قرار مجلس الأمن والجنرال كاميرت: جدية نادرة حول اليمن

23 ديسمبر 2018
يترأس كاميرت لجنة إعادة الانتشار في الحديدة (فرانس برس)
+ الخط -
دشّن قرار مجلس الأمن الدولي 2451 الصادر يوم الجمعة بشأن اليمن، قاعدة جديدة للعملية السياسية وجهود السلام في البلاد، للمرة الأولى منذ صدور القرار 2216 (2015). غير أن الاختلاف هذه المرة محوري، إذ يفرض القرار الجديد الإرادة الدولية الرامية لاستئناف مشاورات السلام ووقف الحملة العسكرية في الحديدة، على حساب الغطاء الذي كان يوفّره القرار السابق للتحالف السعودي الإماراتي، ما يجعل البلاد أمام فصل جديد مختلف المعالم، سواء باستمرار الحرب في أجزاء منها، أو كتمهيد للوصول إلى اتفاق سلام.

وقد وضعت الأمم المتحدة، أمس السبت، اللبنة الأولى لتثبيت وقف إطلاق النار في الحديدة غربي اليمن، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير الذي تمّت المصادقة عليه أول من أمس بالإجماع، والذي أجاز للأمم المتحدة أن تعدّ وتنشر، لفترة أولية تمتد 30 يوماً اعتباراً من تاريخ تبني القرار، بعثة مراقبين مدنيين في اليمن بهدف تأمين العمل في ميناء الحديدة الاستراتيجي والإشراف على خروج المقاتلين من هذه المدينة، وذلك بقيادة الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت. وقد وصل كاميرت إلى عدن أمس في أول زيارة له إلى اليمن، وذلك لتدشين عمل الفريق الأممي المعني بالإشراف على ترتيبات تنفيذ اتفاق استوكهولم المبرم بين الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في الـ13 من الشهر الحالي.

وكان في استقبال كاميرت والوفد الأممي، صغير بن عزيز، الذي يقود فريق الحكومة في اللجنة المشتركة مع الحوثيين، والمكلفة تنظيم انسحاب القوات من الحديدة التي ساد فيها الهدوء أمس السبت. وأفادت مصادر قريبة من الحكومة في عدن لـ"العربي الجديد" بأن كاميرت اجتمع مع مسؤولين في القصر الرئاسي (المقر المؤقت للحكومة)، بما في ذلك أعضاء في لجنة إعادة الانتشار التي يترأسها، من الممثلين عن الحكومة ومحافظ الحديدة المعيّن من الشرعية، الحسن طاهر، وذلك قبل توجهه إلى العاصمة صنعاء التي تشملها زيارته، ومن ثمّ مدينة الحديدة، التي سيدشن فيها مهمته. ويترأس كاميرت لجنة إعادة الانتشار في الحديدة والمؤلفة من ستة أعضاء، ثلاثة منهم عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين، علماً بأنه كان اجتمع مع الأعضاء من الطرفين كل على حدة، يوم الأربعاء الماضي، عبر شاشة تلفزيونية، إذ كان في نيويورك.

وخلال الـ48 ساعة الماضية، وللمرة الأولى تقريباً، أظهرت كل من الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" ترحيباً بالقرار الدولي الجديد، على الرغم من التحفظات الضمنية في ترحيب الحكومة، والتي تؤكد على أن مقتضيات اتفاق الحديدة يجب أن تؤدي إلى انسحاب الحوثيين من المدينة وموانئها، فيما أكّد الأخيرون أيضاً وجود تحفّظات وملاحظات، إلا أنهم اعتبروا القرار خطوة إيجابية في طريق وقف الحرب، وفقاً لتصريح المتحدث باسم الجماعة ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام.

وفضلاً عن ترحيب طرفي النزاع اليمني، الحوثيين والشرعية، لقي قرار مجلس الأمن ترحيباً خليجياً، إذ رحّبت به السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت، فضلاً عن ترحيب فرنسا والصين ودول أخرى. وقالت السعودية، وفق بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية، يوم الجمعة، إنّ "القرار يدعم المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن (مارتن غريفيث) لتنفيذ ما جاء في اتفاق استوكهولم ويدعم خطة السلام في اليمن، ويمنح الأمم المتحدة تفويضاً بالوجود على الأرض كمراقب، ما يفقد الحوثيين الخروقات المتكررة سابقًا"، فيما قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، عبر حسابه على تويتر، يوم الجمعة، إن بلاده تدعم القرار بقوة، وتعرب عن امتنانها لعمل "بريطانيا وأميركا والكويت وأعضاء المجلس الآخرين الذين ساعدوا في اعتماده بالإجماع".

كما أعربت الخارجية الكويتية عن ترحيب بلادها بالقرار، قائلة في بيان يوم الجمعة إن "الإجماع الذي حظي به القرار في مجلس الأمن يعكس بشكل واضح تأييد المجتمع الدولي للوصول إلى حل سلمي ينهي الأزمة القائمة في اليمن"، في حين قالت وزارة الخارجية القطرية، في بيان أمس السبت، إنّ من شأن هذا القرار في حال التزام الأطراف كافة به تخفيف وطأة المأساة الإنسانية غير المسبوقة التي يعاني منها الشعب اليمني.

وفي السياق، ذهب أغلب التحليلات والتعليقات السياسية اليمنية التي رصدتها "العربي الجديد"، عقب صدور القرار، إلى أنه يمثّل تحولاً محورياً يصبّ في الأساس في صالح تحويل اتفاق استوكهولم، ولا سيما في ما يتعلّق بالحديدة، إلى قرار دولي ملزم للطرفين. وبالتالي، فإنّ أبرز ما جاء في القرار هو وقف العملية العسكرية للقوات الحكومية و"التحالف العربي" بقرار دولي، على الرغم من أنّ هذا التوقّف كان قد أقرّ بالفعل في اتفاق السويد، لكن كان هناك كثير من الرهانات حول أن فرص صمود هذا الاتفاق ضعيفة، بالنظر إلى جملة من المعطيات الميدانية والسياسية.

وحاز اتفاق الحديدة والانسحاب من موانئ المدينة؛ الحديدة (الميناء الأكبر) والصليف (ميناء مخصص للسفن الكبيرة)، ورأس عيسى (الميناء النفطي في المدينة)، على النصيب الأكبر في بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2451. إذ أقرّ الاتفاق ودعا الأطراف إلى تنفيذه وفقًا للجداول الزمنية المحددة فيه، وإلى الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار الذي بدأ في الـ18 من ديسمبر/كانون الأول الحالي، والانسحاب المتبادل للقوات من مدينة وموانئ الحديدة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة، خلال 21 يوماً من سريان مفعول وقف إطلاق النار، فضلاً عن الالتزام بعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية إلى المدينة، وإزالة المظاهر العسكرية من مركز المحافظة.

وإذا كانت الحديدة، منذ ما يقرب من عامين، النقطة المحورية للعمليات العسكرية، ومعها الجهود الدبلوماسية والضغوط الدولية المرتبطة بوقف التصعيد، فإنّ صدور القرار يمثّل في الأساس الإرادة الدولية للقوى الكبرى الفاعلة في الصراع، وأبرزها بريطانيا والولايات المتحدة، لتثبت هذه الإرادة حضورها على حساب مختلف المعنيين. وقد أصبح على جميع الأطراف أن تصغي إلى ما سيقرره المبعوث الدولي مارتن غريفيث والجنرال الهولندي باتريك كاميرت.

وإلى جانب تقرير مصير الحديدة، يعدّ نسخ مضامين القرار الدولي السابق 2216، أبرز نتيجة عملية أفضى إليها القرار الجديد. فعلى الرغم من أنّ القرار قد نصّ في مقدمته على اعتماد المرجعيات الأساسية في التسوية، بما فيها المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الدولي 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من المدن ومنح غطاء بطريقة أو بأخرى لعمليات التحالف السعودي الإماراتي، إلا أنّ الواقع يتمثّل بكون الخطوات المحددة في اتفاق استوكهولم هي ما طالب به القرار الجديد.

الجدير بالذكر أنّ الطرفين (الحكومة اليمنية والحوثيين) لا يزالان يقدمان تفسيراً مختلفاً لمقتضيات اتفاق استوكهولم، إذ تطالب الحكومة بانسحاب الحوثيين من المدينة والموانئ وتسليمها للقوات الحكومية والسلطات المحلية، وهو ما شدد عليه بيان الترحيب الحكومي بالقرار الدولي، فيما يقول الحوثيون إنّ من يجب أن ينسحب من الحديدة، بناءً على الاتفاق، هم خصومهم من القوات الحكومية المدعومة من "التحالف". وبين ما يردده الطرفان، بات هناك قرار دولي معني بتفسيره الطرف الأممي الوسيط الذي ستكون له الكلمة الأولى في الحديدة.

المساهمون