التقرير الختامي لهيئة "الحقيقة والكرامة": صعوبات لم تمنع تكريس العدالة بتونس

26 مارس 2019
تونس تحاول استكمال مسار ثورتها (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

أصدرت هيئة الحقيقة والكرامة بتونس، اليوم الثلاثاء، تقريرها النهائي والذي يلخص أعمالها والصعوبات التي تعرضت لها من أجل تكريس العدالة الانتقالية بعد ثورة الحرية والكرامة في 2011، والتي أطاحت بنظام استبدادي، من أجل عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية وتحقيق المصالحة الوطنية، حيث أكدت الهيئة أن قطار العدالة الانتقالية قد وصل إلى المحطة الأخيرة بأمان وأن المصالحة الوطنية أصبحت الآن في متناول الجميع أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى.

وأكدت الهيئة في تقريرها الختامي أن عملها يغطي الفترة الممتدة من 1 يوليو/ تموز 1955 إلى 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013، مبينة أن عملها لم يقتصر على الانتهاكات الجسيمة، كالقتل العمد والتعذيب، وانعدام توفر ضمانات المحاكمة العادلة، بل شمل مسائل أخرى تتعلق بتزوير الانتخابات والمراقبة الإدارية والأمنية للأفراد.

وأشار التقرير إلى أن الهيئة واجهت عدة ضغوطات سياسية، وأنها خاضت معارك حقيقية تتعلق بالحفاظ على استقلاليتها، ولكنها حاولت الوقوف على المسافة نفسها من جميع الأطراف.

وكشف تقرير الهيئة أن السلطة التشريعية رفضت إحداث مؤسسة مختصة بحفظ الذاكرة الوطنية المنصوص عليها بالفصل 68 من الدستور، وتعاملت مع ذاكرة ضحايا الاستبداد وكأنها وثائق تحفظ في رفوف الأرشيف الوطني وتستخدم لدراسات المؤرخين فحسب، في حين كان من الأنسب معالجة قضية الذاكرة بما يليق بما قامت به تونس في مجال العدالة الانتقالية ونشره على أوسع نطاق في الفضاء العام.

وبينت الهيئة أنه تم قبول 62 ألفا و720 ملفا وإشراك جمعيات الضحايا في عملية التسجيل التي قامت بها خلال الفترة المتراوحة بين 15 ديسمبر/كانون الأول 2014، تاريخ فتح باب إيداع الملفات، إلى 15 حزيران/ يونيو 2016 تاريخ غلق باب التسجيل، حيث تم قبول 62 ألفا و715 شكوى من طرف أفراد وجماعات وجمعيات وأحزاب ومنظمات وطنية ونقابات مهنية.

وشملت هذه الملفات الضحايا، حيث تلقت الهيئة أكثر من 205 ملفات بخصوصها، كما تلقت ملفات من هيئة مكافحة الفساد، مضيفة أنها عرفت ارتفاعا في نسق ورود الملفات إليها خلال الأسبوعين اللذين سبقا انتهاء عهدتها لتبلغ قرابة ربع إجمالي الملفات الواردة إليها منذ انطلاق قبولها للملفات. ولفتت الهيئة إلى أنها عقدت 49 ألفا و654 جلسة استماع سرية، دامت 61 ألف ساعة، بعضها بمقرها المركزي وأخرى بمنازل الضحايا، مبينة أن هذا الأمر لم يخلُ من صعوبات، ومنها الضغط النفسي على فرق الاستماع بسبب كثافة الملفات وقلة مكاتب الاستماع وتأجيل المواعيد والإرهاق جراء الاستماع ذهنيا ونفسيا للمستمعين.

واستكملت الهيئة التحقيقات في 69 ملفا شملت انتهاكات طاولت العائلة الحسينية من 1956 إلى 1960، ومحاكمات محكمة القضاء العليا من 1957 إلى 1959، ومجموعة 68، أي محكمة أمن الدولة وتهم البعثيين والقوميين والمستقلين، وانتهاكات ضد اليساريين وأحداث الخميس الأسود في 26 يناير/ كانون الثاني 1978، وانتهاكات ضد الإسلاميين والقوميين، وأحداث ثورة الكرامة بمختلف المحافظات التونسية، والاعتداء على المال العام من قبل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته والمقربين منه.

وأشارت الهيئة إلى أنه رغم التنصيص الصريح للقانون الأساسي للعدالة الانتقالية على تمكين الهيئة من النفاذ للأرشيف العمومي والخاص، إلا أن الهيئة واجهت جملة من العراقيل، تمثلت في منعها من الوصول للأرشيف الرئاسي. ولاحظت الهيئة أنه بعد الاجتماع الذي انعقد بين رئيس الجمهورية ومجلس الهيئة في قصر قرطاج بتاريخ 11 يوليو/ تموز 2014 ورغم أن الرئيس استجاب لطلب الهيئة في النفاذ إلى أرشيف الرئاسة وكلف مستشاره بمتابعة الموضوع وإبرام اتفاق كتابي في هذا الشأن، إلا أن الهيئة فوجئت بعرقلتها ومنعها من نقل الأرشيف من قبل أشخاص ادعوا أنهم نقابي الأمن الرئاسي.

وأكد القيادي في "حركة النهضة" والمهتم بملفات العدالة الانتقالية، نجيب مراد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مسار العدالة الانتقالية مكسب من مكاسب الثورة ومهم في كشف المظالم التي عاشتها عدة أجيال من الخمسينيات إلى ما بعد الثورة، مبينا أن محاسبة من قاموا بالانتهاكات ضروري من أجل عدم التكرار وتضميد الجراح وجبر الضرر.

وقال إن صدور التقرير الختامي خطوة جيدة وهامة رغم أنه طال انتظاره، حيث إنه كان من المفروض أن يصدر قبل بضعة أشهر، مشيرا إلى أن بعض الأصداء الأولية تشير إلى أن البعض قد لا يكون راضيا على ما ورد في التقرير الختامي.


وبين مراد أن التقرير سيكون مثالا يحتذى به ويمكن أن تستلهم بلدان أخرى تجربة تونس في العدالة الانتقالية، معتبرا أن الدوائر القضائية تواصل النظر حاليا في قضايا العدالة الانتقالية حيث تم تقديم ما يقارب 173 ملفا عرضت على 13 دائرة متخصصة، وهناك مئات الجلسات في قادم الأيام، مشيرا إلى وجود تقصير وتخاذل من عدة جهات في دعم مسار العدالة الانتقالية في تونس.