تسارعت الأحداث داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال، التي تقود حربا ضد الحكومة السودانية في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، مع إقدام أحد تنظيماتها على إصدار قرارات بإقالة رئيس الحركة مالك عقار، والأمين العام ياسر عرمان، وتعيين نائب رئيس الحركة عبدالعزيز الحلو رئيسا مؤقتا، لحين انعقاد المؤتمر العام، وانتخاب قيادة جديدة.
ووافق نائب رئيس الحركة عبدالعزيز الحلو، على رئاسة الحركة، وترك الباب أمام القيادات المقالة للاستمرار في الحركة كأعضاء، مع الاحتفاظ بحقهم في الترشح للمواقع القيادية خلال المؤتمر العام.
وتأتي التطورات في الحركة الشعبية بعد خلافات حادة بين قادة الحركة الشعبية الثلاثة مالك عقار، وياسر عرمان، وعبدالعزيز الحلو، حول الرؤية التفاوضية مع الحكومة في الخرطوم لحل النزاع في المنطقتين، والوصول لاتفاق سلام، فضلا عن الخلافات في قضايا تنظيمية تتصل بإدارة الحزب.
وأصدر مجلس التحرير لإقليم جبال النوبة الأربعاء، حزمة قرارات أقال بموجبها كلا من رئيس الحركة الشعبية مالك عقار والأمين العام ياسر عرمان، وكلف عبدالعزيز الحلو برئاسة الحركة، تأكيداً لقرارات سابقة اتخذها ذات المجلس عقب الاستقالة التي دفع بها الحلو. واتهم عقار وعرمان بتقديم تنازلات في ملف التفاوض تضر بمصالح أبناء جبال النوبة.
وسبق أن قدم نائب رئيس الحركة عبدالعزيز الحلو استقالته عن الحركة لثلاثة مرات متتالية، وقرر بعدها الاعتكاف بعيدا، حيث استقر طيلة الفترة الماضية في نيروبي.
في المقابل، رأى رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، أن الحلو قاد انقلابا أبيض داخل الحركة، وعمد لزعزعة استقرارها عبر شق وحدتها وافتعال الخلافات، ووصف اجتماع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة بغير القانوني. كما اعتبر أن الاجتماع يخدم تمزيق الحركة والجيش الشعبي.
واستبق عقار الاجتماع الذي أقيل فيه بجانب عرمان برسالة سرية عممها على أعضاء الحركة، اقترح فيها أن يقدم الثلاثة (عقار وعرمان والحلو) استقالاتهم، ويتم اختيار قيادة جديدة مؤقتة لتسيير الحركة، والإشراف على انعقاد المؤتمر العام لانتخاب قيادة الحركة.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن القرارات الأخيرة بإقالة رئيس الحركة والأمين العام، هو تأكيد على فشل الوساطة الإقليمية والدولية، التي انطلقت خلال الفترة الأخيرة، لردم هوة الخلاف الداخلي للحركة. وبيّن هؤلاء أن الخطوة بمثابة انقسام داخل الحركة سيولد حركتين إحداهما بزعامة عقار والأخرى بزعامة الحلو، مؤكدين أن المستفيد الأكبر من الخطوة هو الحكومة السودانية، بحيث ستمسك بزمام الأمور في أية طاولة مفاوضات مرتقبة. الأمر الذي من شأنه أن يقلل المكاسب المرجوة للحركة.
وأسهمت الخلافات داخل الحركة، في تغذية التنازع القبلي عبر تحريض كل طرف لقبائل بعينها، ما قاد لاشتباكات داخل فصائل منشقة بالحركة الشعبية الشهر الفائت أدت لمقتل وإصابة العشرات.
ويشير محللون أنه بإقالة عقار وعرمان فعليا انقسمت الحركة إلى اثنين، وزادت التخوفات من تحول الصراع بين رفاق الأمس، إلى نزاع مسلح يترتب علية خسائر كبيرة للطرفين، معتبرين أن الرابح الأكبر هي الحكومة السودانية، التي لديها خبرات في مفاوضة الحركات المنشقة، والخروج بأقل الخسائر من الطاولة التفاوضية.
ويقول المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن هناك موقفان على طاولة التفاوض حاليا، أحدهما يمثله عقار وعرمان والثاني الحلو، وتوقع أن "الحكومة ستفضل التفاوض مع الحلو باعتبار أن مطالبه من السهل الالتفاف عليها، ولا سيما أنها بعيدة تماما عن أجندة التفاوض".
وأضاف أن التطور الأخير من شأنه أن يفقد الحركة حرية التحدث بالقضايا القومية، مؤكدا أنه سيخرج الحركة بمكاسب أقل مما كانت ستكسبه متوحدة عبر طاولة التفاوض، وأن التحدي الأساسي الذي سيواجه الحلو هو تقديم مواقف سياسية واقعية، "فإذا استمر في مواقفه المتشددة فيما يتصل بقضية تقرير المصير وخلافه، فقد تكون نهايته شبيهة بنهاية رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم، الذي اغتيل قبل عدة أعوام، أو أن تعمد جهات إقليمية ودولية لتسليمه للحكومة حتى لا يكون عقبة أمام التسوية السياسة.
وأضاف أن المشهد برمته سيعزز قناعة المجتمع الدولي في هشاشة المعارضة، ما يقودهم لدعم نظام الخرطوم.