وخرج التونسيون بأعداد كبيرة للشوارع بكل مدن البلاد، في مشهد أعاد إلى الأذهان صور الأيام الأولى من الثورة التونسية.
وحمل المرشح الفائز قيس سعيد شعار "الشعب يريد"، وهو شعار الثورة التونسية، مؤكدا إثر إعلان فوزه أن الشعب يعرف ما يريد وسيتحصل على ما يريد، وقد قام بثورة ثانية ولكن بأدوات مغايرة تتم في إطار الشرعية والدستور.
وتعهد سعيد بالحفاظ على الأمانة التي حملها إياه التونسيون وبالالتزام بوعوده، موجهاً في الوقت ذاته رسائل طمأنة للداخل والخارج لجهة أنه سيحافظ على الدستور وعلى حقوق المرأة والحريات وخصوصا حرية الإعلام، وأن الدولة التونسية ستحافظ على التزاماتها الخارجية مع الجميع في إطار استمرارية الدولة التي لا تغير اتفاقاتها بتغير الأشخاص.
وتواصلت احتفالات التونسيين حتى ساعة متأخرة من الليل، وخرجت العائلات للشوارع الرئيسية في المدن، وكان الجميع يردد أن التونسيين اختاروا هذه المرة وفرضوا رأيهم على الجميع واستعادوا زمام المبادرة وزخم ثورتهم.
وشهد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية توافد آلاف التونسيين ممن رفعوا الراية الوطنية ورقصوا وغنوا، حيث كانت الفرحة عارمة ورفعت خلالها شعارات الثورة التونسية وتعالت الهتافات، مؤكدين أن الثورة التونسية انتصرت وأن إرادة الشعب تحققت.
وأكدت لطيفة التي قدمت من المرسى أنها ستبقى في شارع بورقيبة للاحتفال بفوز سعيد، مبينة أن تونس هي التي انتصرت اليوم ولأول مرة يشعر الشعب التونسي أنه هو الذي ينتخب ويختار مرشحه لقصر قرطاج.
وبينت سلمى أن الصندوق قال كلمته واليوم هو انتصار للشعب التونسي، مضيفة أن الفرحة بانتصار سعيد هي فرحة بانتصار شخص يمثل الشعب.
وأكد علي السعيداني أن تونس انتخبت رئيسا دون تدخلات خارجية، رئيسا يمثل التونسيين فالشعب هو الذي اختار وهو ما يفسر هذه السعادة التي تذكر الجميع بأيام الثورة.
وقال إن أغلب التونسيين نزلوا إلى الشارع حبا في قيس سعيد وسيظل الشعب وراءه ويسانده، على أمل أن يحقق ما يطمح إليه التونسيون.
وبين فوزي أن الفرحة عارمة وأنه قدم خصيصا للاحتفال وأن الأمل عاد للتونسيبن، فقد انتخب سعيد على أساس الكفاءة والنزاهة، مشيرا إلى أن شارع الثورة يعود ويتنفس اليوم حرية.
وتناولت وسائل الإعلام التونسية الحدث بأدق تفاصيله، وتوالى المحللون وعلماء الاجتماع لمحاولة تفسير هذا الحدث الفارق في تاريخ البلاد، وهو الحدث الذي اعتبره سعيد فصلا جديدا في الثورة التونسية ودرسا للجميع.
وتؤكد الأرقام الأولية فوز سعيد بنتيجة كاسحة، وهو ما يشير إلى أن حدثا كبيرا شهدته تونس وينتظر أن تؤكده هيئة الانتخابات المستقلة اليوم، فكانت نسبة المشاركة في الاقتراع عالية ووصلت إلى حوالي 60 في المائة.
وتمكن الرئيس التونسي الجديد من حصد مجموع أصوات يفوق ثلاثة ملايين صوت، وهو أكثر مما تمكنت كل الأحزاب مجتمعة من تحصيله في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتحصل على عدد أصوات يفوق ما حققه السبسي والمرزوقي مجتمعين في انتخابات الرئاسة سنة 2014.
وتمكن سعيد من الفوز على منافسه نبيل القروي في كل المحافظات التونسية وأحرز في بعض دوائر الجنوب أكثر من 90 في المائة من الأصوات، وهو ما لم يتحقق لغيره في أي انتخابات سابقة، بالإضافة إلى أن حوالي ثلث الذين صوتوا له لم يشاركوا في الانتخابات التشريعية، وهو ما يؤكد أن هناك شيئا حرّك هذه الجموع ودعاها للتوجه إلى صناديق الاقتراع وكأنها كانت تحاول إنقاذ شيء أو تقصي وتستبعد شيئا آخر.
وبقطع النظر عن تأويلات هذا التصويت ومآلاته على مستقبل المشهد السياسي وعلى مستقبل الذين صوتوا لسعيد، فإن الثابت أن التونسيين قالوا كلمتهم أمس الأحد بالصوت العالي، مع ما يحمله ذلك من تحذيرات جدية للأحزاب السياسية والأنماط السائدة في إدارة الشأن العام، وأن هذا الشعب قد يصمت لفترة ولكنه عندما يريد فإنه يقلب الطاولة على الجميع.