ألمانيا في مجلس الأمن: سعي لدور ريادي وسط التحديات

16 يونيو 2018
ستواجه ميركل محطات مهمة داخل مجلس الأمن(مايكل كابلر/فرانس برس)
+ الخط -

تعود ألمانيا إلى مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم، بعد غياب لست سنوات، شهد خلالها العالم تطورات كبيرة وحالة من الفوضى، ما انعكس على عمل المجلس التابع للأمم المتحدة. إلا أن إعادة انتخاب برلين الأسبوع الماضي كعضو غير دائم، وللمرة السادسة منذ تأسيس المجلس، لعامين اعتباراً من العام 2019، سترتّب على الدولة صاحبة النفوذ الكبير مسؤوليات كبيرة في صون السلام العالمي والأمن الدولي، وستضعها أمام اختبارات حساسة، في ظل ما يشهده العالم من صراعات ونزاعات مسلحة.

ويبدو من اندفاعة برلين المعززة بكونها صاحبة الاقتصاد الأقوى في أوروبا، أنها تريد أن تغتنم الفرصة لتولي دور ريادي في تعزيز قيم الأمم المتحدة وترسيخ مكانتها على الساحة العالمية. وهو ما يشير إليه خبراء في العلاقات الدولية والسياسة الأوروبية، معتبرين أن على برلين قبل كل شيء، ألا تتجنّب المبادرات والأزمات الحاضرة على جدول أعمال مجلس الأمن، في ظل ما يضمره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسياسته التي تحمل شعار "أميركا أولاً"، ويدفعه لتفكير لا يخدم الدبلوماسية الدولية، ما يحتم على برلين الدفاع عن النظام الغربي والديمقراطية الليبرالية، والسعي لحل النزاعات في بؤر متعددة بالتعاون مع المجتمع الدولي. وسيكون حضورها الأممي أفضل طريقة لبرلين لزيادة تأثيرها على المسرح العالمي والمشاركة في أجندة الأمم المتحدة.

وفي الوقت نفسه، يشدد الخبراء والمراقبون على أن ألمانيا مطالبة بإيجاد نهج جديد يجمع الشركاء، لأن فاعلية الأعضاء غير الدائمين تقاس في المقام الأول من خلال تأثيرهم على البلدان وأزمات محددة. وأبدت ألمانيا اهتمامها بالقضايا والملفات الساخنة في بلدان مثل سورية وليبيا واليمن، أو ربما السعي لإرسال بعثة للأمم المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهذا ما تجلى الأسبوع الماضي في برلين بانعقاد اجتماع رباعي، ضم وزراء خارجية ألمانيا وروسيا وفرنسا وأوكرانيا، في مبادرة لإعادة إحياء عملية السلام في شرق أوكرانيا.

وما يدعم الموقف الألماني، أن برلين رابع أكبر مموّل في الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة واليابان والصين، فضلاً عن مشاركة قواتها المسلحة في البعثات الدولية لحفظ السلام، وتوفيرها للمساعدات الدولية، إضافة إلى ما تتميز به العلاقة بين الهيئة الأممية وبرلين المبنية على الثقة والاحترام باعتراف القيمين عليها، الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن علاقات برلين مع كثير من الدول، ما يسمح لها بتدوير الزوايا في الملفات الساخنة.

وهذا الأمر عبّر عنه مديرو مراكز أبحاث سياسية واقتصادية، بينهم تورستن بينر، الذي رأى أن "برلين نجحت مراراً وتكراراً في عرض القضايا الشاملة التي تهم العالم"، وهو الموقف الذي أطلقه أيضاً وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي قال: "ما يهمنا هو تمثيل قيمنا بقوة القانون التي يمكن أن تكون أساس نظام عالمي سلمي". ويحاول الوزير، قليل الخبرة الدبلوماسية إنما المعروف بنشاطه، وبدعم مباشر من الحكومة الاتحادية، الغوص في ترتيبات حلول للأزمات، منها إيجاد حل للنزاع في سورية تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكداً أن ألمانيا ستضع كل ثقلها وكل طاقاتها في إخماد الصراعات وحفظ السلام، وحيث يواجه العالم مستقبلاً مجهولاً للغاية.


ولا يمكن إغفال التطور الذي من الممكن أن يخدم ألمانيا وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يفتح لها المجال لملء الفراغ والتركيز على نقل أولويات الاتحاد الأوروبي إلى نيويورك عبر التعاون مع فرنسا، وبالتالي خلق وحدة ثقل تحقق جاذبية في مجلس الأمن، وبعدها إمكانية العودة، في المستقبل القريب، للحديث عن إصلاحات في الهيئة الأممية.

في المقابل، يشكك عدد من المحللين بالقدرات الفعلية لألمانيا، مع تمييزهم بين الإرادة وإطلاق الوعود، وإمكانية اجتراح الحلول. وينطلقون في هذا الشك من أمور عدة، أبرزها التساؤلات حول قدرة ألمانيا بجيشها الضعيف على توفير القدرات اللازمة المتزايدة لبعثات حفظ السلام. ويعطي هؤلاء مثالاً آخر وهو الحادثة الأخيرة المتمثلة بالجدل الذي أثير بعد توجيه الضربات الجوية ضد النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية، إذ إنه بعد الرفض القاطع من قبل المستشارة أنجيلا ميركل للمشاركة في الهجمات التي قامت بها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، عادت لتكيل الثناء لاحقاً على عمل الشركاء الغربيين. من هنا، وفي مثل هذه الحالات، سيصعب على ألمانيا التوفيق بين رأيين، لأن الهم الأساسي لها هو تحقيق الفوائد محلياً، وبوجودها في مجلس الأمن لا يمكنها لاحقاً بيع مثل هذه المواقف، وعليها أن تظهر موقفاً ثابتاً وليس تعددية ألوان في المواقف.

ويذكّر المشككون بالعديد من المحطات التي تنتظر ألمانيا في الهيئة الأممية، ومنها مثلاً سيناريو فشل إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، والحفاظ على التبادل التجاري والمصالح الاقتصادية بوجه العقوبات الأميركية، وبالتالي عودة طهران لتخصيب اليورانيوم. وهنا يُطرح السؤال هل ينبغي على مجلس الأمن أن يدين أو يعاقب على الانتهاكات للمعاهدة النووية؟ وماذا سيكون موقف السفير الألماني لدى الأمم المتحدة كريستوف هويسغن، المطلوب منه إما أن يصوّت مع رئيس أميركي يدمر الأنظمة الدولية، أو أن يقف ضد الولايات المتحدة لصالح النظام الإيراني، وهو خيار محرج لا تريده لا المستشارية ولا وزارة الخارجية. وهل يمكن الحديث عند امتناع ألمانيا عن التصويت، عن لحظة ضعف أم قوة أم تردد، وهي التي حصلت على 184 صوتاً في الجمعية العامة من 190 دولة، ما اعتُبر مؤشراً على أن الأخيرة تتمتع بالمكانة والاحترام والثقة على مستوى العالم.

وأمام الوعود الكبيرة لوزير الخارجية، ومنها عدم وقوف ألمانيا مكتوفة الأيدي أمام محاولات القوميين الشعبويين إعادة عجلة القيادة إلى الوراء، يبقى الأمل كبيراً بتحمّل ألمانيا المسؤولية الدولية والتحضير لوضع ملفاتها على جدول أعمال الهيئة، بينها الحفاظ على النظام المتعدد الأطراف، إضافة إلى الدوافع التي تفرض المساهمة في حل سياسي للصراع في سورية والنزاع في شرق أوكرانيا، والالتزام بالمصالح الأفريقية، وصولاً إلى مشاكل تغير المناخ والشراكة والابتكار وتعزيز المجتمعات وحقوق الإنسان والمرأة، إضافة إلى الحاجة الملحّة لمزيد من تطوير المفاهيم في مجال التنمية.

المساهمون