وتتضمن مبادرة المشري الجديدة، بحسب نصها، خمسة محاور؛ هي "محور دستوري، ومسار سياسي، ومسار أمني، وأولويات حكومية، ومبادئ تعزيز الثقة بين مكونات المجتمع الليبي"، لتكون هذه المحاور "مرحلة انتقالية أخيرة"، خلال 14 شهراً.
ووفقاً لمدد زمنية حددتها المبادرة، يجري تعديل الإعلان الدستوري بالتوافق ما بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، وتعديل المجلس الرئاسي بتقليص صلاحياته وفصل حكومة "الوفاق" برئيس وزراء مستقل، لتجري بعدها انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس تعديل الإعلان الدستوري.
وفي المسار الأمني، دعت المبادرة إلى انسحاب قوات حفتر من مدينة ترهونة وعودتها إلى مقارها قبل شنّ العملية العسكرية في طرابلس في 4 إبريل/ نيسان، تزامناً مع انسحاب فصائل ترهونة إلى داخل حدود المدينة، مع ضمانات من قبل قوات الحكومة بعدم ملاحقتها، ووقف القتال نهائياً.
ورغم مرور يوم على إطلاق المشري لمبادرته السياسية، لم تعلن أي من الأجسام السياسية الأخرى عن مواقفها منها، سيما قيادة قوات حفتر التي لا تزال تواصل قتالها ضد قوات الجيش بقيادة الحكومة جنوب طرابلس.
وأثنى المحلل السياسي الليبي عبد الحميد المنصوري، على شكل وتفاصيل المبادرة، ورأى أنّها "تلبّي القدر المناسب لإيقاف الحرب ووضع عدد من الحلول أمام النقاش والحوار"، معتبراً أنّ المبادرة "جاءت مفصّلة أكثر من سابقاتها".
وقال المنصوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنّ المشري "استفاد من المدة الطويلة للحرب وتفاعلاتها السياسية والأمنية ليفصل مبادرته بشكل أكثر توسعاً من سابقاتها"، مضيفاً أنّها "عالجت أغلب المسائل العالقة".
وأوضح المنصوري أنّ "من بين أهم المسائل الخلاف المتزايد حول المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، كما أنّ الفصل بين القوات المتشابكة جنوب العاصمة تم خلال المبادرة بشكل يرضي كل الأطراف دون تحيز لأي طرف".
ويشير إلى أنّ المشري "تخلّى عن أهم الثوابت التي كان يتمسك بها طيلة المدد الماضية، ممثلة في ضرورة الاستفتاء على الدستور المقر من الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور واستبداله بتعديل على الإعلان الدستوري في سبيل التوافق وتسريع إنهاء المرحلة الانتقالية".
لكن الباحث في الشأن السياسي الليبي مروان ذويب، يعتبر من جانبه أنّ "زمن تقديم التنازلات قد انتهى مع انقلاب حفتر على المسار السياسي وإعلاء كلمة السلاح، بل وإصراره على تنفيذ مساعيه العسكرية"، معتبراً أنّ "المبادرة وإن جاءت مفصلة لكنها جاءت متأخرة أيضاً".
وأكد ذويب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "حفتر لم يعد يخفي عدم قبوله للمسار السياسي والسلمي، وبالتالي المشري على قناعة بذلك، وإنّما أراد تسجيل موقف سياسي أمام الرأي العام الدولي الذي يتهيأ للقاء في برلين".
وتساءل ذويب "كيف لطرف كالمجلس الأعلى للدولة أن يبادر للحل ويقدّم نفسه طرفاً محايداً، والمعروف أنّ له موقفاً سياسياً واضحاً من الأطراف الأخرى"، مستشهداً بـ"المبادرات السابقة التي لم تخرج عن حدود الأوراق والحبر ولم تلامس الواقع".
ويفصّل الباحث الليبي في الشأن السياسي حديثه، بالقول إنّ "المبادرة لم تأتِ بشيء جديد في أساس الأزمة اليوم المتمثلة في تهديد حفتر للعاصمة، ومن غير المقنع أن يطلب منه الانسحاب وهو من يمتلك القوة والسلاح الآن، دون أن يحدد له مكان في شكل الحل المقترح الذي يتضح أنه بين مجلسه ومجلس النواب"، لافتاً إلى أنّ "المبادرة تقصي حفتر بشكل واضح".
ويلفت ذويب أيضاً إلى أّن "المبادرات الأربع تضمنت إقصاء للطرف الآخر، ولم تستوعبه ولم تدعه إلى لقاء للحوار، بل بعضها أعلن بشكل علني رفض الآخر"، وقال "كل هذا يعني أنّ المبادرات الأربع مجرد مراوغة سياسية ومناورات أمام المجتمع الدولي"، معتبراً أنّ ذلك هو "السبب الرئيس الذي حدا بالمجتمع الدولي إلى عزمه اللقاء في برلين دون حضور الأطراف الليبية".