كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، تظن عند بدء فرض حصارها الرباعي على قطر، في الخامس من يونيو/حزيران 2017، أن الدوحة ستخضع سريعاً لشروطها، بعد المقاطعة الشاملة التي حاولت هذه الدول فرضها عليها، وعزلها عن محيطها الإقليمي والدولي. لكن مع مرور ألف يوم على الحصار، اليوم السبت، أثبتت الدوحة نجاحها في كسر الحصار وإسقاط محاولات عزلها، عبر توسيع علاقاتها السياسية والدبلوماسية والتجارية الخارجية، وخلق شراكات جديدة في كل أنحاء العالم، مع حرصها على تماسك مجلس التعاون الخليجي، ودوره كمنظمة إقليمية، ودعوتها لتوقيع اتفاق أمني جديد في المنطقة.
وكان لافتاً في الدوحة، الاستقبال الحار الذي حظي به الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الكويتي نايف الحجرف، الذي يقوم بأول زيارة إلى الدوحة، بعد تسلمه مهام منصبه، خلفاً للبحريني عبد اللطيف الزياني، الذي انحاز في الأزمة الخليجية إلى جانب دول الحصار، وعطّل آليات مجلس التعاون الخليجي، وساهم في تفاقم الأزمة، ودخول منظومة مجلس التعاون الخليجي مرحلة الموت السريري، خصوصاً في العامين الأولين من الأزمة.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد جدّد في كلمةٍ ألقاها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمناسبة افتتاح مجلس الشورى القطري، رؤية بلاده لمجلس التعاون الخليجي وكيفية تفعيل دوره، مؤكداً في هذا الصدد "الاستعداد للحوار لحلّ الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفي إطار ميثاقه على أسس أربعة: الاحترام المتبادل، المصالح المشتركة، عدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
وفي الوقت الذي لا تزال فيه السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، تفرض حصاراً جوياً وبحرياً وبرياً على قطر، وتمنع تنقل مواطنيها، وتمنع الرياض مواطني قطر من أداء فريضة الحج والعمرة، بدأت تبرز ملامح تآكل الحصار المفروض. في المقابل، عاد التصعيد السياسي والهجوم الإعلامي على الدوحة، من قبل دول الحصار، بعد فشل المفاوضات القطرية - السعودية أخيراً، ودعوة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحات صحافية من ميونخ، قبل أسبوعين، "دول الحصار إلى أن تعود لرشدها"، مشدداً على أنّ "لكل بلد حقّه السيادي في اتخاذ إجراءاته". وأكد الوزير القطري أن "المفاوضات مع السعودية توقفت، في يناير/كانون الثاني الماضي، من دون سابق إنذار".
توسيع العلاقات الدولية
مكّنت علاقات قطر والزيارات التي قام بها أميرها إلى دول تركيا والجزائر والكويت والمغرب وعُمان والسودان وتونس وإيران، علاوة على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين، من تجاوز التأثير السلبي للحصار والخروج منه. ويدلّ على ذلك، أن قطر نجحت في نسج علاقات متينة مع الدول التي دعمت في البداية موقف دول الحصار، وأعلنت قطع علاقاتها مع الدوحة، قبل أن تعود العلاقات مع هذه الدول إلى طبيعتها، وآخرها الأردن، التي زارها أمير قطر نهاية الأسبوع الماضي، في تأكيد على عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين. فيما بقيت موريتانيا واليمن وجزر القمر، تساند موقف دول الحصار.
ونجحت الدوحة، بعد فترةٍ وجيزة من الحصار، في إقامة طرق جديدة للتجارة، لتحلّ محل الشركاء الخليجيين السابقين. وفي أواخر العام 2017، افتتحت ميناءً بقيمة 7.4 مليارات دولار صُمّم ليصبح مركزاً للنقل البحري الإقليمي. وبعد عامين من جلب آلاف الأبقار المدرة للحليب من أجل التغلب على الحظر التجاري، أصبحت شركة "بلدنا" القطرية لإنتاج الألبان تصدّر إلى الخارج للمرة الأولى، بعدما كانت تعتمد بنسبة 80 في المائة على استيراد المواد الغذائية من السعودية والإمارات.
كما نجحت قطر، بفضل استثماراتها الكبيرة من خلال الصندوق السيادي القطري الذي بلغ 320 مليار دولار، في تنويع علاقاتها الاقتصادية والأمنية عقب فرض الحصار، فعمّقت علاقاتها مع تركيا التي أمدّتها سريعاً بالمواد الغذائية اللازمة، كما أرسلت جنودها إلى قطر تفعيلاً لاتفاق عسكري سابق بتأسيس قاعدة عسكرية تركية. يضاف إلى ذلك قيام صندوق الثروة السيادية في قطر باستثمارات كبيرة في جميع أنحاء العالم، من أميركا الشمالية وأوروبا إلى روسيا وشرق آسيا، وكل ذلك في إطار جهود الدوحة لتوفير مزيد من العلاقات مع الدول الفاعلة دولياً، مع وجود حصص أعلى في قطر تبقيها مستقلة ومحافظة على سيادتها. وحمى هذا التنوع في التحالفات الدوحة من العزلة. كما تعمّقت علاقات قطر مع الولايات المتحدة، التي تطورت بعد الأزمة الخليجية، إذ عقد الطرفان حواراً استراتيجياً في الدوحة وواشنطن على مدى العامين الماضيين، تمخّض عن عقد العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات الأمنية والاقتصادية والعسكرية، والجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.
وشهد العامان الماضيان توسع العلاقات بين قطر والاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد رفض دول الاتحاد ومعارضتها للحصار الذي تقوده الرياض وأبوظبي ضد الدوحة. وساعد الموقف الأوروبي الدوحة على تجنّب العزلة الدولية التي كانت ترغب فيها دول الحصار. وسعت دول أوروبا للعب دور فاعل في الأزمة الخليجية.
وبحسب تقرير نشره "مركز تحليلات دول الخليج"، كان موقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا رافضاً للحصار وداعماً جهود الوساطة لحلّ الأزمة، وبرزت برلين بموقف أكثر وضوحاً في الأزمة الخليجية منذ البداية. وشدّد التقرير على أن الدول الثلاث الكبار في أوروبا أظهروا استعدادهم لمواصلة توسيع علاقاتهم التجارية والاستثمارية مع الدوحة، مؤكدين أنهم لن يتأثروا بالأزمة أو بحصار قطر.
توجّه نحو الشرق
تمكّنت الدوحة آسيوياً من تعميق شراكاتها مع الدول الآسيوية من الصين وروسيا والهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا، وقام أمير قطر الشيخ تميم بجولةٍ آسيوية لتفعيل العلاقات مع تلك القارة على كافة الأصعدة، خصوصاً التجارة والاستثمارات، كما قام بزيارات إلى كل من روسيا وغيرها من الدول في قارة آسيا. وتولي الدول الآسيوية ذات الاقتصاديات النشطة والسريعة النمو أهميةً قصوى للعلاقات مع قطر، باعتبارها من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية التي وضعتها تلك الدول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية في علاقاتها مع قطر. وكانت علاقات الدوحة مع تلك الدول سبباً رئيسياً في إفشال محاولات دول الحصار لعزلها، فهذه الدول لم تجد أيّ تعاطف مع حملاتها ضد الدوحة في بكين وطوكيو وسيول وكل العواصم الآسيوية تقريباً. وترى تلك الدول أن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي تشكل تهديداً لمصالحها الخاصة.
وعكست العلاقات القطرية - الصينية إلى حدٍّ كبير قدرة الدوحة على الحفاظ على وضعٍ قوي في مواجهة دول الحصار، كما ظّلت بكين على الحياد خلال أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الموقف الذي اتخذته اليابان التي حرصت على التأكيد أن قطر ظلّت قادرةً على الوفاء بالتزاماتها خلال الحصار من خلال الاستمرار في تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية والأسواق الآسيوية الأخرى.
وساهمت زيارات أمير قطر الخارجية خلال العامين الماضيين، وقيامه بجولتين في أفريقيا شملت دولاً عدة في شرق وغرب القارة السمراء، في تنويع الاقتصاد وتوقيع الكثير من الاتفاقيات بينها وبين الدوحة في إطار التعاون الثنائي، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والأمن الغذائي، ما أفشل عملياً مخطط دول الحصار بعزل دولة قطر وانكفائها على ذاتها ومنعها من ممارسة سياسة خارجية مستقلة.