كما تأتي الانتخابات لتنهي الفراغ في منصب رئيس الإقليم، الذي بقي شاغراً منذ نهاية ولاية رئيسه السابق مسعود البارزاني، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، الذي كان قد أعلن رفضه الترشح لولاية جديدة بعد تفجّر الأزمة مع بغداد عقب تنظيم إربيل استفتاءً للانفصال عن العراق، وإطلاق بغداد حملة عسكرية ضخمة استعادت على إثرها السيطرة على كركوك ومدن أخرى متنازع عليها مع إربيل، التي انتهت بإذعان البارزاني لشرط بغداد وسحب الاستفتاء وإلغاء العمل به. ومنذ ذلك الحين، تم توزيع صلاحيات رئيس كردستان على كل من رئيس حكومة الإقليم ورئيس البرلمان والقضاء.
ويعدّ انتخاب رئيس الإقليم خطوة مهمة لتشكيل حكومة كردستان المعطّلة. وقد تقدّم خمسة مرشحين للمنصب، لكن أوفرهم حظاً بحسب التفاهمات السياسية، ابن شقيق مسعود البارزاني، رئيس حكومة الإقليم الحالية نيجيرفان البارزاني، الذي ترشّح إلى جانب أوميد عبد السلام قادر، محمد حمه صالح عمر، ريبوار عزيز مصطفى، وهيوا عبد الله خدر.
وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، حلّ أوّلَ في انتخابات الإقليم التي أجريت في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، بفارق كبير عن غريمه التقليدي الاتحاد الكردستاني. ولذلك، فإنّ رئاسة الإقليم وحكومته ستكون من حصته، بينما يحصل الاتحاد على منصب رئاسة البرلمان ونائب رئيس الحكومة، فيما تمتاز قوى سياسية أخرى كالتغيير، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية الكردية، للمرة الأولى بنصيب جيّد من الحقائب الوزارية. ويأتي ذلك ضمن اتفاق وقّع عليه الحزبان الرئيسيان في كردستان أخيراً بشأن تقاسم المناصب، وشكّل فعلياً إعلاناً عن تنحي آخر "مقاتلي الجبل" عن واجهة السلطة في الإقليم، وحلول الجيل الثاني منهم، وهم أبناء مسعود البارزاني وأبناء أشقائه، وكذلك أبناء جلال الطالباني وأفراد آخرون من أسرته. وهو ما شكل ورقة بيد المعارضة تخاطب بها الشارع، مركّزة على "وراثة المناصب في الإقليم".
وأعلن رئيس كتلة الحزب الديمقراطي في برلمان كردستان، أوميد خوشناو، أول من أمس الأحد، أنّ "نواب برلمان الإقليم سينتخبون رئيساً جديداً للإقليم، الثلاثاء، لكنّه سيؤدي اليمين القانونية بعد عطلة عيد الفطر"، موضحاً في بيان له، أنه "يتعيّن أن يحصل رئيس الإقليم على النصف زائداً واحداً من أصوات النواب البالغ عددهم 111".
من جهته، قال مسؤول في اللجنة القانونية التابعة لبرلمان إقليم كردستان العراق، الذي يتخذ من إربيل مقراً له، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "حتى نهاية الدوام الرسمي لأمس الإثنين، القرار هو إجراء جلسة البرلمان والتصويت على اختيار رئيس للإقليم"، موضحاً أنّ "الكتل السياسية ستجتمع بعد الحادية عشرة صباحاً، ونأمل ألا تكون هناك منغصات أو شروط جديدة تفرض على الاتفاق السابق بين الكتل، تؤدي إلى تأجيل جلسة الثلاثاء".
وفي السياق، قال القيادي في الحزب الديمقراطي ماجد شنكالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المرشح الأبرز للمنصب هو نيجيرفان البارزاني، وستكون عملية الانتخاب بالتوافق بين الأحزاب"، موضحاً أنّ "هناك اتفاقاً بين الأحزاب التي قررت المشاركة في الحكومة، وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني والتغيير، بشأن ذلك، وهم يمثلون أكثر من 90 صوتاً داخل البرلمان، من أصل 111". ولفت شنكالي إلى أنه "تمّ منح الكثير من الصلاحيات لرئيس الإقليم حسب القانون السابق والقانون الحالي، فهو يمتاز بمنصب قائد القوات العام للبيشمركة، وبصلاحية المصادقة على القوانين. كما يدير العلاقات الداخلية والخارجية والسياسات العامة للإقليم، ويتحدّث باسم شعب كردستان، ويتقاسم الكثير من الصلاحيات مع السلطتين التنفيذية والتشريعية".
من جهته، قال النائب عن الاتحاد الوطني ريبوار طه، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تشكيل حكومة كردستان توافقي، وباتفاق بين الأحزاب السياسية، وخصوصاً الأحزاب الثلاثة الرئيسية، وأيضاً هناك أحزاب أخرى تشارك في الكابينة الوزارية لحكومة الإقليم". وعبّر عن أمله أن "تكون الحكومة المقبلة حكومة الشعب، وتستجيب لمطالبه"، لافتاً إلى أنّ "هناك الكثير من الملفات العالقة بين إقليم كردستان وبين الحكومة الاتحادية، يقع على عاتق الحكومة الجديدة للإقليم حلّها، ومنها ملف المناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز، وقوات البيشمركة"، واعتبر أنّ هذه الملفات "أساس تكوين علاقة جيدة بين إقليم كردستان وبغداد". وأكّد طه أنّ المرحلة الحالية "مهمة، لكونها تأتي بعد داعش، وتتطلب إعادة الثقة وتوطيد العلاقات الجيدة بين أحزاب الإقليم لصالح الشعب".
ويؤكد مراقبون أنّ رئيس حكومة الإقليم، سيكون لديه نفوذ أوسع داخل البرلمان من رئيس الإقليم. وفي هذا الإطار، قال الباحث في الشأن الكردي علي ناجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "صلاحيات رئيس الإقليم أوسع من صلاحيات رئيس الحكومة، لكن هذه الدورة تختلف عن السابق، إذ إنّ مسرور البارزاني الذي سيكون رئيساً للحكومة، وفق الاتفاق، له نفوذ أمني، لكونه رئيس المنظومة الأمنية للإقليم، كما لديه نفوذ برلماني عبر النائب الأول لرئيس البرلمان هيمن هورامي، القيادي البارز في جناح مسرور داخل الحزب الديمقراطي".
وأكد ناجي أنّه "رغم الصلاحيات الواسعة لرئيس الإقليم المرتقب نيجيرفان البارزاني المعروف بدبلوماسيته، إلا أنّ البرلمان سيدعم رئيس الحكومة عن طريق تشريع القوانين التي تعزّز شعبيته الجماهيرية"، موضحاً أنّ "الصلاحيات التي يحصل عليها رئيس الإقليم ضمن قانون مجلس وزراء إقليم كردستان نفسها، ستكون لدى رئيس الحكومة الجديد". وأشار إلى أنّه "ضمن صلاحيات رئيس كردستان وضع السياسة العامة للإقليم، والإشراف على تنفيذها وفقاً للقوانين بعد إقرارها من قبل البرلمان"، مضيفاً: "كما له الحقّ باقتراح وإعداد مشروعات القوانين ورفعها للبرلمان لإقرارها، ومنها مشروع الموازنة العامة".
ونيجيرفان البارزاني المولود عام 1966، هو حفيد مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني مصطفى البارزاني، وابن شقيق مسعود البارزاني. هاجر إلى إيران مع عائلته عام 1975، حيث أكمل دراسته في العلوم السياسية بجامعة طهران. انتمى لـ "الحزب الديمقراطي" عام 1989، وانتخب عام 2006 كأول رئيس وزراء في إقليم كردستان لتنتهي ولايته عام 2009، قبل أن يتم انتخابه لولاية ثانية عام 2012. وتُحسَب له علاقته الجيدة مع الأتراك والإيرانيين، إذ أدى دوراً في إعادة العلاقات بين الإقليم والدولتين الجارتين (إيران وتركيا) عقب تنظيم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق، والأزمة التي حدثت على إثر ذلك.
وفي ما يتعلّق برئاسة إقليم كردستان، فقد أقرّت كمؤسسة رسمية عام 2005، وانتخب البرلمان في العام ذاته مسعود البارزاني أول رئيس للإقليم. وفي عام 2009، انتخب مواطنو كردستان البارزاني للمنصب نفسه، ليقوم البرلمان في عام 2013 بتمديد ولايته، قبل أن يغادر هذا المنصب على خلفية فشل استفتاء الانفصال عن العراق، الذي جرى بكردستان في سبتمبر/ أيلول 2017.