حرب طريق "إم 5" تقترب من نهايتها في سورية

10 فبراير 2020
دخلت تعزيزات عسكرية تركية جديدة إلى إدلب (الأناضول)
+ الخط -
لم يعد يفصل قوات النظام السوري عن السيطرة على الطريق الدولي الذي يربط شمال البلاد بوسطها إلا عدة كيلومترات. كما أن قوات النظام لم تكتف بالتقدم، بدعم روسي مباشر، في تحدٍ واضح للجانب التركي، بل إنها حاصرت نقطة مراقبة تركية جديدة، بعد فشل مباحثات في أنقرة بين وفدين، تركي وروسي، حول الوضع في محافظة إدلب ومحيطها، وهو ما فتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما فيها المواجهة العسكرية.

وما يعزز هذا الاعتقاد، دفع الجيش التركي لتعزيزات كبيرة إلى الداخل السوري، في خطوة تؤكد جدية تنفيذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تهديده بدفع قوات النظام بالقوة إلى خلف النقاط التركية المحاصرة في أرياف حماة وإدلب وحلب. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد، إنه لم يعد يفصل قوات النظام عن أهم الطرق في سورية، وهو طريق حلب- حماة، أو ما يعرف بـ"إم 5"، سوى كيلومترين، بعد سيطرتها على قرى الزربة والبرقوم والكماري والصالحية والكلارية في ريف حلب الجنوبي. وكانت قوات النظام أعلنت، ليلة السبت - الأحد، السيطرة على منطقة إيكاردا في ريف حلب الجنوبي وقرى الطلحية، وجب كاس، والبوابية شمال شرقي إدلب، التي تقع على الطريق الدولي حلب ــ دمشق. وبهذه السيطرة يكون قد تبقى لها أقل من 15 كيلومتراً للسيطرة على كامل الطريق الاستراتيجي.

وأكدت مصادر محلية أن قوات النظام ومليشيات تساندها حاصرت، بدعم جوي روسي، نقطة المراقبة التركية في الهضبة الخضراء قرب بلدة العيس في ريف حلب الجنوبي، بعد إحكام السيطرة على البلدة وتلّتها. وبسيطرة قوات النظام على بلدة العيس وتلتها ومنطقة إيكاردا، وهي عبارة عن مجموعة مبان تتبع لمركز بحثي زراعي أممي وكانت تعتبر من أكبر معسكرات الفصائل المسلحة في المنطقة، تكون قد أزالت أكبر عقبتين من طريقها للوصول إلى السيطرة الكاملة على الطريق الدولي. وأشارت مصادر محلية إلى أن قوات النظام تتقدم في ريف حلب الجنوبي من دون أي مقاومة من قبل الفصائل المسلحة، موضحة أن التقدم يترافق مع قصف مدفعي وصاروخي. وبيّنت أن هذا التقدم مكّن قوات النظام من الاقتراب من مطار تفتناز، الذي أقام فيه الجيش التركي، الأربعاء الماضي، نقطة عسكرية، إذ باتت المسافة الفاصلة بين هذه القوات والمطار لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات.

من جانبها، ذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أن "بلدات ريفي إدلب الشرقي وحلب الجنوبي تساقطت كأحجار الدومينو" في قبضة قوات النظام، التي "سيطرت على جزء من الطريق الدولي الذي يصل حماة بحلب شمال سراقب، وباتت أدنى من قاب قوسين لمد نفوذها على كامل الطريق وصولاً إلى مدينة حلب". وأشارت الصحيفة إلى أنه "عقب السيطرة على بلدة العيس وتلتها، التقت المجموعات المتقدمة من ريف إدلب الشرقي مع تلك المتقدمة من ريف حلب الجنوبي في بلدة العيس بريف حلب". ونقلت عن "مصادر ميدانية" قولها إن قوات النظام حاصرت النقطة التركية في تلة العيس بريف حلب الجنوبي، لتكون سادس نقطة تركية محاصرة. وأشارت إلى أن قوات النظام قلصت المسافة مع مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، والتي تقع على الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بغربها، إلى نحو 6 كيلومترات، وأنها أنهت تمشيط أحياء مدينة سراقب، التي تشكل عقدة لالتقاء طريقي حلب حماة، وحلب اللاذقية. وأعلنت قوات النظام، في بيان أمس الأحد، أنها "حققت إنجازات ميدانية نوعية، والتقت القوات المتقدمة من ريف إدلب الشرقي بالقوات المتقدمة من اتجاه حلب الجنوبي"، مشيرة إلى "استعادتها السيطرة على مساحة جغرافية تزيد عن 600 كيلومتر مربع، وأحكمت السيطرة على عشرات البلدات والقرى والتلال الحاكمة".



وجاءت هذه التطورات الميدانية المتسارعة عقب فشل المباحثات بين الجانبين التركي والروسي في أنقرة. وفي اعتراف ضمني بفشل المباحثات، نقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر دبلوماسية تركية قولها إن "الوفدين قررا عقد مباحثات أخرى خلال الأسابيع المقبلة"، مشيرة إلى أنهما ضمّا مسؤولين عسكريين واستخباراتيين من البلدين. وأوضحت أن نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال ترأس الوفد التركي، فيما ترأس الوفد الروسي نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف.

وفي السياق، قال مصدر عسكري في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاجتماع، الذي عقد لإيجاد صيغة جديدة للتوافق حول إدلب، "قد باء بالفشل". وأشار إلى أنّ الوفد الروسي جاء إلى الاجتماع بخريطة جديدة لـ"منطقة خفض التصعيد"، تمتد من الحدود التركية – السورية وحتى عمق 30 كيلومتراً، إلا أنّ الجانب التركي رفض الخريطة والطرح الروسي بالمطلق. وبحسب المصدر، فإنّ الروس أصرّوا أيضاً على استكمال العمليات العسكرية حتى السيطرة على كامل الطريقين الدوليين حلب ــ اللاذقية (إم 4)، وحلب ــ دمشق (إم 5)، والإبقاء على كل المدن والبلدات التي دخلتها قوات النظام على جانبي الطريقين تحت سيطرتها. ولفت المصدر إلى أنّ الوفد التركي أصرّ على انسحاب قوات النظام، والمليشيات التي تسانده، إلى ما وراء النقاط التركية، تطبيقاً لاتفاق سوتشي الموقّع بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في العام 2018، وأنه رفض التفاوض على أقل من ذلك. وفتح عدم الاتفاق التركي الروسي الباب أمام كل الاحتمالات في الشمال الغربي، بما فيها المواجهة المباشرة بين الجيش التركي وقوات النظام.

وحذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في مقابلة مع صحيفة "حرييت" نشرت أمس الأحد، من أن أنقرة ستغير مسارها في شمال غرب سورية إذا تواصل خرق اتفاقات وقف إطلاق النار في إدلب. وقال "إذا تواصل خرق الاتفاق، لدينا خطة ثانية، وخطة ثالثة"، مضيفاً "نقول في كل مناسبة: لا تضغطوا علينا، وإلا فخطتنا الثانية وخطتنا الثالثة جاهزتان". ولم يعط الوزير تفاصيل حول الخطتين، لكنه أشار إلى العمليات العسكرية التي نفذتها أنقرة في سورية منذ 2016. وقال أكار "نقاط المراقبة التابعة لنا في المنطقة ستبقى مكانها بموجب الاتفاق"، موضحاً أن تركيا تواصل إرسال إمدادات إلى نقاط المراقبة بالتنسيق مع السلطات الروسية. وقال "رغم ذلك، إذا ظهرت أمامنا أي عوائق، نقول بوضوح إننا سنفعل ما يلزم". وتابع "هدفنا الأساسي هو منع الهجرة ومنع حصول مأساة إنسانية. نعمل على تحقيق وقف لإطلاق النار بأسرع ما يمكن ووقف سفك الدماء".

في غضون ذلك، لا يزال الجيش التركي يحشد قوات في الأراضي السورية، في استعداد كما يبدو لعمل عسكري واسع النطاق، في حال عدم انصياع النظام لطلب أنقرة الانسحاب إلى خلف النقاط التركية نهاية الشهر الحالي. ودخلت، أمس الأحد، تعزيزات عسكرية تركية، قدرها مصدر في فصائل المعارضة بنحو 100 آلية عسكرية، موضحاً أن التعزيزات تشمل دبابات ومدافع ومدرعات وناقلات جند، مشيراً إلى أنها دخلت محافظة إدلب عبر معبر قرية كفرلوسين على الحدود السورية التركية، وتوزعت على مطار تفتناز شمال مدينة إدلب، ومعسكر قرية المسطومة جنوبها، بالإضافة إلى مدخل مدينة إدلب الشرقي. وحسب إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الشاحنات والآليات العسكرية، من دبابات وناقلات جند ومدرعات ورادارات، والتي دخلت الأراضي السورية منذ الثاني من فبراير/شباط الحالي، وصل عددها إلى أكثر من 1240، مشيراً إلى وجود نحو 5000 جندي. وذكرت "الأناضول" أن قافلة التعزيزات الجديدة تضم دبابات وذخائر، وقد توجهت نحو نقاط المراقبة داخل إدلب، وسط إجراءات أمنية مشددة.

بموازاة ذلك، قال مراسل "العربي الجديد" إن الجيش التركي نشر قوات على تلة قرب قرية قميناس، جنوب شرقي مدينة إدلب، التي باتت قوات النظام على مقربة منها. وأوضح أن التلة تمتاز بموقع استراتيجي، بسبب ارتفاعها وإشرافها على قرية النيرب التي سيطرت عليها قوات النظام، بدعم روسي، قبل يومين. وكان الجيش التركي قد أنشأ أخيراً العديد من نقاط المراقبة الجديدة في محيط سراقب، وفي مطار تفتناز. وقال المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، لـ"العربي الجديد"، إنه ليس هناك اتفاق تركي روسي، لكنه أضاف "لا يمكننا القول إن المباحثات فشلت. هناك اتفاق على متابعة التفاوض". وأشار إلى أن الجيش التركي "يتجه نحو مواجهة قوات النظام بالقوة في حال استمرار تقدمها"، مضيفاً "الروس لم يحترموا التفاهمات مع تركيا، ويريدون الوصول إلى الطرق الدولية والتوقف عند هذا الحد".

وعقب التطورات المتلاحقة وتواصل تقدم قوات النظام باتت فصائل المعارضة السورية محصورة في منطقة جغرافية ضيقة للغاية، في ظل عدم قدرتها على استعادة زمام المبادرة، والانتقال إلى موقع الهجوم، في ظل الدعم الجوي الروسي. وفقدت المعارضة السورية خلال الحملة الراهنة معاقل بارزة لها، أبرزها معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وسراقب في ريف إدلب الشرقي، إضافة الى الايكاردا والعيس والزربة في ريف حلب الجنوبي، الذي لطالما شهد معارك كبرى بين فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة وبين المليشيات التابعة إلى إيران من جهة أخرى. وباتت مواقع المعارضة السورية في ريف حلب الغربي مهددة بالسقوط، ومنها خان العسل، ودارة عزة والأتارب والمنصورة. وفي الشمال الغربي من مدينة حلب تسيطر فصائل معارضة و"هيئة تحرير الشام" على حي الليرمون وعلى مدن وبلدات كفر حمرة، وحريتان، وعندان، وبيانون، وحيان، ومعارة الأرتيق. ويحمل القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح مسؤولية تراجع الفصائل المسلحة إلى "سكوت الأطراف الفاعلة دولياً عما يحصل، بالإضافة إلى عدم تسليح الفصائل بشكل يحول دون تقدم الروس والإيرانيين، ناهيك عن القصف الممنهج والعنيف للحاضنة والمدن". واستبعد، في حديث مع "العربي الجديد"، مواجهة بين الأتراك والنظام "لأن النظام أذكى من أن يحشر نفسه بمواجهة مع الأتراك"، مضيفاً "المشكلة مع الروس".

على الصعيد الإنساني، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد النازحين من إدلب، منذ بدء الهجوم البري في 24 يناير/كانون الثاني الماضي بلغ نحو 340 ألف مدني، في حين ارتفع عدد النازحين من حلب وإدلب، منذ منتصف يناير إلى 440 ألف مدني، مشيراً إلى أن العدد الإجمالي، منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، يصل إلى نحو 870 ألف نازح من محافظة إدلب وريف حلب.