حرب إسرائيلية على الكفاءات العلمية: أهداف ورهانات

23 ابريل 2018
اغتال الموساد البطش في ماليزيا (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -



تُعدّ عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل وتطاول بشكل خاص الكفاءات البشرية من أصحاب المؤهلات العلمية التي تمكنهم من الإسهام في تطوير القدرات القتالية لـ "العدو"، مركباً أساسياً من مركبات استراتيجية "المواجهة بين الحروب" التي تعكف تل أبيب على تطبيقها منذ عقود. وتقوم هذه الاستراتيجية على تنفيذ كل العمليات العسكرية والاستخبارية التي يفترض أن تضمن تقليص قدرة العدو على التزود بإمكانيات يمكن أن تسهم في إحداث تحول على موازين القوى، الذي يميل لمصلحة لإسرائيل، وذلك من خلال ضرب المقدرات العسكرية المادية، كما يحدث عند مهاجمة مخازن وإرساليات السلاح، أو عبر المس بالقوى البشرية القادرة على تطوير التقنيات العسكرية للعدو، بحيث تمكّنه من امتلاك سلاح كاسر للتوازن.

وتدلّ التسريبات التي وردت في تعليقات بعض كبار المعلقين الإسرائيليين، على أن "اغتيال عالم الطاقة الفلسطيني فادي البطش يوم السبت الماضي، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، يندرج ضمن هذه الاستراتيجية". في هذا الصدد، ادّعى معلق الشؤون الاستخبارية في "يديعوت أحرنوت" رونين بريغمان، بأن "البطش عضو في وحدة سرية جداً تعكف على تطوير السلاح النوعي لمصلحة حماس، في حين ذهب آخرون إلى الإشارة إلى أن البطش يساعد الحركة على تطوير طائرات غير مأهولة". لكن توجه إسرائيل لاستهداف الكفاءات العلمية ذات العلاقة ببرامج التسليح في العالم العربي ولدى المقاومة الفلسطينية بدأت في ستينيات القرن الماضي.

ففي الفيلم الوثائقي "الموساد: قصة تخفٍّ"، الذي بثته قناة التلفزة الإسرائيلية الثامنة أخيراً، كشف رافي إيتان، القائد الأسبق لشعبة العمليات في الموساد المعروفة بـ "قيساريا" تفاصيل المخطط الذي وضعه شخصياً مطلع الستينيات لتصفية مجموعة من العلماء الألمان، الذين عملوا في الدائرة العلمية للزعيم النازي أدولف هتلر، وفرّوا إلى مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وأشار إيتان إلى أن "مصر برئاسة جمال عبد الناصر عمدت إلى توظيف هؤلاء العلماء في تطوير برنامج لإنتاج الصواريخ بعيدة المدى، مما حدا بإسرائيل للتدخل لعدم تمكين المصريين من الحصول على سلاح كان يمكن أن يهدد العمق الإسرائيلي، سيما وأن الجيش المصري كان على حدود غزة مع إسرائيل". وحسب الجنرال الإسرائيلي فقد "قام الموساد بتصفية العلماء الألمان في القاهرة، ما أفضى إلى تصفية الخطة المصرية لإنتاج الصواريخ بعيدة المدى بحلول عام 1965".



وفي سياق المقاومة الفلسطينية فقد أولت إسرائيل أهمية قصوى لاستهداف الكفاءات العلمية ذات العلاقة بتطوير قدرات المقاومة. فقد طاردت إسرائيل المهندس يحيى عياش، الذي كان أول من أعد الأحزمة والسيارات المفخخة، التي استخدمتها حركة حماس في الرد على المجزرة التي نفذها باروخ غولدشتاين في المسجد الإبراهيمي عام 1994.

وأولت إسرائيل اهتماماً كبيراً باعتقال المهندس عبد الله البرغوثي، القيادي البارز في "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، الذي دين بتطوير وإنتاج معظم الأحزمة الناسفة التي استخدمت في تنفيذ العمليات التفجيرية التي قامت بها الحركة خلال انتفاضة الأقصى (2000 ـ 2005).

وقبل ثماني سنوات أقدمت إسرائيل على اختطاف مدير محطة توليد الكهرباء في غزة المهندس ضرار أبو سيسي أثناء وجوده مع زوجته الأوكرانية في كييف، وأدانته محكمة عسكرية إسرائيلية بمساعدة "كتائب القسام" على تطوير منظومتها الصاروخية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2016 تم اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، بفعل حرص الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تسريب أن "الاغتيال جاء ليس فقط بسبب دوره في مساعدة حماس على تطوير الطائرات بدون طيار، بل بشكل خاص لأنه كان يعكف على تطوير غواصة غير مأهولة، خططت حماس لاستخدامها في المسّ بحقول الغاز التي اكتشفتها إسرائيل قبالة السواحل الشمالية لفلسطين". وقد عمدت إسرائيل أيضاً إلى اغتيال خمسة على الأقل من علماء الذرة الإيرانيين، ضمن مخطط تل أبيب لإحباط المشروع النووي الإيراني.

ويتضح من خلال الجدل الإسرائيلي المتعلق بحادثتي اغتيال الزواري والبطش أن الهدف من العمليتين هو التشويش على مخططات "حماس" لمراكمة القوة النوعية وعدم السماح بوصول هذه المخططات لمحطتها النهائية.
وتدل التجربة أن عمليات الاغتيال نجحت، في أحسن الأحوال، في التشويش على مخططات التعاظم العسكري للمقاومة ولم تفض إلى القضاء عليها. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن قطاع غزة متاخم لإسرائيل، ومع أن إسرائيل تتمتع بقدرات عسكرية واستخبارية كبيرة، إلا أنها لم تنجح في إحباط قدرة المقاومة على تطوير الصواريخ. ففي عام 2006، طوّرت المقاومة في غزة صواريخ بدائية يتراوح مداها بين 5 و7 كيلومترات. والآن وبعد 12 عاماً، فقد تمكنت المقاومة من تطوير صواريخ بمدى بين 80 و100 كيلومتر يمكن لها الوصول إلى حيفا والقدس المحتلة، حسبما أكد الإسرائيليون.