تمديد مهلة حسم حرب اليمن: الحديدة مدينة بلا سكان

10 نوفمبر 2018
قوات موالية للحكومة عند مدخل الحديدة (خالد زياد/فرانس برس)
+ الخط -


أسقط تصاعد حدّة المعارك في مدينة الحديدة غرب اليمن، بين الحوثيين من جهة، والقوات الموالية للحكومة اليمنية والتحالف السعودي-الإماراتي من جهة أخرى، كل المساعي لحل سياسي للصراع اليمني، وهو ما تُرجم بتأجيل محادثات السلام التي كان المبعوث الأممي مارتن غريفيث يسعى لعقدها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بما يعني عدم وجود أي عوامل تكبح تصاعد المواجهات في الحديدة، وهو مؤشر على أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما يكونون قد منحوا مهلة إضافية للتحالف والحكومة اليمنية لحسم ملف الحديدة قبل أي تفاوض. يترافق ذلك مع تسريبات عن أن مسؤولين في البنتاغون شاركوا في التخطيط للهجوم الجديد على الحديدة، وفق ما ذكره موقع "إنتلجنس أونلاين"، بالتوازي مع كشف صحيفة "واشنطن بوست" أن الإدارة الأميركية تدرس تصنيف الحوثيين كمجموعة إرهابية. هذه المؤشرات كلها تشي بأن واشنطن مددت مهلة الحسم العسكري في الحديدة، نظراً لأهمية السيطرة على المدينة على واقع الصراع، بعدما كانت التوقعات تشير إلى إمكان وقف المعارك مع وصول موعد المفاوضات التي كانت مقررة في السويد نهاية الشهر الحالي.

ومع هذا التمديد، تواصلت المعارك الميدانية أمس الجمعة لليوم الثامن على التوالي، مع حديث الحكومة عن أن قواتها حققت تقدّماً كبيراً في الحديدة. وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أمس، بأن المواجهات في الحديدة تواصلت على أغلب محاور الاشتباك، وخصوصاً على المدخل الشرقي للمدينة (منطقة كيلو 10 ومحيطها) ومنطقة الخمسين ومدينة الصالح، وصولاً إلى المناطق القريبة من مطار الحديدة وجامعتها، في الأطراف الجنوبية الشرقية للمدينة. وانضمت إلى القوات الحكومية المدعومة من التحالف، أمس، كتيبة من "النُخبة التهامية"، إلى جانب "ألوية العمالقة" والقوات الموالية للعميد طارق صالح والتابعة مباشرة لدولة الإمارات. وقالت مصادر تابعة للحوثيين، إن قتلى مدنيين بينهم أطفال سقطوا من جراء قذائف أطلقتها القوات المناوئة للحوثيين باتجاه منطقة "7 يوليو".

من جهتها، قالت الحكومة اليمنية، في بيان أمس، إن "التحالف العربي أطلق اليوم الجمعة (أمس) عملية عسكرية جديدة واسعة النطاق لتحرير ما تبقى من مدينة الحديدة من مليشيا الحوثي الانقلابية". وأضافت أن " قوات الجيش الوطني تقدّمت باتجاه شمال مدينة الحديدة وغربها ومن كل المحاور وبإسناد من قبل التحالف". وتابعت أن العملية العسكرية "كانت مباغتة لم تتوقعها المليشيات الانقلابية... ومدينة الحديدة تشهد في هذه الأثناء معارك عنيفة وسط تقدّم كبير لقوات الجيش الوطني".

في المقابل، شنّ الحوثيون أمس عمليات قصف "عنيفة ومكثّفة" على مواقع القوات الموالية للحكومة في محاولة لوقف تقدّمها في المدينة، كما أفاد مسؤولون عسكريون في القوات الحكومية لوكالة "فرانس برس". وذكر المسؤولون أنّ الحوثيين أطلقوا كذلك صاروخاً باتجاه جنوب المدينة حيث تتمركز القوات الحكومية، ما أدى إلى إصابة عدد من المقاتلين الحكوميين بجروح. وعلى الرغم من القصف المكثّف، حققت القوات الموالية للحكومة تقدّماً محدوداً أمس في المدينة، بحسب "فرانس برس"، وتمكّنت من التقدّم نحو نصف كيلومتر إضافي في شرق المدينة على طريق رئيسي محاذٍ لحي سكني، بعدما كانت تقدّمت كيلومترين يوم الخميس، بحسب المصادر ذاتها. وقال مسؤولون في القوات الموالية للحكومة إنّ الحوثيين حفروا خنادق وزرعوا ألغاماً على الطرق في محيط الحديدة، كما نشروا قناصة على أسطح المباني وخلف لوحات إعلانية ضخمة. وكانت القوات الموالية للحكومة وصلت الخميس، لأول مرة منذ انطلاق الحملة، إلى أول الأحياء السكنية من جهة الشرق على الطريق الرئيسي الذي يربط وسط الحديدة بالعاصمة صنعاء. كما أنها تقدّمت نحو ثلاثة كيلومترات على الطريق البحري في جنوب غربي المدينة، وكذلك عند الأطراف الشمالية الشرقية للحديدة.


في غضون ذلك، تبادل الحوثيون وخصومهم، الاتهامات باستهداف مستشفى 22 مايو في المدينة. وقال الحوثيون إنه تعرض لثلاث غارات جوية من قبل التحالف السعودي-الإماراتي، بالإضافة إلى 12 قذيفة مدفعية. في المقابل، قالت مصادر تابعة لقوات الشرعية، إن الحوثيين قاموا بتفخيخ المستشفى، قبل الانسحاب منه أمس الجمعة، وأشارت إلى استهدافه من قبل الحوثيين بصاروخ.

هذه التطورات العسكرية زادت المخاوف على مصير المدنيين في الحديدة، وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة شابيا مانتو، أمس، إن نحو نصف مليون شخص فروا من منازلهم في مدينة الحديدة والمناطق المحيطة منذ يونيو/حزيران الماضي، لكن القتال تسبب الآن في إغلاق طرق الخروج من المدينة. وأضافت مانتو: "على الرغم من صعوبة إحصاء عدد المتبقين في الحديدة فإن المفوضية قلقة من ألا يتمكن الذين يريدون الفرار من أجل السلامة من فعل ذلك. إنهم محاصرون بسبب العمليات العسكرية التي تضيق الخناق على السكان وتقطع طرق الخروج". وناشدت جميع الأطراف بالسماح بالوصول إلى مخزن المفوضية المجهز بمأوى للطوارئ ومواد إغاثة أساسية والذي قالت إن الاشتباكات قطعت الطريق إليه.

ويأتي استمرار المعارك في الحديدة بعدما كانت الأمم المتحدة أعلنت الخميس، تأجيل محادثات السلام التي كانت مقررة نهاية الشهر الحالي. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، إن غريفيث "يأمل جلبَ الأطراف المتحاربة (الحكومة اليمنية والحوثيين) إلى الطاولة قبل نهاية هذا العام". ورداً على أسئلة الصحافيين بشأن أسباب تأجيل محادثات السلام، قال حق: "ما نحاول القيام به هو تذليل أي قضايا حتى نتمكن من الحصول على جولة ناجحة من المفاوضات في أقرب وقت ممكن".

يُذكر أن غريفيث سيطلع مجلس الأمن الدولي على أحدث تطورات الأوضاع اليمنية يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. فيما كان دبلوماسيون في الأمم المتحدة طلبوا عدم نشر أسمائهم، ذكروا بحسب "رويترز"، أن بريطانيا تعمل مع الولايات المتحدة لصياغة مسودة قرار يدعو لوقف القتال في اليمن. لكن الدبلوماسيين لم يحددوا مهلة لطرح هذا القرار، بما يعني أن لا أجواء راهنة تدفع باتجاه وقف معارك الحديدة، وهو ما يتوافق مع ما كشفه موقع "إنتلجنس أونلاين"، من أن مسؤولين في البنتاغون اجتمعوا في الرياض مع ضباط سعوديين وإماراتيين للتخطيط للهجوم على الحديدة، وزوّدوا السعودية والإمارات بمعلومات حيوية لشن هذا الهجوم، وذلك بعدما سلّمت واشنطن، الرياض طائرتي استطلاع ومراقبة إضافيتين قبيل الهجوم.