هيكلة "نداء تونس"... بوادر انفراج أم تعميق للأزمة؟

11 مايو 2016
يحاول "نداء تونس" لملمة صفوفه وشعبيته (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يتعاف حزب "نداء تونس" بعد من الأزمة التي عصفت به خلال الأشهر الأخيرة، وأقصته عن تزعّم المشهد النيابي بعد سلسلة استقالات بين نوابه، دفعت حركة "النهضة" إلى المرتبة الأولى كأكبر كتلة برلمانية. غير أنّ "النداء" بدأ، في الأسابيع الأخيرة، بمحاولة لملمة صفوفه، وتكثيف مبادراته لرأب الصدع واستعادة توازنه داخل البرلمان وفي صفوف الحزب، من خلال إعادة تنظيمه وهيكلته لينشط تدريجياً.

وسجّلت نهاية الأسبوع الماضي اجتماع كتلة "نداء تونس" البرلمانية، الذي أفضى إلى تغيير رئيس الكتلة، فاضل بن عمران، بالنائب سفيان طوبال. وقدّم بن عمران استقالته من رئاسة الكتلة البرلمانية قبيل انعقاد الاجتماع المذكور لأسباب متعددة، قال إنها تتعلق بعدم انضباط النواب وصعوبة إدارة الكتلة في هذه المرحلة، وهو ما وصفه مراقبون بأنه "استباق للإقالة التي يطالب بها أعضاء من الحزب منذ فترة". وأكد بيان الاجتماع "عزم النواب على العودة إلى موقع الكتلة الأصلي بالبرلمان في صدارة الكتل النيابية". وكان لافتاً ثناء البيان على انضمام النواب، نور الدين بن عاشور، ويوسف الجويني، ورضا الزغندي، المستقيلين من حزب الاتحاد الوطني الحر إلى كتلة نداء تونس، والدعوة "للانفتاح، وفتح الحوار، واعتماد سياسة الأيادي الممدودة تجاه النواب المستقيلين وكذلك المستقلّين داخل المجلس".

ويبدو هذا الموقف غريباً بعد تأكيد اجتماع تنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم منذ أيام على رفض انضمام أعضاء من أي حزب لتنظيم آخر من الائتلاف، وهو ما قد يشكل أزمة جديدة داخله، بسبب عدم انضباط "النداء" في هذا الاتفاق، وهو ما يعكس تبايناً واضحاً داخل الحزب بين قادته من جهة ونوابه من جهة أخرى. وأكدت الكتلة عزمها على رفع مستوى التنسيق في اجتماعاتها، وقررت الاجتماع، مجدداً، بعد أقل من أسبوعين لمتابعة قراراتها، مما يعكس رغبة في إدارة المشهد السياسي داخل الحزب. وانفجرت أزمة "النداء" التي أدت إلى موجة استقالات من الكتلة البرلمانية ذاتها، على خلفية الاختلاف مع إدارة الحزب وخياراته الاستراتيجية، ورغبة الكتلة في المشاركة في القرار السياسي، وعدم الاكتفاء بتنفيذ الأوامر.

كما تطرق اجتماع "النداء" الأخير إلى عدد من القضايا، بينها مخرجات الحوار مع رئيس الحكومة الحبيب الصيد، وجملة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وقضية الاتحاد الوطني للمرأة. ودعا إلى "رصد الميزانية اللازمة له وتسوية ديونه ومستحقات أعوانه وتمكينه من آليات العمل، التي تساهم في إشعاعه من جديد في أقرب وقت ممكن".

وفي ما بدا أنه بداية صحوة وعودة إلى لمّ الشتات، تقول النائبة عن كتلة "نداء تونس''، وفاء مخلوف، إنه "لا يمكن الجزم الآن بأن الكتلة تعافت وأنها ستستعيد نشاطها داخل البرلمان ودورها السياسي والنيابي، إلّا أن انتخاب مكتب ورئيس جديدين لها يعتبر مؤشراً إيجابياً". وتشير إلى أنّ "أهم المسائل، التي أعاقت عمل الكتلة البرلمانية هو غياب الديمقراطية في تسيير عملها واتخاذ القرارات بشكل أحادي". وتثمّن النائبة "اللجوء إلى الانتخابات كآلية ديمقراطية لإعادة هيكلة الكتلة بعدما قدّم رئيسها السابق، فاضل بن عمران، استقالته من مهامه منذ مارس/ آذار الماضي".



وتضيف مخلوف لـ"العربي الجديد" أن "الأيام المقبلة ستثبت ما إذا كان انتخاب قيادة جديدة للكتلة سيوحدها ويجعلها تستعيد دورها الكبير والحاسم في البرلمان أم لا"، معتبرة أنه يجب إتاحة الفرصة لأعضاء المكتب الجديد للكتلة برئاسة سفيان طوبال للعمل، ثم محاسبتهم، والتأكد من أن الاختيار كان صائباً من عدمه. وتلفت مخلوف إلى أن "نفساً وروحاً جديدين أضيفا إلى الكتلة التي أتاحت الفرصة لمن عبّروا عن رغبتهم في تقديم الإضافة لها وبذل مجهود للحفاظ على وحدتها".

وتذكر النائبة ذاتها أن رئيس الكتلة المستقيل، بن عمران، سبق أن طالب في أكثر من مناسبة بتغييره كما أعرب عن رغبته في الاستقالة، ليحسم قراره أخيراً بتقديم رسالة تنحٍّ عن المهام للهيئة السياسية للحزب. ويتزامن ذلك، وفق تصريحها، مع تصاعد المطالب بإعادة الهيكلة والكف عن تهميش الكتلة، وإعطائها الوسائل والدعم الكافي حتى تقوم بدورها. واستجابت الهيئة السياسية لمطالب المجموعة النيابية، وهو ما أعاد العلاقات مع الهيئة السياسية للحزب، إذ حضر الاجتماعَ عددٌ من النواب الذين سبق أن أعلنوا مقاطعتهم لها، بالإضافة إلى الاستجابة لمطلب عقد اجتماعات دورية مع رئاسة الحكومة ومطلب إعادة هيكلة الكتلة بالانتخاب، بحسب النائبة.

على صعيد متصل، تنفي مخلوف ما يشاع حول تغيّب رئيس الهيئة السياسية، رضا بلحاج، عن جلسة الانتخاب التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي، معلّلة تغيّبه بالتزامات أخرى وبأنه فوّض عضو الهيئة، حافظ قائد السبسي، بالإشراف نيابة عنه على الجلسات البرلمانية لكتلة "نداء تونس". لكن مصادر موثوقة من "النداء" تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "بلحاج لم يحضر بسبب انتخاب طوبال، بعدما تجنّدت كل القوى لإقصاء المرشح الثاني محمد سعيدان". وترجح هذه المصادر أن يعلن رضا بلحاج، اليوم الأربعاء، استقالته من رئاسة الهيئة السياسية، وهو ما سيقود إلى تولي حافظ قائد السبسي إدارة الحزب. كما أنّ هذا الأمر سيعيد الحزب إلى المربع الأول، وإلى دائرة اتهامات التوريث وإقصاء البقية.

وإذا ما تمت الاستقالة فعلاً، فستشكل ضربة قوية أخرى للحزب، وانشقاقاً جديداً سيُسقط كل خطابات لمّ الصفوف وتجاوز الخلافات المعلنة. وشغل رضا بلحاج منصب مدير ديوان الرئاسة قبل أن ينضم إلى قيادة الحزب. وتضاربت الأخبار بشأن الخروج من القصر إلى الحزب، لكن كل التسريبات أكدت أن بلحاج أُقيل من مهامه بسبب خلاف مع الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي.


المساهمون