شهادات مصابي الثورة التونسية: جرح لم يندمل ولوم للسياسيين

16 يناير 2017
جرحى الثورة مع عائلاتهم (شادلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

اختارت هيئة "الحقيقة والكرامة" في تونس، أن تتزامن إحدى جلساتها العلنية المخصصة لضحايا الانتهاكات، مع الذكرى السادسة لثورة 2011 في 14 يناير/كانون الثاني، إذ خصصت الجلسة لجرحى الثورة الذين بقيت أصواتهم مكتومة، طيلة هذه السنوات.

ووجّه عدد من الجرحى الذين تحدثوا في الجلسات، السبت الماضي، اللوم إلى المسؤولين في تونس، معربين عن شعورهم بالخيبة والخذلان، بعد تجاهل سياسيين ملفاتهم وآلامهم، رغم إصابتهم في أحداث الثورة، عندما اختار النظام السابق، استعمال القوة ومواجهة المحتجين بالرصاص.

ولئن اختارت هيئة "الحقيقة والكرامة"، عرض 3 شهادات لجرحى الثورة من مجموع 2197 ضحية، إلا أنّ المتحدّثين مثّلوا عينة من بين 61 ألف ملف تم فرزها داخل الهيئة، إلى حدود نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، إذ عرضت الهيئة، ولأول مرة، بعض شهادات جرحى الثورة والذين حضروا مع عائلاتهم.

وأكد الجريح مسلم قصد الله، من مواليد 1988، عمل حارساً في معهد، أنّه أُصيب بالرصاص يوم 15 يناير/كانون الثاني 2011، عندما كان يقوم برفقة مجموعة من أهالي المنطقة، بحماية الطريق الرابط بين القيروان والمنستير، بالتنسيق مع وحدات الجيش.

وكشف مسلم أنّه تمّ يومها إيقاف 4 سيارات أمن للاشتباه في وجود ابن شقيق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي داخلها، فعمد الأمنيون إلى إطلاق النار بصفة عشوائية عليهم، مما تسبّب في إصابته في ساقه اليمنى، ومقتل مجموعة من أصدقائه، حيث سقط 4 شهداء من الوردانين، و13 جريحاً، مبيّناً أنّ أحدهم أُصيب مباشرة في رأسه.

وتابع مسلم أنّ أعوان الأمن اعتقدوا أنّه فارق الحياة، وبعد عدة ساعات، تم نقل عدد من الجرحى إلى المستشفى بحسب درجة الخطورة، مشيراً إلى أنّه نُقل على متن شاحنة بعد عدم وصول سيارة الإسعاف، إلى المستشفى الذي رفض استقباله، لأنّ عمليته الجراحية معقّدة لا تتوفر المعدات اللازمة لها، وعند انتقاله إلى محافظة أخرى على متن الشاحنة، تعرّض مجدّداً لإطلاق نار.

وروى مسلم شهادات مؤلمة عن موتى تم إخراجهم من القبور، بسبب تلاعب بعض أطباء الطب الشرعي بالملفات، حيث تم الادّعاء بأنّهم لم يتعرّضوا لإطلاق نار، في حين أنّ بعضهم أُصيب بثلاث رصاصات، ذاكراً صديقه جريح الثورة، محمد الحنشي، الذي ورغم مطالبته مراراً بالعلاج فارق الحياة، وهو ينتظر.

واتهم مسلم السياسيين في الحكومات المتعاقبة، بالتهاون في التعامل مع ملف جرحى الثورة، معتبراً أنّ السياسيين تمتّعوا بالحرية والمناصب، في حين أنّ الجرحى الذين قدّموا دماءهم فداء لتونس، لم يحصلوا على أبسط حقوقهم، ومنها العلاج المناسب.

وخلال الجلسة، قدّم جريح الثورة خالد بن نجمة، والذي حضر برفقة والدته، شهادة عن إصابته يوم 13 يناير/كانون الثاني 2011، حين كان في طريقه إلى المستشفى في مدينة رأس الجبل بمحافظة بنزرت لتلقّي العلاج بعد تعرّضه لنزلة برد، إذ لاحظ وجود مسيرات كانت تجوب شوارع المدينة، والتي لم يُعرها الكثير من الاهتمام.

وأكد أنّه عندما وصل إلى باب المستشفى في ذلك اليوم، وجد شاباً من ساكني منطقته مصاباً بطلق ناري، وملقى على الأرض، ومحاطاً بعناصر الأمن، مشيراً إلى أنّه سارع إلى حمل الجريح، لإسعافه في المستشفى، لكنّه تعرّض حينها لثلاث طلقات نارية على مستوى الظهر والصدر، نجا بعدها من موت شبه محقق.

وتحدّث رشاد العربي، من مواليد 1990، عن إصابته يوم 13 يناير/كانون الثاني 2011، بعد مشاركته في مسيرة سلمية، والتي شهدت رفع شعارات مناهضة للنظام أمام مركز أمن بمرناق قرب العاصمة تونس، قائلاً إنّ أحد عناصر الأمن، عمد إلى إطلاق الرصاص على المتظاهرين، ما أدى إلى إصابته في العنق والجنب.

وقال العربي، إنّه خضع لعدة عمليات جراحية، ورغم إخراج الرصاصات من جسده، أُصيب بالشلل، لأنّ إحدى الرصاصات أصابت النخاع الشوكي والأعصاب.



وعلى هامش الجلسات، قال الهادي طرمان، وهو سجين إسلامي سابق، لـ"العربي الجديد"، إنّه عاش الانتهاكات في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وكذلك بن علي، مبيناً أنّه قبض عليه في العام 1991 في مسيرة للإسلاميين وُصفت بـ"العدائية" وتهدف إلى قلب النظام آنذاك.

وأضاف أنّ أغلب السياسيين والنواب الحاضرين في جلسات الاستماع العلنية، قد يتأثرون بالشهادات من دون فاعلية على الأرض، مشيراً إلى أنّ الجرحى وحدهم يعيشون المأساة، متسائلاً عن غياب الجلادين عن الجلسات.

وقال كاتب عام جمعية "إنقاذ السجين السياسي"، صالح دخايلية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الضحايا كانوا يعذبون، وهم يعرفون الأمنيين الذين مارسوا الانتهاكات بحقهم، مؤكداً أنّ في الجمعية 10 أشخاص تُوفوا بأمراض مزمنة جراء التعذيب في السجون، مشيراً إلى توثيق 12 إعاقة تامة، و25 حالة طلاق قسري لنساء فُرض عليهن الطلاق، فقط لتعذيب أزواجهن.

واعتاد ضحايا الانتهاكات مواكبة الجلسات العلنية لهيئة "الحقيقة والكرامة"، ولكلّ منهم تجربته، بانتظار مسار العدالة الانتقالية، رغم استرداد بعضهم جزءاً من حقوقهم، بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، ولئن تحدّث البعض منهم عن فترة التعذيب وما كان يمارس بحقهم من انتهاكات، إلا أنّ أغلبهم لا يزال يكافح لنيل أبسط حقوقه.