران" الإيرانية.
إلا أن الغموض والإبهام لا يزالان يحيطان بأسباب الحادث، ويزدادان يوما بعد يوم، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات وسيناريوهات متعددة، لا سيما أنه وقع في خضم مواجهة إيرانية أميركية متصاعدة، شهدت المياه الخليجية فصلا آخر منها قبل نحو ثلاثة أسابيع بعد احتكاك بين سفن حربية أميركية وزوارق عسكرية إيرانية.
واكتفى الجيش الإيراني، في بيانه الرسمي، الإثنين الماضي، بعد يوم من وقوع الحادث، الذي أسفر عن مقتل 19 عسكريا وإصابة 15 آخرين، بالإشارة إلى أن ما حصل لسفينة "كنارك" كان نتيجة "حادث بحري" خلال تمارين عسكرية في المياه العامة الواقعة بين ميناءي جاسك وجابهار الإيرانيين، المطلين على بحر عمان، من دون الكشف عن تفاصيل ذلك، محيلا إياها إلى نتائج التحقيقات، لتبقى حيثيات ما جرى غامضة، ويُطلق العنان لتكهنات وسيناريوهات واحتمالات مختلفة.
الرواية غير الرسمية التي رافقت لحظة تسريب خبر الواقعة قبل تأكيدها من قبل الجيش الإيراني، تقول إن فرقاطة "كنارك" كانت قد أحضرت، خلال التدريبات العسكرية، هدفا إلى منطقة نيران التدريبات، لتقوم مدمرة "جماران" باختبار إطلاق صاروخ كروز باتجاه الهدف، لكن بعد إطلاق الصاروخ لم تكن السفينة بعيدة بما يكفي عن المنطقة، ما أدى إلى إصابتها بالصاروخ بدلاً من إصابة الهدف.
ويؤكد مقطع مصور، نشره موقع "آجا" التابع للجيش الإيراني، أمس الثلاثاء، أن ما حدث لـ"كنارك" كان بسبب إصابتها بصاروخ من مدمرة "جماران"، إلا أن المصدر نفسه يطرح احتمال حصول عطل فني في الصاروخ، مشيرا إلى أن ذلك "تسبب بوقوع مشكلة في تشخيص الهدف وإصابته ببارجة كنارك"، معتبرا أن العطل الفني هو "السبب الرئيس".
حرب إلكترونية؟
مع ذلك، يطرح الفيلم الذي نشره الجيش الإيراني على موقعه احتمالا آخر، ففي حال ثبوته، يشكل منعطفا خطيرا في المواجهة الإيرانية الأميركية الراهنة، حيث يتحدث المصدر عن أن "ثمة احتمال حرب إلكترونية من قبل العدو"، من دون أن يوضح أكثر، لكن بدا أن المقصود هو عملية تخريبية تكون قد استهدفت نظام توجيه الصاروخ.
غير أن موقع "عصر إيران" الإصلاحي في تفسيره لسيناريو الحرب الإلكترونية، يذهب أبعد من ذلك، قائلا في تقرير نشره اليوم، الأربعاء، إنه "في حال تورط العدو في حادثة سفينة كنارك يمكن التصور بأن العدو المتهم بالحرب الإلكترونية، ربما هو الذي أطلق الصاروخ باتجاه البارجة".
ويضيف الموقع أنه "في حال صحة هذه الفرضية، فربما الجانب الإيراني تجنب الإعلان عن ذلك لإدارة الوضع والسيطرة عليه"، معتبرا أن ذلك "في الظروف الراهنة يمثل قرارا حكيما".
وعن سبب اتخاذ مثل هذا "القرار الحكيم المحتمل"، يقول "عصر إيران" إن "الجمهورية الإسلامية تسعى إلى إدارة علاقاتها المتأزمة مع واشنطن على هذا النحو حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل "عسى أن ينهزم ترامب ويتشكل فضاء جديد" بين البلدين.
رغم أن الفرضية الأقوى حتى اللحظة تتحدث عن إصابة "كنارك" بصاروخ من مدمرة "جماران"، إلا أن ما يعزز فرضية وقوف "العدو" وراء الحادث سواء من خلال "الحرب الإلكترونية" التي طرحها موقع الجيش الإيراني كاحتمال أو إطلاق صاروخ، هو التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"استهداف" و"تدمير" أي قطعة بحرية إيرانية تقترب من السفن الأميركية في الخليج، يوم 22 إبريل/نيسان، بعد أسبوع من إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن زوارق بحريّة إيرانيّة ضايقت سفناً حربية أميركية في الخليج.
وكرر ترامب تهديده في تغريدة أخرى، مؤكدا أن البحرية الأميركية "ستنسف" أي سفن حربية إيرانية تقترب من سفنها، قائلا: "لن نقبل بهذا. اذا فعلوا هذا.. إذا عرضوا سفننا للخطر وعرضوا طواقمنا وبحارتنا البواسل للخطر... فلن أسمح بذلك، وسننسفهم نسفا".
خطأ إنساني؟
أما السيناريو المحتمل الآخر، فهو وقوع خطأ إنساني في الحادث، إذ ثمة احتمال أن تكون مدمرة "جماران" قد أطلقت الصاروخ باتجاه الهدف الافتراضي خلال التدريبات قبل موعد الإطلاق، في وقت لم تتمكن فيه سفينة "كنارك" من الابتعاد عن المنطقة، ما أدى لإصابتها بالصاروخ وحصل ما حصل.
كما أن القائد العسكري المتقاعد في السلاح البحري الإيراني، هوشنغ صمدي، يشير في حديث لصحيفة "آرمان" الإصلاحية، إلى احتمال أن تكون "كنارك" نفسها هي "مقصرة"، قائلا إنه "وفقا لبعض الأقوال فثمة احتمال أن تكون كنارك قد دخلت منطقة التدريبات من دون إبلاغ سابق بعد إطفاء الرادار".
إلا أن الجيش الإيراني لم يشر إلى سيناريو "الخطأ الإنساني" في تعقيباته على الحادث، وكما ورد سابقا تحدث عن "عطل فني كسبب رئيسي" له في مقطع الفيديو.
وأكد القائد العام للجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي، أمس الثلاثاء، خلال استقبال جثامين القتلى، أن التحقيقات في مثل هذه الحوادث "أمر معقد للغاية، وتشخيص ما يرتبط بالموضوع بالتكنولوجيا أو القوة الإنسانية. الأمر يحتاج إلى دقة عالية"، وفقا لما أوردته وكالة "إيسنا" الإيرانية.
في الأثناء، راجت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة تكهنات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية، منها ما تطرحها وسائل إعلام إيرانية معارضة في الخارج، مشيرة إلى أن الزوارق السريعة للحرس الثوري هي التي ضربت سفينة "كنارك"، إلا أن المتحدث باسم الجيش الإيراني، شاهين تقي خاني، وصفها بأنها "شائعات لا أساس لها من الصحة"، قائلا إن وسائل إعلام معارضة وأجنبية تثير هذه الإشاعات، داعيا إلى عدم الاهتمام بها.
وسط هذه السيناريوهات والشائعات، يؤكد الجيش الإيراني أن التحقيقات جارية بشأن جميع أبعاد الحادث، مشيرا إلى أن أربع فرق خبراء من الأركان العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع والجيش والسلاح البحري تقوم بهذه التحقيقات، التي أكد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، يوم أمس الثلاثاء، على ضرورة أن توضح جميع ملابسات وأبعاد الحادثة، داعيا إلى "الوصول إلى المقصرين المحتملين واتخاذ تدابير لازمة لمنع تكرار هذه الأحداث المريرة"، وفقا لما جاء في رسالة مواساة لمقتل البحارة، نشرها الموقع الإعلامي لمكتبه.
من جهته، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الأربعاء، إلى دراسة أسباب الحادث وشرحها للشعب الإيراني، وذلك في كلمة له أثناء اجتماع مجلس الوزراء، شنّ فيها هجوما حادا على الإدارة الأميركية الحالية، معتبرا أنها "أسوأ إدارة في تاريخ أميركا".