وأضافت المصادر أنّ الدائرة الخاصة بالسيسي بقيادة مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، ما زالت تضغط لإقالة مدبولي، وتجري تحريات رقابية على وزراء وشخصيات أخرى لعرضهم على رئيس الجمهورية، بدعوى أنّ هناك من هم أكثر جدارة من مدبولي لإنجاح عملية التكامل بين الجيش والأجهزة السيادية والأمنية وبين الحكومة. كما تضغط الدائرة ذاتها لزعزعة استقرار مركز الفريق كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة سابقاً، ووزير النقل الحالي الذي تمّ تعيينه في مارس/آذار الماضي، لشعور أفراد دائرة السيسي بالتهديد الذي يمثله الوزير عليهم، نظراً لثقة السيسي الكبيرة فيه. والغريب أنّ هناك من يحاول استغلال مقاطع الفيديو الأخيرة التي نشرها محمد علي، للإساءة لكامل الوزير بين قيادات الجيش والاستخبارات، بحجة أنّ طريقة الأخير في إدارة المشاريع والمساحة الكبيرة التي حصل عليها من السيسي للتحرّك والتنفيذ من دون رقابة، هي التي تسببت في ظهور محمد علي وآخرين للخوض في تلك الملفات الحساسة.
وأوضحت المصادر أنّ اللواء شريف سيف الدين مدير الرقابة الإدارية، والمقرّب من عباس كامل ونجل السيسي ضابط الاستخبارات محمود، أعدّ تقارير حديثة خلال الصيف الحالي، تفيد بوجود مخالفات في مكاتب بعض الوزراء الذين كانت لهم علاقات شخصية بمدير الرقابة الإدارية السابق محمد عرفان، وكذلك بعض مساعديهم من المدنيين وضباط الاستخبارات والجيش السابقين، وتم إبلاغ دائرة السيسي بتلك التقارير لتحديد مدى صلاحية استمرار هؤلاء المسؤولين ومساعديهم في مناصبهم.
كما أنّ هناك مشاكل حالياً بين بعض الوزراء أنفسهم، وربما تنتهي بإطاحة السيسي ودائرته للأطراف الأضعف التي لا تستطيع تنفيذ التعليمات بحرفية وبالسرعة الكافية. وأشارت المصادر إلى وجود خلافات بين وزير المالية محمد معيط من جهة، ووزراء العدل حسام عبد الرحيم، وقطاع الأعمال العام هشام توفيق، والتخطيط هالة السعيد، والتعليم العالي طارق شوقي من جهة أخرى؛ بسبب سوء إدارة ملف الاستقطاعات الخاصة بضريبة الدخل من العاملين بالحكومة بشكل عام والقضاة وقيادات الشركات الحكومية الكبرى والأكاديميين. واكتشف السيسي بعد مرور أكثر من عام على تطبيق ضريبة الدخل بشرائحها الجديدة، أنه لا يتم استقطاعها بالنسب الصحيحة، وأعطى مهلة لمعيط مدتها 3 أشهر فقط لإعادة استقطاع الضرائب من جميع الشرائح داخل الحكومة بنسب سليمة وبأثر رجعي، مما أثار ارتباكاً واسعاً في أوساط القضاة تحديداً، وكذلك باقي فئات العاملين، خصوصاً المتحصلين على رواتب كبيرة مستفيدين من البدلات الثابتة والأجور المتغيرة، وفق المصادر.
وفي مايو/أيار الماضي، تسببت معلومات تمّ تداولها على نطاق واسع في الأوساط الحكومية بمصر عن قرب إجراء تعديل وزاري، في شلل وظيفي ببعض الوزارات، حيث غاب بعض الوزراء عن مكاتبهم، وآثر البعض الآخر وقف إصدار البيانات الصحافية بأنشطته اليومية. كذلك، ألغى بعض الوزراء ممن تحوم حولهم شبهات الإطاحة نتيجة غضب السيسي المتصاعد من سوء أداء فريق منهم والتصريحات "غير المقبولة" من آخرين، الفعاليات المقرّرة سلفاً. وتعدّ الاستخبارات والرقابة الإدارية منذ ذلك الحين تقارير أسبوعية عن أداء الوزراء وترفعها للرئاسة، فضلاً عن إعداد قوائم للمرشحين للوزارات في التعديلات المقبلة وجسّ نبض بعضهم مبكراً.
وعلى الرغم من عودة لقاءات السيسي مع بعض الوزراء الذين كانت تحوم الشبهات حول رحيلهم كوزير التعليم طارق شوقي، ووزيرة الصحة هالة زايد، إلا أنّ وسائل الإعلام المحلية التي تصدر تحت رقابة الاستخبارات العامة، ما زالت لا تنشر صور وأسماء العديد من الوزراء كقاعدة عامة، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على التجرؤ بالتصريح من دون استشارة دائرة السيسي مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أي قدر من الشعبية.
لكنّ المصادر تؤكّد أنّ العاصفة التي تسبّب فيها ظهور محمد علي قد تؤدي إلى تعديل أعمق من تغيير رئيس الحكومة وبعض الوزراء المدنيين. فعلى الرغم من أنه لا توجد معلومات مباشرة عن طبيعة العلاقة حالياً بين الرئاسة وقيادة الجيش بعد تداول ملفات حساسة كمشاريع الأخير على الملأ، مما أدى إلى استياء وتململ واسع في صفوف الضباط، خصوصاً البعيدين عن الإدارات المختصة بتلك المشاريع الاقتصادية، فقد ظهرت للمرة الأولى تكهنات في الأوساط القريبة من دائرة السيسي، بأنه قد يلجأ للإطاحة بوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي نفسه، لتأكيد بسط نفوذه على الجيش وعدم مزاحمته من قبل أي شخص.
وأثيرت هذه التكهنات في تلك الأوساط خلال اليومين الماضيين، تارة في صورة بالون اختبار، وتارة أخرى في صورة أسئلة لشخصيات إعلامية وحكومية نافذة على سبيل استطلاع الرأي واستقاء المشورة. وجاءت أغلبية الآراء الصادرة من المقربين للنظام بضرورة عدم استفزاز الجيش حالياً بإجراءات قاسية، أو إقالة لوزير الدفاع أو تعديل في تشكيل المجلس العسكري، باعتبار أنّ أي تحرّك من هذا النوع سيعطي رسالة للرأي العام المحلي والدول العربية والغربية المهتمة بمصر، بأنّ السيسي غير مسيطر بشكل محكم على مفاصل الدولة، أو بأنّ بعض القيادات كانت تدعم تحركات محمد علي أو أي شخصيات معارضة أخرى قد تظهر في الأيام المقبلة.
وكان السيسي قد عيّن الفريق محمد زكي قائد الحرس الجمهوري، وزيراً للدفاع في يونيو/حزيران الماضي خلفاً للفريق أول صدقي صبحي، لتأكيد سيطرته وعدم السماح لأي عقبات دستورية أو سياسية بتقييد اختياراته. فالدستور قبل تعديله الأخير كان يشترط لتغيير وزير الدفاع موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى عام 2022، وكان هذا النص في الأصل موضوعاً تحسباً لعدم إقدام السيسي على الترشّح للرئاسة والاستمرار في التحكّم في مقاليد الدولة من مقعد وزير الدفاع، لكن السيسي حصل على موافقة المجلس الأعلى بسهولة على تغيير صبحي بعدما أصبح مسيطراً بالكامل عليه من خلال تعيين جميع أعضائه الحاليين في عهده.
وعرف المصريون زكي بسبب دوره المساند للسيسي في الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي منتصف عام 2013، فهو الذي كان مسؤولاً عن احتجاز الأخير ومساعديه في الفترة بين 30 يونيو و3 يوليو/تموز ثمّ ترحيلهم للسجن. كما أنه أدلى بشهادة سلبية أمام المحكمة عن مرسي ومساعديه الرئاسيين، لعبت دوراً في إدانتهم بالاستيلاء على وثائق سرية. وقبل ذلك كله، لعب دوراً سلبياً في حماية مؤسسة الرئاسة خلال أحداث الاتحادية في ديسمبر/كانون الأول عام 2012 والتظاهرات ضدّ مرسي، وكان معروفاً بالتنسيق مع وزير الداخلية آنذاك أحمد جمال الدين.
وخلال مؤتمر الشباب الأخير، ظهر محمد زكي بوجه عبوس طوال فترة حديث السيسي عن الجيش، ثمّ عاد للتفاعل مع ما يقول في الجلسة الأخيرة من المؤتمر بعنوان "اسأل الرئيس". وزكي شخصية معروفة بقلة الحديث وندرة العلاقات الإنسانية حتى في إطار العمل، وكان منذ عام 2011 من المحسوبين على جناح المشير حسين طنطاوي داخل الجيش، وكان آنذاك قائداً لوحدات المظلات.
وكان تعيين زكي جزءاً من آخر تعديل حكومي واسع أجراه السيسي في يونيو عام 2018، والذي صعد بمدبولي رئيساً للحكومة وأتى بوزراء جدد للداخلية والمالية والصحة والبيئة والتنمية المحلية وقطاع الأعمال والاتصالات والصناعة والطيران والشباب. وفي فبراير/شباط الماضي، تمّ تعيين وزير جديد للإسكان بدلاً من مدبولي الذي كان محتفظاً بهذه الحقيبة طوال ثمانية أشهر. وفي مارس الماضي، تمّ تعيين الفريق كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للجيش وزيراً للنقل خلفاً لهشام عرفات الذي استقال عقب حادث تصادم وانفجار قطار بمحطة رمسيس وسط القاهرة في فبراير الماضي، والذي راح ضحيته أكثر من 20 مواطناً.