فساد حواجز التفتيش العراقية... جواز مرور السيارات المفخخة

07 يناير 2017
من التفجيرات التي طاولت بغداد (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
فتح تفجير سوق السنك، وسط العاصمة العراقية بغداد، يوم السبت الماضي، مخلّفاً عشرات القتلى والجرحى المدنيين، الباب مجدداً أمام ملف الفساد في حواجز ونقاط التفتيش، المنتشرة في مناطق بغداد وأحيائها، ومدن جنوب البلاد ووسطها، إثر تمكن انتحاريين اثنين من اختراق أربعة حواجز تفتيش عسكرية وأمنية تابعة للجيش والشرطة، وتحيط بالسوق من جانبي نهر دجلة، وساحة الخلّاني، والوصول إلى عمق السوق، ومن ثم تفجير نفسيهما وسط المدنيين.


ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، فإن "التحقيقات الأولية تشير إلى فساد داخل أحد الحواجز العسكرية، تمكن من خلاله انتحاريا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) النفاذ إلى وسط السوق، محمّلين بنحو 30 كيلوغراماً من المتفجرات لُفّت على بطنيهما، من دون أن يتم إخضاعهما لتفتيش يدوي أو تقني من خلال جهاز كشف المتفجرات الذي زودت به حواجز التفتيش أخيراً".

مع العلم أنه تنتشر في بغداد 94 نقطة تفتيش وحاجز عسكري بصفة ثابتة، موزعة جميعها على جانبي الكرخ والرصافة، ما عدا أربعة حواجز رئيسية عند أبواب العاصمة الأربعة، وذلك ضمن خطة باركتها قوات التحالف الدولي مطلع عام 2015 حين كان التهديد وشيكاً من قبل "داعش".

وتتوزع مسؤولية تلك النقاط والحواجز بين الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية وجهاز مكافحة الإرهاب. كما تراوح أعداد الحواجز ونقاط التفتيش المتحركة، أو ما تعرف شعبياً بـ"المؤقتة"، ما بين 40 إلى 60 حاجزاً ونقطة تفتيش، وسط الشوارع الرئيسية، وعند مداخل الأحياء السكنية. وعادة ما تكون خليطاً من القوات، كالشرطة والجيش، أو الشرطة ومليشيات "الحشد الشعبي"، ما يعني وجود حاجز تفتيش واحد كل ثلاثة كيلومترات في بغداد.

وفي العام الماضي، وقع 400 اعتداء تحمل طابعاً إرهابياً في العاصمة وحدها، وفقاً لتقارير وزارة الداخلية العراقية، غالبيتها عبوات ناسفة وأخرى لاصقة، فضلاً عن أحزمة ناسفة وسيارات مفخخة مركونة على جانب الطرق، أو يقودها انتحاريون، فضلاً عن الهجمات المسلحة والاغتيالات التي راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف مدني بين قتيل وجريح.



ونجح أفراد بالأمن العراقي خلال العام نفسه في إحباط 18 عملية إرهابية داخل حواجز التفتيش الأمنية، خمسة منها لأفراد أمن احتضنوا انتحاريين داخل حواجز التفتيش، لمنعهم من المرور منها، لينفجروا معهم. وفي هذا الصدد، أمر رئيس الحكومة حيدر العبادي بتكريم ذويهم ومنحهم رتب شرف فخرية ومرتبات مدى الحياة لإنقاذهم المدنيين.

واعترف مسؤولون بوزارة الداخلية العراقية في بغداد، بنجاح تنظيم "داعش" في شراء ذمم ضباط كبار بالجيش والشرطة بطرق وأساليب مختلفة، تمكنهم من التحرك داخل العاصمة ونقل الانتحاريين والمتفجرات بسهولة، عبر هويات تعريف وكتب تخويل رسمية صادرة من جهات عليا، لا يخضع حاملها للتفتيش عادة، وهو ما يسهّل مرور السيارات المفخخة والانتحاريين بالأحزمة الناسفة من تلك الحواجز المنتشرة في بغداد.

ووفقاً لضابط بوزارة الداخلية العراقية تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "التنظيم يمهّد لطريق السيارة المفخخة أو الانتحاري قبل العملية بأيام عدة، فهو يعتبر تفجير مفخخة واحدة في بغداد بقوة عشر في محافظات البلاد الأخرى". وأضاف "يستخدم داعش طرقاً عدة للمرور من نقاط وحواجز التفتيش، ويستفيد من وفرة المال لديه والفساد في المؤسسة العسكرية والأمنية، أو التسيّب وعدم مبالاة أفراد مفرزة التفتيش، وإمكانية خداعهم بطرق شتى معروفة، حتى لو تطلّب الأمر إدخال المفخخة عبر امرأة لا يتم تفتيشها".

وكشف أن "داعش يقوم في بعض العمليات بتهديد الضابط المسؤول عن الحاجز، بعد مراقبته لأيام ومعرفة منزله ومكان دراسة أطفاله وعمل زوجته وأشقائه ثم التواصل معه مباشرة ومطالبته بتنفيذ ما يؤمر به أو قتل جميع من حوله. ويعطى وقت قصير للغاية لا يسمح له بالهروب أو تحذير أحد من ذويه وأهله. وهنا يوافق الضابط على المهمة التي تنحصر بتمرير السيارات أو الانتحاريين من هذا المكان بسهولة". واعتبر أن "الطرق التي يتبعها التنظيم هي الوحيدة ولا يوجد غيرها للنفاذ من نقاط وحواجز التفتيش، التي تتواجد بها إما أجهزة كشف متفجرات تم استيرادها حديثاً بدلاً من تلك الفاسدة، وإما حواجز تعتمد على التفتيش اليدوي، أو ما يعرف بالبدائي للسيارات والأشخاص، أو بواسطة الكلاب البوليسية التابعة للشرطة الاتحادية المعروفة باسم كي 9".



إلا أن عضو البرلمان العراقي صادق اللبان، أشار إلى أن "داعش يستخدم سيارات بعض المسؤولين في تنفيذ الهجمات داخل بغداد". ويضيف أن "داعش خدع أخيراً نقاط التفتيش والحواجز في بغداد بسيارات تابعة لبعض المسؤولين أو حماياتهم، وسبّبت خرقاً حقيقياً في الأمن في بغداد وباقي المحافظات".

وأضاف اللبان أن "المطلوب تشكيل لجنة عليا لمراجعة ملف سيارات المسؤولين، بعد استخدام الارهابيين سيارات تعود لبعض المسؤولين، والبعض الآخر عليها شعارات حكومية. ويجب فرض خضوع جميع سيارات المسؤولين إلى التفتيش والتدقيق المتواصل من قبل لجان مختصة ونقاط تفتيش مشتركة مفاجئة، من أجل السيطرة على الخروق الأمنية المتكررة".

من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حسن جهاد، إنّ "الحواجز الأمنية في بغداد أصبحت فاقدة قيمتها بشكل كبير". وأضاف جهاد في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحواجز الأمنية ليست لها أي قيمة، وأثبتت فشلها، من خلال تسجيل عشرات التفجيرات بشكل مستمر"، متسائلاً "كيف تمر السيارات المفخخة وكيف يتم تفجيرها داخل العاصمة، وهذه الحواجز موجودة؟ ما هو الدور الذي تقوم به؟".

وتابع: "إذا بقينا نعتمد على هذه الحواجز الأمنية، سيبقى الملف الأمني في حالة فشل وتنازل مستمر"، مشدّداً على "أهمية الاستعاضة بأعداد تلك الحواجز الأمنية الكبيرة، بحواجز متطورة محدودة، وتكون مزودة بأجهزة حديثة ومتطورة لكشف المتفجرات لا يمكن التلاعب بها".

بدوره، كشف عنصر أمن لـ"العربي الجديد"، أنه ورفاقه "يتعرضون لمخاطر كبيرة، وواجهوا مسلحين ولصوصاً مرات عدة، ورواتبهم لا تساوي شيئاً من المخاطر التي يتعرّضون لها". وأردف "سائقو سيارات النقل لا يدفعون من مالهم الخاص، التجار هم من يدفع، فالتجار يعلمون أن البضائع لا يمكن أن تنتقل من مكان لآخر من دون أن يدفعوا للأمنيين عند مداخل المدن، ولدوريات الشرطة". وشدّد "تمرير الإرهابيين مستحيل بالنسبة لي".

قرب سوق القصر الأبيض، وسط بغداد، وهو أحد الأسواق الكبيرة في العاصمة، تمكن أحد التجار من تمرير شاحنة صغيرة محملة بقطع غيار لسيارات هونداي، لا تحمل أي تراخيص جمركية، وهو ما يجب أن يطلبه أفراد الحاجز الموجود عند مدخل السوق، للتأكد من أن تلك المواد شرعية وغير مسروقة. إلا أنه نجح في ذلك من خلال تقديم بطاقات شحن جوال فئة 25 دولاراً لأفراد حاجز التفتيش.

ولفت التاجر، الذي لم يفصح عن اسمه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مرتب الشرطي والجندي جيد مقارنة بباقي مرتبات الموظفين في الدولة، لكنّ كثراً منهم اعتاد على أخذ الرشوة". وتابع "تمرير قطع غيار غير مرخصة أمر عادي، مقابل ما يُمرّر عبر نقاط وحواجز التفتيش بدءاً من المخدرات، مروراً بالمشروبات الكحولية، التي مُنعت أخيراً في العراق بقرار من البرلمان، ولا تنتهي عند السيارات المحملة بالسلاح والمتفجرات".

المساهمون