ثلاث سنوات على مجزرة "المنصة".. أولى نتائج "تفويض" السيسي

27 يوليو 2016
ضحايا المجزرة 200 قتيل وأكثر من 4500 مصاب(العربي الجديد)
+ الخط -

 

 

 مساء 26 يوليو/ تموز 2013، وقعت أول مجزرة أُطلق عليها "أحداث المنصة" أو "النصب التذكاري"، استخدمت خلالها قوات الشرطة، بمعاونة مجموعة من البلطجية الرصاصَ الحي والخرطوش وقنابل الغاز المسيلة للدموع وزجاجات المولوتوف، مستهدفةً المتظاهرين المعتصمين بميدان "رابعة العدوية" بمدينة نصر، من اتجاه شارع النصر، وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل وأكثر من 4500 مصاب.

وذكرت هيئة الطب الشرعي آنذاك، أن القتلى بلغ عددهم نحو 80، بينما وثّقت شهادات بعض الأطباء بالمستشفى الميداني، والذي نقلت عنهم "ويكي ثورة"، ومنهم أستاذ الجراحة بجامعة عين شمس، محمد سليمان، أن المستشفى الميداني استقبل في تلك الليلة أكثر من 50 حالة قنْص في الرأس، و150 حالة إصابات مميتة ونزيف حاد، و50 حالة ماتت في الطريق إلى المستشفيات خارج الميدان، و4000 حالة إصابة ما بين كدمات وخرطوش واختناقات وجروح قطعية وعميقة ورصاص حي وكسور.

بداية الأحداث

في ذلك اليوم، كان رافضو الانقلاب أطلقوا دعوات للتظاهر في "جمعة الفرقان" واستجابت لها أعداد كبيرة، ما جعل موقع الاعتصام يمتد من ميدان "رابعة العدوية" حتى "طريق النصر"، رداً على دعوات السيسي لأنصاره بالتظاهر وتفويضه لمواجهة "الإرهاب" المحتمل.

وفي مساء ذلك اليوم، خرجت مسيرة حاشدة من ميدان "رابعة العدوية" في طريقها إلى أول كوبري 6 أكتوبر، وبمجرد وصولها إلى "منطقة النصب التذكاري" قابلتها قوات الأمن ومعها مجموعة من البلطجية والتي كانت ترافقها أمام "جامعة الأزهر" بـ4 مدرعات، وقامت القوات بمحاصرة المتظاهرين من جهتين؛ من شارعي النصر ومبنى أمن الدولة، ثم قاموا بإطلاق الرصاص الحي بكميات كثيفة عن طريق القناصة، وألقوا قنابل الغاز المسيلة للدموع بكثافة شديدة على المسيرة، وكذلك زجاجات المولوتوف على المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.

بينت كثير من مقاطع الفيديو والصور، ضلوع رجال بملابس مدنية يساندون قوات الأمن في الاعتداء على المتظاهرين. وقاموا بإلقاء الحجارة على المتظاهرين وكان بعضهم مسلحاً بأدوات حادة.

وأكد العاملون في المستشفى الميداني أن أول الحالات المصابة في أعقاب أحداث تلك الليلة، قد وصلت بحلول الساعة 11 مساء، وكانت معظمها تعاني من إصابات ناجمة عن الاختناق بالغاز المسيل للدموع، فيما أُصيب بعضهم الآخر بطلقات الخرطوش.

 10 ساعات

استمرت الاشتباكات لأكثر من 10 ساعات، وسعى المتظاهرون إلى الحيلولة دون تقدم قوات الأمن والعربات المصفحة باتجاه منطقة الاعتصام الرئيسة في ميدان رابعة العدوية، وذلك من خلال نصْب المتاريس والحواجز المكونة من حجارة الأرصفة وما قُذف باتجاههم من حجارة على طريق النصر.

واستمرت الاشتباكات ساعات بالقرب من جامعة الأزهر بطريق النصر، وكذلك عند النصب التذكاري للجندي المجهول في الطريق ذاته، وأفاد شهود عيان حينها أن قوات الأمن ورجال بملابس مدنية استخدموا أيضاً حرم جامعة الأزهر كقاعدة لإطلاق النار عليهم.

ازدادت الأوضاع سوءاً إثر حالة من الكر والفر، ووصلت أول حالة وفاة ناجمة عن الإصابة بطلق ناري حي في الساعة الواحدة والنصف صباحا، واستمرت الاشتباكات حتى العاشرة صباحاً تقريباً من صباح السبت، 27 يوليو 2013.

وكانت الفترة ما بين السادسة والسابعة صباحاً، هي الفترة التي شهدت الإبلاغ عن وقوع أكبر عدد من الإصابات والوفيات، وذلك على إثر زيادة أعداد المتظاهرين، ومحاولة بعضهم منهم التقدم نحو طريق النصر باتجاه كوبري 6 أكتوبر، وردت قوات الأمن حينها بوابل من النيران الكثيفة، وانسحبت قوات الداخلية من أماكن الاشتباكات.

طلب التفويض

واستبق الرئيس عبد الفتاح السيسي المجزرة، بطلب التفويض، الذي دعا الشعب المصري إليه لمواجهة أنصار الشرعية بدعوى محاربة "الإرهاب"، ففي يوم الأربعاء 24 يوليو 2013، أي قبل المجزرة بيومين، دعا الشعب المصري للنزول إلى الميادين يوم الجمعة القادمة "26 يوليو" لتفويض القوات المسلحة لمواجهة العنف و"الإرهاب" المحتمل.

وقال في كلمة ألقاها خلال حفل تخريج الدفعة 64 بحرية والدفعة 41 دفاع جوي بمقر كلية الدفاع الجوي بالإسكندرية إن "خريطة الطريق لن يتم التراجع عنها للحظة ولا يظن أحد في ذلك، وقلنا للجميع إننا نريد بالفعل انتخابات حرة ونزيهة، وأقول للمصريين نحن كنا تحت حسن ظنكم، وأنا أطلب منهم طلباً، يوم الجمعة القادم لا بد من نزول كل المصريين الشرفاء حتى يعطوني تفويضاً وأمراً بمواجهة العنف والإرهاب، وحتى تذكر الدنيا أن لكم قراراً وإرادة وأنه لو تم اللجوء للعنف والإرهاب يفوّض الجيش والشرطة لمواجهة هذا العنف والإرهاب".

وأضاف أن "القوات المسلحة تعاملت بعد تسليم السلطة في 30 يونيو إلى قيادة مدنية منتخبة بإخلاص وأمانة وشرف"، مشدداً على أن "الجيش المصري في غاية الاحترام"، ووصفه أنه "أسد وأن الأسد لا يمكن أن يأكل أولاده".

وتابع "يوم الجمعة ميعادنا مع كل المصريين، والجيش والشرطة مفوضان لتأمين المظاهرات"، مضيفاً "هذا لا يعني أنني أريد أن يكون هناك عنف أو إرهاب". واختتم: "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا"!

وصبيحة يوم المذبحة، أي الجمعة، كان الشارع المصري يغلي، فميدان التحرير توافد إليه مؤيدو السيسي استجابة لدعوته لهم بتفويضه، في جمعة "لا للإرهاب"، وفي المقابل أنصار مرسي ملأوا كافة الشوارع وميداني "رابعة العدوية" بالقاهرة، والنهضة بالجيزة.

في هذه الأثناء، كانت الطائرات الحربية تحلق فوق سماء ميدان التحرير، وسط القاهرة، لتحيي المتظاهرين المؤيدين للسيسي، وانتشرت الدبابات والمدرعات التابعة للجيش لتأمين جميع المداخل والمخارج وبوابات الميدان.

كما ألقت مروحيتان تابعتان للجيش المصري، بعد ظهر الجمعة، بطاقات بألوان علم مصر، مكتوب عليها كلمة "شكراً" على المتظاهرين المؤيدين للانقلاب والمحتشدين في ميدان التحرير وأمام "قصر الاتحادية"، شرق القاهرة.

الطب الشرعي

وفي الوقت الذي حاولت فيه السلطات الحكومية تبرئة ساحة الأمن، عبر بيانات متلاحقة من وزارة الصحة والداخلية، تفيد بإطلاق عناصر إخوانية النارَ على قوات الأمن، وأن الداخلية ردت بالغاز المسيل للدموع فقط، قال تقرير "هيئة الطب الشرعي" إن مشرحة زينهم، استقبلت، 80 جثة، وأظهرت نتائج التشريح التي أُجريت على 63 جثة أن سبب الوفاة في 51 منها كان جراء الإصابة بعيارات نارية

كما أُصيبت ثماني جثث أخرى إصابات قاتلة بالخرطوش، فيما تعرضت ثلاث جثث لإصابات بالرصاص والخرطوش معاً، كما توفي رجل جراء إصابته بكسر في عظام الجمجمة، وتضمنت الذخائر المستخرجة من جثامين ثمانية من الضحايا رصاص مسدس من عيار 9 ملم وأظرف طلقات البنادق.

هذا بخلاف ما أعلنه المستشفى الميداني برابعة العدوية عن أن أغلب الحالات المتوفاة كانت نتيجة إصابات بالرصاص الحي في الرأس والصدر.

بدوره، وثّق موقع "ويكي ثورة" المجزرة في 143 فيديو (بتسلسل الوقائع حتى آثار ما بعد الاشتباكات وفيديوهات للمصابين والضحايا والمشرحة وجنازات).. 18 شهادة فيديو.. 26 شهادة مكتوبة.. مئات الصور.. 11 تقريراً حقوقياً وطبياً.. 9 تقارير أجنبية.. مؤتمر وبيانات صحافية.. إضافة إلى عشرات الأخبار.

شهود عيان

وروى أحد شهود العيان الذي كان خلف الشرطة شهادته: "أنا حضرت اعتداءات المنصة من 12:30 صباحاً لـ10 صباحاً وكنت واقفاً خلف الداخلية مع أهالي منطقتي.. الشرطة كانت بتضرب غاز وخرطوش ونار وآلي.. أي حد كان بيصور كانت الضباط بتاخد منه الموبيل تكسره، ولو كاميرا "صحافي" بتاخد كارت الميموري، وشفت بعيني مراسلة أجنبية اتقبض عليها عشان كانت بتغطي الأحداث".

وأضاف "كان فيه بلطجية.. شباب شكله غلط ومعاهم خرطوش" واقف جنب الداخلية عادي جدا وبيضرب على المؤيدين لمرسي، منهم الملثم ومنهم اللي كان مقضيها عادي من غير.. شباب المنطقة مسكوا كذا واحد من البلطجية بيقلبوا ويكسروا عربيات المؤيدين لمرسي كانت راكنة من بدري ورا الشرطة.. وسلمناهم للشرطة.. بس فجأة عدد البلطجية والبلاك بلوك زاد أوي.. والعربيات مبقاش فيها حاجة تتاخد خلاص وفيه عربيات اتحرقت بعد ما تسرقت".

واستطرد قائلاً "حتى 9 صباحاً مكانش فيه ولا إصابة من ناحية الداخلية، غير الضابط "السباعي" بس مشوفتوش بعيني".

‏‫