توقف كثيرون عند العبارة التي وردت على لسان ممثل روسيا في محادثات أستانة، ألكسندر لافرنتييف، أخيراً، حول أنه "يمكن إخراج القوات المسلحة التابعة لإيران" من سورية "بعد تثبيت الهدنة" بموجب اتفاق مناطق منع التصعيد. فالعبارة التي لم تجد تعليقاً من طهران، ولا تفسيراً إضافياً من موسكو، قد تكون مجرد فقرة الهدف منها إرضاء الشروط التركية المتعاظمة في الفترة الأخيرة في وجه إيران ومليشياتها في كل من العراق وسورية، لكنها أيضاً يمكن أن تكون في المقلب الآخر شديدة الأهمية في حال كان المقصود منها تنفيذاً جدياً لما تعنيه كلمات العبارة. وفي كلا الحالتين، يحلو لكثيرين أن ينطلقوا من عبارة لافرنتييف التي أطلقها يوم الرابع من مايو/أيار الحالي، ليعتبروا أنها الإشارة الأكثر وضوحاً إلى قرب موعد فكّ الارتباط بين الأجندتين الروسية والإيرانية حول سورية: الأولى تريد سورية منطقة نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي، والثانية تطمح بأكثر بكثير من ذلك من بلاد الشام، لكونها تشكل محطّة مركزية في مشروع سياسي ــ توسعي ــ طائفي ــ أيديولوجي يتصل بشعار "تصدير الثورة الإسلامية" من جهة، ولا ينتهي بالرغبة في الإبقاء على حدود لإيران مع الجبهة الإسرائيلية من جهة ثانية. وبين هاتين الرؤيتين العريضتين، الروسية والإيرانية للملف السوري وللمطلوب منه بالنسبة إلى طهران وموسكو، يُترجم الاختلاف في النظرة في يوميات النظام السوري وعلاقات قواته مع المليشيات المحسوبة على إيران، توتراً أو انسجاماً، ذلك أن النظام نفسه والمجموعات المسلحة النظامية وغير النظامية التابعة له، مقسومة في الولاء بين روسيا وإيران.
من جهته، علّق ممثل قاعدة حميميم الروسية، ألكسندر إيفانوف، بحسب صفحة "القناة الرسمية لقاعدة حميميم العسكرية" على موقع "فيسبوك"، قائلاً إن "القوات البرية المتواجدة في مدينة درعا تنقصها خبرة التنسيق في ما بينها، وهو السبب الرئيسي الذي يسمح للتنظيمات الإرهابية بالتقدّم على حساب القوات الحكومية، حيث تتواجد ثلاث فرق قتالية باختصاصات المشاة والمدفعية والصواريخ وفرقة قوات خاصة إنزال جوي، ذلك السبب بالإضافة إلى عدم تواجد آليات ومدرعات نوعية خاصة في معارك المدن بين أيدي عناصر تلك القوات". وأضاف: "تبقى القوى العسكرية السورية والحكومة السورية هي صاحبة القرار في التعامل مع أي وضع ميداني على جبهات القتال، ويتعرض العسكريون المقصرون لمحاسبة من قبلهم حصراً ولا تتخذ قرارات كهذه من القوى الحليفة التي تعمل على الأرض؛ ويفترض بالقوى المتحالفة لمحاربة الإرهاب في سورية الالتزام بالقرارات الحكومية للحصول على شرعية في العمل على أراضيها، وعلى القوى العسكرية الالتزام بالقيادة العسكرية السورية باعتبارها ممثلة للشرعية النابعة من نظام الحكم المنتخب في البلاد".
وأفادت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، بأن "الصراع بدأ بين مكوّنات النظام مع بدء التدخّل الروسي العسكري في سورية بشكل مباشر، نهاية شهر سبتمبر/أيلول من عام 2015، ومع توسع عمليات موسكو تباعاً بدأت تخلق لنفسها أذرعاً سياسية وعسكرية، تمظهرت بشكل جلي في التحضيرات لجولة مفاوضات جنيف 3 بداية عام 2016، إذ تم سحب الملف من مكتب الأمن الوطني الذي يترأسه اللواء علي مملوك وإدارة أمن الدولة وجزء من قوات الحرس الجمهوري، المحسوبين على الايرانيين، وإيلائه لشعبة المخابرات العسكرية المعروفة بالأمن العسكري، وبرزت العديد من الصدامات بين الطرفين آخرها كان في درعا والسويداء".
ولفتت إلى أن رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد وفيق ناصر على سبيل المثال "يعمل هذه الأيام على تنفيذ مشروع الروس، الخاص بخلق إدارات ذاتية للمناطق السورية، والتي قدّمتها موسكو للفصائل المسلحة في أستانة، في المنطقة الجنوبية من سورية، تكون موالية للروس". وأضافت أنه ضمن هذا السياق طرح ناصر ضمن لقاء موسع وبحضور الأمين القطري المساعد لحزب "البعث العربي الاشتراكي" في السويداء، مشروع تشكيل هيئة اجتماعية للمحافظة، يكون لها مهام وصلاحيات سلطوية، وتقيم علاقات مع لجان مماثلة سبق أن أنشأها ناصر في درعا.
بالتزامن مع هذه التحركات، أفاد مصدر من محافظة السويداء، لـ"العربي الجديد"، بأن "لقاء جرى في منزل أحد مشايخ البدو في مدينة السويداء، بحضور دبلوماسيين إيرانيين من السفارة الإيرانية، وعدد كبير من ضباط قوات النظام وقياديين في مليشيات موالية لإيران، خلال الشهر الحالي، تم خلاله مهاجمة الأمن العسكري ووفيق ناصر بشكل علني، متهمين الأخير بالخيانة، وداعين إلى التصدي له ووضع حد لمشاريعه المعادية". كما أفاد ناشطون تواصلت معهم "العربي الجديد"، أن "حزب الله اللبناني دفع بالوزير اللبناني السابق وئام وهاب لزيارة مشايخ العقل في السويداء وعدد من القيادات الاجتماعية، في محاولة لإبعادهم عن مشروع ناصر، وطرح تشكيل جيش دفاع عن المحافظة يمتلك سلاحاً ثقيلاً، للتصدي لأي تدخل خارجي من الحدود الأردنية، والمحافظة على ارتباطهم بالنظام ومحور المقاومة، ولكنه لم ينل القبول الذي كان يتوقعه".