ريشار فيران أول شوكة في قدم ماكرون...فهل تؤثر في الانتخابات التشريعية الفرنسية؟

02 يونيو 2017
وصف فيران الاتهامات بالمحسوبية والأكاذيب (كريستوف أرشامبو/فرانس برس)
+ الخط -

على بُعد أقل من أسبوعين عن موعد الدورة الأولى للانتخابات التشريعية في فرنسا، وبينما تستعد الحكومة الجديدة لإصدار مشروع قانون حول التزام الأخلاق في الحياة السياسية الفرنسية، يواجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكبر عقبة في طريقه منذ فوزه بالرئاسيات، في السابع من مايو/أيار الماضي. وتتعلق العقبة، وهي من العيار الثقيل، بفتح تحقيق قضائي أمس بشأن شبهات تحوم حول وزير "الوئام الإقليمي"، ريشار فيران، في قضية عقارية، وهي القضية التي فجرتها، أول من أمس، أسبوعية "لو كانار أونشينيه" الساخرة، حين كشفت أن زوجة فيران منحت امتيازات من جانب شركة تأمين، حين كان الأخير مديرها العام بين 1998 و2012. وأيضاً توظيف فيران ابنه لبضعة أشهر كمساعد برلماني، وهي القضية التي خصصت لها صحيفة "لوموند"، الإثنين الماضي، تحقيقاً زاد من حدة الشبهات حول النائب الاشتراكي السابق، ومنح القضاء معطيات إضافية لفتح التحقيق.

هذه القضية، التي تشبه فصولها كثيراً قضية المرشح اليميني السابق للرئاسيات، فرانسوا فيون، الذي اتهم بتوظيف زوجته وأبنائه، بدأت تتضخم وتلقي بظلالها على المشهد السياسي، مع تناسل الانتقادات من طرف الأحزاب السياسية، ومطالبة عدد من القيادات، يساراً ويميناً، فيران بالاستقالة. غير أن ماكرون بدا عازماً على عدم التضحية بوزيره الوفي، الذي كان من أوائل الشخصيات السياسية التي غادرت مركب الحزب الاشتراكي للالتحاق به حين أسس حركته "الجمهورية إلى الأمام". كما أنه أدى أدواراً طلائعية في حملة ماكرون الانتخابية، وكان من ضمن أعضاء المربع الضيق الذي هندس فوزه بالرئاسة. ودعا ماكرون، خلال جلسة مجلس الوزراء الأربعاء، الحكومة إلى "التضامن" على وقع الشبهات بالمحسوبية التي تحوم حول فيران، وتصاعد الهجوم عليه وعلى الحكومة من جميع الجهات. وكان فيران تلقى، الثلاثاء الماضي، أيضاً دعم رئيس الوزراء، إدوار فيليب، الذي أشار رغم ذلك إلى "استياء الفرنسيين" من ممارسات مماثلة، مذكراً بوجوب استقالة أي وزير يوجه إليه اتهام. وشدد على أن القضاء الفرنسي لم يوجه الاتهام إلى فيران، حتى الآن، بعد الشبهات التي أوردتها الصحافة بخصوص "محسوبيته". وهو ما جعل هذا الأخير يرفض الاستقالة رغم هجمات المعارضة المتكررة، مؤكداً، لوسائل الإعلام، أن "كل ما قمت به في حياتي المهنية قانوني وعلني وشفاف". ووصف الاتهامات بالمحسوبية بأنها مجرد "أكاذيب من أجل تشويه سمعته وإضعاف الحكومة والرئيس".


وبالإضافة إلى فيران هناك أيضاً وزيرة الشؤون الأوروبية، ماريال دو سارنيز، التي تخضع حالياً لتحقيق قضائي بشأن شبهات حول وظيفة وهمية لمساعدتها في البرلمان الأوروبي واستغلال النفوذ. وهو التحقيق الذي تم فتحه إثر شهادة انتقامية أدلت بها النائبة عن حزب الجبهة الوطنية في البرلمان الأوروبي، سوفي مونتيل. وتثير هذه القضية إحراجاً كبيراً في الحكومة، كون سارنيز شخصية قيادية هامة في حزب "الموديم" الوسطي اليميني، الذي يتزعمه وزير العدل في الحكومة الجديدة، فرانسوا بايرو، وهو المكلف صياغةَ مشروع القانون حول التزام الأخلاق في الحياة السياسية الفرنسية. والواقع أن توقيت هاتين القضيتين سيئ جداً بالنسبة إلى ماكرون قبيل الانتخابات التشريعية، التي تجري في 11 و18 يونيو/حزيران، والتي تكتسي أهمية رئيسية بالنسبة له، وهو الذي يسعى بقوة إلى انتزاع غالبية رئاسية في مجلس النواب لتنفيذ برنامجه الإصلاحي، وخوض ولاية رئاسية من دون عراقيل برلمانية تسمم طموحاته. ولا شك أن المرشحين، الذين يدافعون عن "الغالبية الرئاسية"، سيجدون صعوبة كبيرة في تفادي تداعيات هاتين القضيتين خلال الحملة الانتخابية الجارية، خصوصاً وأن الخصوم، يساراً ويميناً، يستعملونها بقوة باعتبارها "كعب أخيل" الحكومة الجديدة.

ويرى مراقبون أن ماكرون يجد نفسه الآن أمام أزمة داخلية ذات عواقب وخيمة على مسار التشريعيات. وهو إما سيضطر إلى التخلي عن فيران وسارنيز، وهذا يعني إضعاف حكومته الوليدة، المبنية على تحالف هش وغير مسبوق بين يسار اليمين ويمين اليسار والوسطيين، وإما يبقي عليهما لإظهار التضامن والتماسك في معسكر الغالبية الرئاسية، مع قبول مخاطر هكذا قرار على شعبيته وسمعته، وهو الذي يرفع شعار النزاهة السياسية والقطيعة مع الممارسات الوصولية للنخبة السياسية. ولا يزال الفرنسيون يتذكرون كيف أن ماكرون بنى سمعته كرجل سياسي نظيف، مقابل منافسيه فرانسوا فيون ومارين لوبان، اللذين كانا يعانيان من مشاكل مع القضاء بسبب تهم باستغلال النفوذ ووظائف وهمية للمقربين. كما أن ماكرون حث مرشحي حركته "الجمهورية إلى الأمام" على رفع شعار النزاهة والاستقامة لجذب الناخبين الذين يرغبون في نخبة سياسية نظيفة. وتطرح قضية فيران أيضاً تحدياً سياسياً شائكاً لماكرون. لأن من يدعو للنزاهة والفضيلة عليه أن يكون نموذجاً لها، ويتفادى أي شك أو شبهة، وهذا هو الدرس الذي تعلمه فيون في معركة الرئاسيات. وحسب محللين سياسيين فرنسيين فإن فيران قد لا يكون مخطئاً على المستوى القانوني، وقد يبرئه التحقيق القضائي من الشبهات التي تحوم حوله، غير أنه مخطئ سياسياً بالنظر إلى السياق السياسي الفرنسي الجديد، بعد فوز ماكرون بالرئاسة. وهو سياق يعكس ريبة كبيرة من طرف الفرنسيين اتجاه النخبة السياسية، ومطالبة ملحة بالاستقامة وعدم استغلال السياسة لتحقيق مآرب شخصية. وهذا ما عكسه استطلاع للرأي، أنجزته مؤسسة "هاريس" لصالح إذاعة "إر إم سي" وموقع "أتلانتيكو"، والذي أظهر أن 73 في المائة من الفرنسيين، أي سبعة من بين عشرة فرنسيين، يعتبرون التهم الموجهة إلى فيران خطيرة، وأن عليه تقديم استقالته. واعتبر 62 في المائة من المستجوبين أن على سارنيز الاستقالة. وأظهر الاستطلاع أن 67 في المائة من المستجوَبين يعتبرون أن حكومة ماكرون تريد تخليق الحياة السياسية وفرض مبدأ النزاهة، في حين يرى 43 في المائة أن الحكومة لن تنجح في ذلك.