أسرار لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية.. أسلحة أميركية بعقيدة إيرانية

30 ديسمبر 2019
تأسست "كتائب حزب الله"العراقية في 2007(أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
بُعيد أشهر قليلة من العدوان الإسرائيلي على لبنان في "حرب تموز"، عام 2006 وخلال حفل تأبيني لمقاتلي "حزب الله" اللبناني الذين سقطوا شهداء خلال المعارك مع الاحتلال، أقيم في بغداد، كان ثمة اجتماع مصغر بين موظفين في السفارة الإيرانية وشخصيات لبنانية وأخرى عراقية تتحدث عن ضرورة توسيع "محور المقاومة"، معتبرين أن استفراد مقتدى الصدر بالساحة العراقية، واستمرار جذبه آلاف المقاتلين المحليين إلى جانبه، مع مزاجه المتقلب وإصراره على محلية تلك القوة، يجب أن يقابله حراك لخلق فصائل مسلحة بفكر عقائدي عابر للحدود.

الفكرة لم تكن جديدة أو وليدة الاجتماع الذي لا يبدو أنه عقد بتنسيق مسبق، فهي بالأساس مشروع لفصيل أو تنظيم عراقي جديد ضمن وسائل الضغط الإيرانية على واشنطن في العراق وأيضا يمكنه الانتقال من العراق إلى سورية بسهولة والتجمع هناك، فالقوات الأميركية ما زالت تحكم سيطرتها آنذاك على العراق عسكريا بشكل واضح.
وفي مطلع عام 2007، تم تأسيس "كتائب حزب الله" العراقية، من خلال تشجيع المئات من عناصر "جيش المهدي" على الانشقاق من المليشيا وتطويع آخرين بمرتبات عالية مع تسليح وتدريب عال وتهيئة تسهيلات مختلفة لهم. وفي غضون عام تحولت إلى ما يمكن اعتباره فصيل مهمات خاصة، ذات طابع استخباري، وبولاء مطلق للمرشد الإيراني، علي خامنئي، كأول جماعة طائفية عراقية مسلحة تدين بالولاء الديني لغير النجف.
ووفقا للباحث العراقي بشؤون المليشيات المسلحة في العراق، علي الموسوي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" باتصال هاتفي من النجف فإن "الكتائب تمكنت من الحصول على أسلحة حديثة أميركية الصنع أبرزها الصواريخ الموجهة والأسلحة المتوسطة والخفيفة وأجهزة رصد وتحديد مواقع فضلا عن عربات همفي وهمر الأميركيتين وكلها من تجهيزات ومساعدات أميركية للجيش العراقي".


وأوضح أن "كتائب حزب الله حصلت على جزء منها في سبيل الإعارة خلال المعارك مع داعش ولم تعدها لمخازن الجيش، وهذا سبب خلافها الأول مع قائد عمليات الأنبار السابق الجنرال محمود الفلاحي، الذي أصر على أن تعيدها وتم تلفيق تهمة له وإقالته قبل أشهر"، مبينا أن "الكتائب تتورط حاليا في عمليات قمع التظاهرات واستهداف ناشطين ويمكن اعتبارها جماعة تكفيرية أيضا".
وباشرت المليشيا أعمالها أول مرة بنشر الألغام على الطرق لاستهداف دوريات أميركية بالعادة من العيار الثقيل التي تقل ضباطا كبارا أو موظفين بالسفارة الأميركية، وكانت منطقة عملها في المثنى وكربلاء وذي قار والنجف ثم سرعان ما امتدت إلى البصرة وبابل، واستمرت حتى توغلت في بغداد، وتورطت في الفتنة الطائفية، عبر تنفيذ عمليات تهجير واسعة في بغداد، وتنفيذ جرائم إعدام ميدانية وقتل للعراقيين على أساس طائفي وأخيرا استهداف المسيحيين في الكرادة والجادرية وزيونة وسط وشرقي العاصمة بغداد.


ولا يُعرف بالتحديد من هو القائد أو المسؤول عن هذه الحركة المسلحة، ما يدل على غموض هذه الجهة إعلامياً من جهة، وحتى تبقى حرة بالدرجة الأهم، فعمليات "حزب الله" في العراق، تطلبت في كثيرٍ من الأحيان معاندة الحكومة العراقية وضرب أهدافٍ استراتيجية ومواقع عسكرية صديقة للحكومة في البلاد. ولذلك استمرت هذه الحركة بتكثيف أعداد عناصرها عبر الاستقطاب والمرتبات العالية من إيران، كما أنها توسعت وانتشرت امتداداً إلى المشاركة في المعارك بسورية لحماية نظام بشار الأسد ودخولها على خط اليمن والقتال إلى جانب ميليشيا الحوثي.
ولا يُعرف معظم قادة هذه المليشيا في الإعلام، فهي تكتفي بنشر بيانات على لسانها رسمياً وأحياناً على لسان قادة بأسماء حركية، مثل "أبو كاظم" الذي كان لفترة يمثل الرجل الأول الوهمي في الكتائب، ثم تنقل إلى "أبو محمد" وصولاً إلى "أبو رقية" الذي برز اسمه في سورية، وليس انتهاءً بـ"أبي جعفر"، وجميعهم يتبنون الخطاب الإيراني في التعاملات مع الخارج، والمصطلحات التي يوردها المرشد الإيراني على خامنئي.
ولعل أبرز من ادعى أنه يترأس هذه المليشيا هو رجل الدين العراقي والمحسوب على طهران واثق البطاط، الذي أكد أنه رئيس هذه الجماعة المسلحة، إلا أن "حزب الله" سرعان ما تبرأ من البطاط وأعلن في بيان صدم العراقيين، بأن البطاط "رجل مختل عقلياً".


وعلم "العربي الجديد" أخيراً أن خلافات شديدة تجري بين قادة الكتائب بشأن ترؤس الجماعة، على أثر موجة شح الأموال التي أعقبت اشتداد العقوبات الأميركية على طهران، وهو ما أدى إلى تراجع عدد عملياتها العسكرية التي تستهدف الأميركيين، كما أن آلتها الإعلامية تراجعت بنسبة كبيرة، من خلال غلق فضائية "الإباء" التي تملكها المليشيا، وهو ما دفع قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى التدخل وتحويل صلاحيات إدارة "حزب الله" ضمن صلاحياته، وصلاحيات بسيطة ظلت ضمن عمل الرجل الثاني في هيئة "الحشد الشعبي" جمال جعفر، المعروف محلياً باسم "أبو مهدي المهندس".
ويملك "حزب الله" في العراق، أكثر من مؤسسة إعلامية؛ فإلى جانب قناة "الاتجاه"، هناك إذاعتا "الاتجاه والكوثر" كما صحيفة "المراقب العراقي" اليومية التي تصدر من بغداد، وموقعا "المعلومة والأنصار"، كما أنه يملك مؤسسات تعليمية وتثقيفية تهدف بحسب بيانات رسمية للكتائب إلى "نشر ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل"، وهي "هيئة المساجد والحسينيات" و"مركز الهدف للدراسات" و"مؤسسة الزينبيات" و"مؤسسة النخب الأكاديمية" و"مؤسسة السُبل الواضحة".
كذلك تعتمد الكتائب على سلسلة استثمارات بمجالات متنوعة، منها شركات البناء ومعامل لإنتاج المياه المخصصة للشرب وسلسلة مطاعم في بغداد وكربلاء والتجارة بالسيارات، في سبيل تغطية المصاريف ورواتب بعض الموظفين المحليين والعاملين بصفات متفرقة مثل الصحافيين وعمال الخدمة والسائقين وغيرهم. أما رواتب المقاتلين فبعضهم يتبع إيران، التي ترسل لكل جندي منهم حوالي 400 دولار أميركي، ويعرفون تنظيمياً داخل "حزب الله" بـ"الجسم"، أما غالبيتهم فيتسلمون من الإدارة المالية لـ"الحشد الشعبي" رواتب ثابتة وهي 900 دولار أميركي تقريباً.

وتنشط "كتائب حزب الله" في غالبية محافظات العراق، عدا إقليم كردستان العراق، حتى أنها سارعت إلى فتح مكاتب وممثليات في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم "داعش" مثل الأنبار والموصل وكركوك وصلاح الدين، إلى جانب بغداد ومحافظات الوسط والجنوب في البلاد، فيما تعد بلدة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل والواقعة بينها وبين بغداد، غرفة العمليات العسكرية للمليشيا، بعد تهجير أهلها ومنعهم من العودة إليها، حتى بعد تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" عام 2014.