المرزوقي يطالب بلجنة تحقيق محايدة بسبب "أزمة السفارة الأميركية"

29 يوليو 2017
الغموض ما زال يلف أحداث السفارة(فيليب ديمازيس/ فرانس برس)
+ الخط -
طالب الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، بتشكيل لجنة برلمانية محايدة تفصل في الجدل المثار في تونس في ما يتعلق بقضية السفارة الأميركية والأحداث التي وقعت في 2012، بعد الحملة التي استهدفته إثر تصريحاته التي بثتها قناة "الجزيرة". 

ووقعت أحداث السفارة الأميركية في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول 2012، وتمثلت في احتجاج عدد من المنتمين إلى "التيار السلفي المتطرف" ومنتمين إلى "أنصار الشريعة" المحظور، على عرض فيلم أميركي، اعتبروه مسيئاً للرسول، وقيامهم بأحداث عنف وشغب حال بلوغهم مقر السفارة، أدت حينها لتخريب جزء منها، وحرق بعض من ممتلكاتها، وحرق المدرسة الأميركية المحاذية لها.

وكانت تصريحات المرزوقي لقناة "الجزيرة" خلال مشاركته في برنامج "شاهد على العصر" لأحمد منصور، حول ما جرى بالسفارة الأميركية في 2012، أثارت زوبعة في تونس لم تتوقف إلى اليوم، وخرج كل من كان على علاقة بالموضوع من وزراء ومسؤولين وأمنيين ليقدم شهادته في القضية ويرد على تصريحات المرزوقي.

وكانت الشهادات متضاربة ومتناقضة وخرجت القضية من طورها الأمني إلى تصفية حسابات سياسية. وطالب عدد من المتدخلين بسحب صفة الرئيس السابق عن المرزوقي، فيما طالب آخرون بتدخل القضاء لحسم الجدل، واعتبر آخرون أنه تم تجاوز واجب التحفظ من المرزوقي ومن منتقديه في الوقت نفسه.

وما زال الغموض يلف ما جرى خلال أحداث السفارة، إذ أكد المرزوقي في لقائه الصحافي أن الأمن ''اختفى وكأنّه تبخّر'' والجيش لم ينفذ الأوامر في الوقت الذي تم فيه مهاجمة مقر السفارة.

وأكد المرزوقي أنّ المتظاهرين نزلوا بشكل مفاجئ وهاجموا السفارة احتجاجا على فيلم "براءة المسلمين" المسيء للإسلام دون سابق إنذار، مشيرا إلى أنه حاول، حينها، الاتصال بكبار المسؤولين الأمنيين للاستفسار عن الوضع، لكنّ هواتفهم كانت مغلقة "ممّا يثبت أن القضية كانت مدبّرة"، على حد تعبيره.

وقال إنه اتصل بالقائد الأسبق لأركان الجيش رشيد عمار، وطلب منه إرسال وحدات عسكرية لتأمين وحماية مقر السفارة، إلا أن عمار تلكأ في تنفيذ ذلك، مما دفع المرزوقي إلى "الاستعانة بالأمن الرئاسي فأعطيت أوامري لحماية السفير الأميركي حتى لا يقع قتله كما حدث في ليبيا وطلبت منهم تنظيف المكان".



وبعد كل هذا الجدل خرج المرزوقي عن صمته، ورد على منتقديه من خلال نص مطوّل نشره على صفحته الرسمية على "فيسبوك".

وأشار المرزوقي إلى أنه تردد كثيرا قبل أن يقبل بالمشاركة في البرنامج، بسبب علمه بما قد تثيره شهادته من زوابع، وما يمكن أن تؤدي إليه من تبعات سلبية إذا أراد مواصلة العمل السياسي.

وقال إنه قرّر القبول "لسبب مبدئي واحد: حق الشعب التونسي في معرفة أدقّ مرحلة من تاريخه الحديث، وهو المعرّض منذ ستين سنة ولا يزال لعملية تزييف وتدنيس وتغييب الوعي"، بحسب تعبيره.

وشدّد المرزوقي على أنه حدّد لنفسه شرطين لذلك: الصدق والموضوعية، لإدراكه "أن الذكاء الجماعي يفرز بسرعة بين الصادق والكذوب ومن ثمة عبث محاولة استغفال الناس، وعدم الانتقاء وتجاهل دور الآخرين وإنكار فضلهم ولو كانوا أشرس الخصوم".

وأضاف المرزوقي أنه طلب من مستشاره السابق المكلّف بالتوثيق، وليد بن عمران، أن يتفرّغ شهرا كاملا ليعدّ بكل دقّة ملفات المواضيع التي ستبحث، وخاصة أنه كان يعرف "أن أحمد منصور سيلعب معي مرة دور محامي الشيطان ومرة أخرى دور حاكم التحقيق ليستخرج للنظارة عصارة العصارة بخصوص الحقيقة التاريخية".

وأشار المرزوقي إلى أنه "لما تقرّر التسجيل في باريس اصطحبت معي وليد بن عمران ومدير مكتبي سامي بن عمارة، وكنا ندرس قبل التسجيل أهمّ التواريخ وتسلسل الأحداث والوثائق التي قد أحتاجها (مثل وثيقة رفض تسليم البغدادي المحمودي بخط يدي)".

وبعد "تسجيل كل حصة بحضور الاثنين، كانت هناك جلسة أستمع فيها لملاحظاتهما والسؤال دوما: هل هناك خطأ في رواية الأحداث؟"، مع التأكيد على أنه اتفق مع منصور على "حذف أي خطأ أو زلّة لسان، وهذا ما تمّ أحيانا".

وشدّد المرزوقي على أنه يتحمل كامل مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية والقانونية في كل ما ورد وسيرد فيها.

وقال المرزوقي إنه "من حق الشعب التونسي معرفة تاريخه الحقيقي عبر إجلاء كل الحقيقة بخصوص اغتيال الشهيدين (السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي) وحادث السفارة الأميركية واعتصام الرز بالفاكهة (يقصد اعتصام الرحيل الذي كان يطالب بخروج الترويكا من الحكم في 2013)، ودور إعلام الفساد والمال الفاسد والتدخل الأجنبي في انتخابات 2014، وخاصة أن كل هذه الأحداث وثيقة الارتباط ببعضها البعض وتلقي بضلالها لا فقط على ماضينا القريب وإنما على حاضرنا ومستقبلنا".

واعتبر المرزوقي أنه "بما أن القضية سياسية بامتياز، فإنه من المطلوب من البرلمان تشكيل لجنة تحقيق متوازنة ومحايدة ومهنية وسماع علني كالذي تنظمه الحقيقة والكرامة، وعلى أثر مكافحة السرديات في كنف الشفافية المطلقة وخارج كل تأثير، ستتضح الأخطاء والخطايا وبعدها يمكن للتبعات أن تأخذ مجراها دون أن يكون ذلك من باب تصفية الحسابات".
وختم بالإشارة إلى أنه "ما زال هناك في شهادتي على العصر ما سيثير البعض".