السودان: رسائل داخلية وخارجية لقوى الحرية والتغيير

19 اغسطس 2019
خلال الاحتفالات بتوقيع الاتفاق السبت (إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -
باشر السودان، أمس الأحد، خطواته الأولى نحو الانتقال الديمقراطي تمهيداً للحكم المدني، وذلك بالانتقال لمرحلة المجلس السيادي الحاكم للمرحلة الانتقالية، وذلك في وقت كانت الرسائل التي وضعتها "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في بريد عدد من الجهات الداخلية الإقليمية والدولية، خلال الكلمة التي ألقيت باسمها في حفل التوقيع النهائي على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية تستحوذ على نقاشات السودانيين، وبشكل خاص الرسائل التي وجهتها لـ"المؤتمر الوطني"، حزب الرئيس المعزول عمر البشير، ولدول الإقليم.
وبعد اجتماعات استمرّت لأيام، نجحت "قوى إعلان الحرية والتغيير" أمس الأحد، في حسم أسماء ممثليها الخمسة في المجلس السيادي، إذ تمّ الاستقرار على اختيار عائشة موسى، وصديق تاور، ومحمد الفكي سليمان، وطه عثمان، وحسن شيخ إدريس، كممثلين لـ"الحرية والتغيير" في المجلس. وينتظر أن يؤدي ممثلو المعارضة إلى جانب ممثلي المجلس العسكري والعضو الحادي عشر المتفق عليه من قبل الطرفين، اليوم الإثنين، اليمين الدستورية أمام رئيس القضاء عبد القادر محمد أحمد.

وكان المجلس العسكري اختار 5 من بين أعضائه السبعة الحاليين، ليمثلوه في المجلس السيادي. إذ قرّر أن يتولى رئيسه عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس إلى جانب عضوية كل من نائبه في المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، والفريق شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، والفريق صلاح عبد الخالق.
وسبقت هذه الخطوات العملية، توقيع اتفاق الوثيقة الدستورية والإعلان السياسي بصفة نهائية، بين المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير" أول من أمس السبت. وكان القيادي في "الحرية والتغيير" محمد ناجي الأصم، قد ألقى كلمة نيابة عن هذه القوى، لفتت الانتباه أكثر من غيرها من الكلمات التي ألقيت في احتفال التوقيع على الاتفاق الذي يقضي بنقل الحكم لسلطة ذات طابع مدني، يحصل بموجبه التحالف على 5 مقاعد في المجلس السيادي، ويحتكر تشكيل الحكومة، ويحوز كذلك على ثلثي مقاعد البرلمان الانتقالي.
ووضعت الكلمة التي تمّ تداولها على نطاق واسع، خارطة طريق للحكومة المقبلة التي ستنخرط الأطراف السودانية في تشكيلها، إذ حرص الأصم الذي يعدّ أحد أيقونات الثورة السودانية، على التذكير بميثاق "الحرية والتغيير" الموقّع في يناير/كانون الثاني الماضي بين"تجمّع المهنيين السودانيين" وعدد من الكتل السياسية المعارضة، والذي قال إنه جاء ملبياً لتطلعات الشعب في التواضع على خارطة طريق وطنية للانتقال، بعد دراسة وافية لطبيعة مشكلات البلاد. وأشار الأصم إلى أنّهم في "قوى الحرية والتغيير" وضعوا "إطاراً لمعالجة مشكلات المقاومة الوطنية، وعلى رأسها غياب القيادة الموحدة للمقاومة، فكان ميلاد قوى الحرية والتغيير، التحالف الأوسع من حيث التمثيل السياسي والنقابي والمطلبي والمدني، وهو التحالف الذي عمل على تنسيق جهود الشعب وبلورة خياراته النضالية في مشروع سياسي واضح عبر إعلان الحرية والتغيير"، قبل أن يضع السياسي الشاب، رسائله الخمس عشرة.

حزب البشير

من أهم تلك الرسائل هي ما خصّ بها حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقاً. إذ حرص فيها أولاً على تذكير الحزب ببعض الجرائم التي ارتكبها "من اغتصاب السلطة والقتل والتعذيب، ومعاناة البلاد خلال تلك الفترة من الويلات والحروب الداخلية والنزاعات والجوع وامتهان كرامة الإنسان، إضافة لانتشار الفساد بصورة غير مسبوقة، وضياع ثروات البلاد وتناثرها في جيوب قلة من أعضاء الحزب".
غير أنّ الأهم في تلك الرسالة هو تعهّد الأصم نيابة عن "قوى الحرية والتغيير" بعدم الانتقام من "المؤتمر الوطني"، على أن يكون النهج السائد هو المحاسبة والعقاب العادل، موضحاً أنه "منْ لم يرتكب جرماً مشهوداً أو لم يقم بعمل منظور ضرره، فندعوه لحملة بناء الوطن من جديد، فربما غفر الشعب الجبار، وربما تناست جماهير الشعب السوداني الكريم آثار الأذى، فأنتم في النهاية من هذه البلاد، وحقكم في المواطنة غير مسلوب".
وشرّعت تلك العبارات الأخيرة باب الأسئلة حول إمكانية فتح الباب أمام الحزب الحاكم سابقاً ليكون جزءاً من العملية السياسية، وهو ما يُخالف طرق التفكير الأخرى الداعية إلى اجتثاث الحزب تحت شعار تفكيك الدولة العميقة.

تعليقاً على ذلك، قال رئيس تحرير صحيفة "مصادر"، والمقرب من دوائر "المؤتمر الوطني"، عبد الماجد عبد الحميد، إنّ ما جاء في حديث الحرية والتغيير "يعدّ نقطة إيجابية في حال صدر بعد مراجعات ورؤية استراتيجية، وليس حديثاً فقط للاستهلاك السياسي". وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "المؤتمر الوطني أجرى ولا يزال يجري مراجعات حول إمكانية التعاطي مع المتغيرات الحالية"، منوهاً إلى أنّ "كوادر الحزب لا تزال تمسك بمواقع حساسة في الدولة، وتعمل فيها بإخلاص، على الرغم من علمهم باحتمالات الإطاحة بهم، ما يؤشر إلى صدق النوايا وعدم الرغبة في تعطيل المرافق العامة للدولة".
واعتبر عبد الحميد أنّ ما جاء في خطاب الأصمّ "بمثابة مدخل لحوار عميق بين الحرية والتغيير وكل الإسلاميين، يتم فيه التوصّل إلى توافق يؤسّس فعلياً لمرحلة جديدة"، موضحاً أنّ الحزب "لا يرفض مطلقاً مبدأ المحاسبة والمحاكمة العادلة لكل من أجرم في السنوات الماضية".

رسالتان للعالم والإقليم
رسالة أخرى لا تقلّ أهمية عن تلك التي خصصت لحزب البشير، وجهتها "قوى إعلان الحرية والتغيير" عبر كلمة الأصم، للعالم ودول الإقليم، اعتذرت فيها أولاً عن ثلاثين سنة مما سمّته "الغياب القسري عن مساهمة الدولة السودانية بصورة حقيقية ومباشرة في تطوير العالم، وفي تنمية الشعوب، والدفع بها نحو الرفاه وتمام الحقوق وسعادة الإنسانية".

وأضاف الأصمّ في تلك الرسالة أنّ "السودان لا يطلب سوى التعامل باحترام مع الشعب السوداني، فهو شعب قدّم تضحيات كبيرة ليلحق بركب المدنية والحضارة والتطور"، قبل أن يخصّ دول الإقليم برسالة قال فيها: "لقد وجدنا الدعم من شعوب شقيقة ووصلتنا خطابات المساندة التي تنزلت علينا كبركاتٍ وفأل حسن، ورغم المكائد ومحاورات السياسة هنا وهناك، ها نحن نجتاز الدسائس". وأكد "أنّ شعبنا لا ينسى من وقف معه وسانده، ولكنه كذلك سيذكر كل من وضع له العراقيل، ومن عفا وأصلح فأجره على الله"، من دون أن يسمي أي جهة من الجهات.
وأضاف الأصمّ "نريد لعلاقاتنا الأزلية أن تستمر، ولمصالحنا المشتركة أن تكون مرتكز علاقاتنا، فنحن أهل السودان ما زارتنا الذلة والمهانة إلا لأن النظام البائد، نظام البشير، كان يقدّم كرامتنا قرباناً مقابل سلامته ولاستمرار حكمه"، موضحاً أنّ "البلاد لم تعد في حاجة لتقديم القرابين، بل نحن في حاجة للدعم الخالص الخالي من كل غرض من كل من يهمه أمرنا".
في السياق، قال حسن عبد الحميد، القيادي في حزب "الأصالة والتنمية"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين" في السودان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "اللغة التي استخدمت من جانب الحرية والتغيير حول محور علاقات السودان الخارجية، لم تكن واضحة وحمالة أوجه، خصوصاً ما يتعلّق بالدول المتهمة بعرقلة الثورة والتحوّل الديمقراطي في البلاد". ورأى أنّ الأصمّ "ربما قصد بتلك الدول مصر التي حاولت عرقلة العلاقة بين الجبهة الثورية والحرية والتغيير عبر مخابراتها التي طرحت مبادرة لتسوية الخلاف بين الطرفين (عقد اجتماع في القاهرة بين الطرفين الأحد الماضي)، فيما تلا ذلك رفض من جانب الجبهة الثورية للاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير".
وأشار عبد الحميد إلى أن "حتى مصير الطريق الذي سار عليه المجلس العسكري، القريب من المحور السعودي الإماراتي، ليس واضحاً ما إذا كانت قوى الحرية والتغيير ستعمل على تحييده أم لا، خصوصاً في ظلّ عدم اتفاق توجهات أحزاب وكتل هذه القوى، وتوقّع حدوث نزاع مستقبلي بين العسكر والمدنيين حول علاقات السودان الخارجية".


رسالة للجيش
برزت أيضاً في كلمة الأصمّ رسالة خصّصت للقوات المسلحة وبقية القوات النظامية، إذ كان عنصر الإشادة بها محلّ دهشة واستغراب لناحية صدورها من جهة ظلّت خلال الفترات الماضية تحمّل القوات النظامية، بمختلف مسمياتها، مسؤولية العنف الذي ووجه به الثوار منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وحتى بعد سقوط نظام البشير. وتظلّ مجزرة فضّ اعتصام محيط القيادة العامة للجيش السوداني في الثالث من يونيو/حزيران الماضي، والتي قتل فيها أكثر من 100 من المعتصمين، أكبر دليل على ذلك، حينما حمّلت "قوى الحرية والتغيير" المجلس العسكري المسؤولية عن المجزرة. على الرغم من كل ذلك، وجدت القوات النظامية إشادة في كلمة الأصمّ، الذي قال "استكملتم معنا النشيد وسرتم معنا في طريق الثورة والتغيير بصدور مفتوحة وتضحية كان لزاماً أن تكون، فهذا واجب لا مستحيل معه... واجهت مسيرتنا معاً العقبات التي فتحت أبوباً للريبة، لكن أملنا في باكر الضواي كان هو مفتاح الصبر... سالت الدماء بالأمس أنهاراً وانهمر الدمع مدراراً وحدثت أخطاء دُفع معها الثمن فادحاً".

وأكد الأصمّ أنهم يؤمنون بأنّ "بذرة الوطنية عامرة ندية في تلك المؤسسة التي نعتزّ أنها حمايتنا ودرع وقايتنا، ومهما شُقت بيننا الدروب وكثرت الحفر، فإنّه بيدنا اليوم أن نصنع معاً طريقاً معبدا يبني الثقة ويعززها، يتم فيه تداول السلطة بصورة سلمية يطوي صفحات مظلمة من الديكتاتورية البغيضة، ونؤسس عبره معاً ديمقراطية مستدامة في السودان".
وفي هذا الإطار، قال الفريق أمن، حنفي عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ ما جاء في خطاب الحرية والتغيير "هو أمر واقع موجود أصلاً، إذ إنّ المؤسسة العسكرية هي الضمان الأساسي، في ظلّ التحديات العسكرية والأمنية الماثلة، وفي ظلّ موقع السودان الجيو-استراتيجي، والسيولة الأمنية داخل البلاد، ووجود حركات لا تزال تحمل السلاح، ولديها سقوف تفاوضية عالية".
وأكّد أنّ عامل الثقة بين العسكريين و"الحرية والتغيير"، "سيتسمر وسيتعزّز بمزيد من التوافق، ولن يهدد ذلك إلا قصور فهم بعض عناصر الأحزاب لنصوص الوثيقة الدستورية التي تمّ التوقيع عليها السبت الماضي".

رفقاء الكفاح المسلح
ومع رفض الجبهة الثورية وهي تحالف حركات متمردة للاتفاق، اختار الأصمّ أن يرسل رسالة خاصة لمن سمّاهم "الرفقاء في الحركات المسلحة" دعاهم فيها إلى وضع السلاح أرضاً "فثورتنا كانت سلمية، ولكن نعلم جيداً أنّ ثورة الشعب السوداني لم تبدأ اليوم، ولقد ساهمتم فيها بالدماء والدموع والاضطرار لحمل السلاح دفاعاً في كثير من الأحيان عن الحق في الحياة وفي المواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة. كما كنتم أيضاً وكفصيل أصيل من فصائل الثورة، بالكتوف العالية، في المواكب، وقد اختبرتم معنا النجاحات عبر السلمية، وعلينا اليوم أن نمتشق الحوار الجاد المنتج من أجل حلّ قضايانا وبصورة جذرية".
وأضاف الأصمّ في رسالته نيابة عن قوى "الحرية والتغيير"، أنّ "السلام أولوية كل عاقل، والحرب خيار اضطراري، وقد كان مشهد الثورة العظيم مدعاة للجنوح لخيارات أكثر أمناً وأعمق أثراً، من أجل الوطن، ومن أجل من عانوا ويلات الحروب... من أجل تحقيق العدالة والمساواة نحن معا، لنعمل من أجل السلام الشامل المُرضي".