فرنسا: تراجع شعبية "السترات الصفراء" بعد عنف تظاهرات السبت

20 مارس 2019
ما تبقّى من مقهى "فوكيت" بعد إحراقه (مصطفى يلسين/الأناضول)
+ الخط -

يبدو أنّ مظاهر العنف والتخريب والنهب في جادة الشانزيليزيه، وسط العاصمة الفرنسية باريس، خلال تظاهرات "السترات الصفراء" السبت الماضي، قد أثارت ردّ فعل شعبي سلبياً تجاه التظاهرات، وهو ما كشف عنه استطلاع للرأي أجراه معهد "إيلاب".

فوفق الاستطلاع المنشور اليوم، الأربعاء، رأى 70% من المستجوبين أنّ تظاهرات "السترات الصفراء" ابتعدت عن المَطالب الأولى، مقابل 30% رأوا أنّ المطالب الأولى لم تتغير في سُلّم الأولويات.

وخلال الجولة الـ18 لتظاهرات "السترات الصفراء"، السبت الماضي، عمد متظاهرون إلى تحطيم وحرق كثير من واجهات المتاجر والمقاهي في جادة الشانزيليزيه، وسط باريس، ومن بينها متجر بيع المجوهرات "بُولغاري" ومقهى "فوكيت"، رمز الطبقة السياسية، الذي تعرض للتحطيم والتخريب، قبل أن يتعرض، ثانية، لعملية حرق.

كما تعرّضت سيارات الدرك وسيارات رجال الشرطة المختبئين في زيهم المدني للرشق من طرف بعض المتظاهرين، بينما لجأت قوى الأمن إلى استخدام العصي والغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه، لتفريق المتظاهرين.

ورغم مظاهر العنف في تظاهرات "السترات الصفراء" في باريس وفي المدن الأخرى، ومحاولات شيطنة الحراك من قبل الأغلبية السياسية، وبعض قياديي اليمين المحافظ في حزب "الجمهوريون"، ورغم "الحوار الوطني الكبير" الذي أراده الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته وسيلة لإسكات التظاهرات، إلا أنّ أغلبية من الفرنسيين بنسبة 53%، لا تزال تؤيد هذا الحراك ومطالبه.

ووفق الاستطلاع، فإنّ 24% أعلنوا دعمهم للحراك، في حين ذهب 29% إلى درجة التعاطف، في حين أنّ 12% أعربوا عن لامبالاتهم إزاء الاحتجاجات.

وليس غريباً أن يحافظ الحراك على شعبية كبرى لدى الطبقات الشعبية، حيث يبلغ الدعم 65%، لا سيما أنّ المطالب تركز على دعم القدرة الشرائية لشرائح تجد صعوبة في بلوغ نهاية الشهر بسلام.

وخرجت التظاهرات بداية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للاعتراض على رفع أسعار المحروقات وسوء الأوضاع الاقتصادية، قبل أن تتحول إلى تظاهرات مناهضة للرئيس ماكرون وسياساته.


ويبدو، وفق ما كشف عنه الاستطلاع، أنّ العنف الذي يرافق الاحتجاجات يقف وراء انخفاض الدعم للحراك، وإن كان كثير من مؤيدي الحراك ذاته يرفضون العنف الذي يرافق المطالب.

وبحسب الاستطلاع، فإنّ نسبة من يُدين العنف بلغت 84%، في حين أنّ 15% لا تدين مظاهر العنف، و1% ليس لديهم جواب حيالها. كما بينّ الاستطلاع أنّ 28% من المستجوبين يتفهمون مظاهر العنف، بينما 17% يدينون العنف ولكنهم يتفهمونه.

وكان بعض وجوه "السترات الصفراء"، ومن بينهم جيروم رودريغيز وإيريك درووي ومكسيم نيكول، قد اتهموا الحكومة بالمسؤولية عن العنف، بسبب رفضها الاستجابة لمطالب المحتجين.

كما كشف الاستطلاع أنّ أغلبية من الفرنسيين (67%)، يرون أنّ الديمقراطية ليست بخير في فرنسا، ومن بينهم 20% يرون أنّ الديمقراطية في وضع سيئ جداً.

رؤساء الأحزاب يناقشون الأزمة

ليس سراً أنّ "أزمة" "السترات الصفراء" أصبحت شوكة في حلق ماكرون وحكومته، بينما لم تتمكن المعارضة، هي الأخرى، من احتواء حركة اجتماعية غير متجانسة تتخللها صراعات ومطالب متناقضة أحياناً.

وهذه الأزمة المجتمعية والسياسية الأكبر في ولاية ماكرون الرئاسية، هي التي سيحاول رؤساء ستة أحزاب سياسية، هي: "الجمهوريون" و"موديم" و"الجمهورية إلى الأمام" و"فرنسا غير الخاضعة" والحزب الاشتراكي" و"التجمع الوطني"، مناقشتها وتحليلها واقتراح حلول لها، ومناقشة الرد الحكومي عليها، مساء اليوم الأربعاء، في قناة بي إف إم - تيفي، من أجل كسب أصوات في أفق الانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/أيار المقبل.

ومع إكمالها الشهر الرابع، باتت هذه الاحتجاجات الأطول من نوعها في فرنسا، خلال السنوات الأخيرة، وشهدت كذلك تغيراً وتبدلاً في مواقف السلطة والحكومة على حد سواء تجاهها.

فإذا كان الجميع اعترف بشرعية مطالبها، بمن فيهم الرئيس ماكرون، إلا أنّ البعض، وهو موقف الحكومة ومن يتحالف معها ("حزب الموديم")، حاول وقفها؛ سواء عبر إجراءات دعم القدرة الشرائية أو من خلال "الحوار الوطني الكبير" الذي أطلقه الرئيس ماكرون.

في المقابل، سعت عدة أحزاب لوقف التظاهرات، لأنّها لم تعد تستفيد منها انتخابياً، كما هو حال حزبي "الجمهوريون" و"الحزب الاشتراكي"، في حين لا تزال أحزاب تدعمها، بشكل أو بآخر، كحركة "فرنسا غير الخاضعة"، وحزب "التجمّع الوطني"، في ظل استراتيجيتهما للظهور بمظهر المعارض الأول للرئيس ماكرون.