أمراء حرب الأسد تجار مهمات قذرة: أحمد الدرويش نموذجاً

09 فبراير 2019
لا تكاد تخلو منطقة للنظام من مليشيا تنهب(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكتف نظام بشار الأسد بالمليشيات القادمة من خارج الحدود لوأد الثورة السورية، بل صنع مليشيات محلية، يقودها أشخاص وجدوا في الحرب فرصة للتكسّب وتكديس الأموال، وتحولوا مع مرور السنوات إلى "أمراء حرب" يقتلون من أجل المال، ويتاجرون بكل شيء، بل يدفعون باتجاه عدم إيقاف الحرب، فهي السبب الوحيد لبقائهم أحياء.

وتعد مليشيا عضو مجلس الشعب (البرلمان) التابع للنظام السوري، أحمد مبارك الدرويش، في قرية أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، من المليشيات المحلية التي شكلها النظام بعد أشهر من انطلاق الثورة، والتي تعتبر مثالاً للحال التي وصلت اليها البلاد من تحكّم أمراء الحرب بكل تفاصيل الحياة السورية في مناطق النظام. ويؤكد ناشطون من ريف إدلب الجنوبي أن هذه المليشيا هي التي تقوم بين وقت وآخر بقصف مناطق في محافظة إدلب ما يؤدي إلى مقتل مدنيين، كما حدث منذ أيام في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، إذ قتل 10 مدنيين بقصف من قرية أبو دالي. وانحاز الدرويش (60 سنة)، إلى جانب النظام مع انطلاق الثورة السورية، فكافأه النظام بإنشاء مليشيا من أبناء القرية، التي يبلغ عدد سكانها نحو 10 آلاف نسمة، والتي ساعدت قوات النظام في معارك ريف حماة ضد المعارضة.

"هذا الشخص لم يدع خلال سنوات الثورة مجالاً قذراً إلا خاض فيه"، يقول أحد أبناء قبيلة موالي بني عز، التي ينتمي إليها الدرويش، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الدرويش عضو في مجلس الشعب التابع للنظام لأكثر من دورتين متتاليتين، وهو من المقربين من النظام قبل الثورة وخلالها. ويوضح أنه "مع تحول الثورة إلى الشق العسكري، أسس مجموعات من أقاربه وأبناء عشيرته، ومن بعض أبناء العشائر وأبناء القرى المحيطة بقرية أبو دالي، وقدم لهم الدعم المادي الذي منحه إياه النظام لتطويق الثورة في ريفي إدلب وحماة". ويشير إلى أن الدرويش "لعب على كل الحبال. إنه مثال لأمراء الحرب الذين حولوا الصراع إلى سبب تربّح لا محدود"، مضيفاً "عمل كثيراً في التهريب من خلال فتحه معبراً بين مناطق النظام والمعارضة في أبو دالي، تدخل منه قوافل البضائع والمحروقات والدخان والسلاح من الطرفين". ويتابع: "عمل الدرويش في مجال تهريب البشر، إذ ساعد كثيرين على مغادرة مناطق النظام إلى مناطق المعارضة، من مدنيين وعسكر منشقين، من ضمنهم ضباط من قوات النظام، لقاء مبالغ مالية مرتفعة".

وتؤكد مصادر محلية مطلعة أن الدرويش "تعاون أيضاً مع فصائل تابعة للمعارضة السورية في مجال تهريب السلاح والذخيرة والبضائع"، مضيفة أن "حركة أحرار الشام الإسلامية منحته حماية في المنطقة نتيجة تعاونه معها في التهريب عندما كانت تفرض سيطرتها على المنطقة قبل مجيء هيئة تحرير الشام (التي تمثل جبهة النصرة عمودها الفقري)، إذ كان يدعي الحياد بين الثورة والنظام ليكسب الأموال من الطرفين". وتضيف "سيطرت هيئة تحرير الشام أواخر العام 2017 على قرية أبو دالي لتلوي ذراع الدرويش بسبب عدم اتفاقها معه بما يخص المعبر الذي ظل لفترة طويلة من أهم المعابر التجارية بين شمال غربي سورية ووسطها". وتؤكد المصادر أنه "لم يبق للدرويش الآن الوزن الكبير الذي كان له في الأعوام السابقة"، موضحة أن الروس حجّموا مليشيا أحمد الدرويش إلى حد بعيد، ولم يبق لديه في الوقت الراهن سوى عدد من المسلحين من أقاربه يتلقون رواتب منه".

ويرى مصدر من عشيرة موالي بني عز، رفض الكشف عن اسمه، أن "مهمة الدرويش القذرة على وشك الانتهاء"، مرجحاً أن "يلجأ النظام للتخلص منه". ويعتبر أن "الدرويش أُعطي أكبر من حجمه"، مؤكداً أن "عشيرته لا تعتبره أحد مشايخها، فهو مجرد شخص تاجر بكل شيء من أجل تكوين ثروة طائلة، ونتوقع أن يتخلص النظام منه كما تخلص من آخرين استفادوا من ظروف الحرب ولم يعد النظام بحاجة إليهم". ويستبعد المصدر أن "تكون لدى الدرويش أسلحة متوسطة أو ثقيلة تمكنه من قصف مناطق في محافظة إدلب"، مرجحاً أن "تكون قوات تابعة للنظام في محيط أبو دالي هي التي تقصف تلك المناطق". وحاول الدرويش أن تكون قريته أبو دالي شرياناً اقتصادياً لمناطق المعارضة والنظام معاً طيلة سنوات الحرب، بل إن القرية استضافت اجتماعات بين الجانب الروسي و"هيئة تحرير الشام" أواخر العام 2017، وفق مصادر في المعارضة السورية أكدت أن ضباطاً في النظام السوري كانوا مستفيدين من تحويل القرية إلى معبر تجاري يدر آلاف الدولارات عليهم يومياً. ويعد الدرويش، الذي تعرض لمحاولة اغتيال في 2017، من الشخصيات المقربة من سهيل الحسن، الرجل القوي في قوات النظام والمرتبط مع الجيش الروسي، إذ تؤكد مصادر محلية أن الدرويش يعتبر مجرد واجهة للحسن وجابٍ للأموال لحسابه.

وساهم النظام، طيلة سنوات الثورة السورية، بتأسيس مليشيات محلية يقودها من تصفهم مصادر في المعارضة السورية بـ"شذّاذ الآفاق الذين يتاجرون بكل شيء"، وكانت لها أدوار تُوصف بـ"القذرة" منذ العام 2011، حيث قتلت وهجّرت ونهبت بعدما أطلق النظام يدها بشكل كامل. ولا تكاد تخلو منطقة يسيطر النظام عليها من مليشيا تقتل وتنهب تحت شعارات طائفية أو مناطقية، إذ ترتبط معظمها بالإيرانيين الذين يمدونها بالمال والسلاح. ومن هذه المليشيات المحلية "الباقر" التي تأسست في العام 2014، والتي تتلقى دعماً من الحرس الثوري الإيراني، وتضم مسلحين من قبيلتي البقارة والعساسنة، اللتين تقطنان في مدينة حلب. كما شكل النظام مليشيات على أساس عشائري وقبلي في العديد من المناطق، خصوصاً في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، التي تضم كبريات العشائر العربية وأكثرها عدداً. ففي الحسكة أسس مليشيا "الصناديد"، بقيادة الشيخ القبلي حميدي الدهام الجربا، وتضم مسلحين ينتمون إلى قبيلة شمّر، والتي تحالفت بعد ذلك مع "وحدات حماية الشعب" الكردية ضمن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مقابل نسبة من إنتاج آبار النفط التي تسيطر "قسد" عليها. كما أسس النظام مليشيا "مقاتلي العشائر" في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، بقيادة تركي البوحمد، الذي يزعم أن هذه المليشيا تضم آلاف الشبان من أبناء المنطقة. وتؤكد مصادر محلية أن هذه المليشيا هي المتحكم الفعلي بجانب كبير من ريف الرقة الخارج عن سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، وأن البوحمد يمارس انتهاكات كبيرة بحق المدنيين الذين اختاروا البقاء في مناطقهم، مشيرة إلى أن "الانتهاكات وصلت إلى حدود القتل والاغتصاب والسيطرة على ممتلكات المهجرين من المنطقة".

المساهمون