لم يتوقف قطار التهجير القسري في محافظة شمال سيناء، على الحدود الشرقية لمصر، منذ العام 2014، وطاول عشرات المناطق في مدينتي رفح والشيخ زويد، ومنازل ومصانع في أطراف مدينة العريش، بحجة مكافحة الإرهاب، في حين أن هجمات تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، تضاعفت في أعقاب قرار إقامة المنطقة العازلة في مدينة رفح أواخر 2014. وما زالت الهجمات متواصلة، على الرغم من تهجير عشرات آلاف المواطنين وهدم منازلهم، فيما وصلت مراحل التهجير إلى قرى جديدة في مدينة الشيخ زويد في الأيام القليلة الماضية.
وفي تفاصيل المشهد، قالت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن قريتي أبو رفاعي والترابين جنوب مدينة الشيخ زويد شهدتا، في الأيام القليلة الماضية، إجراءات ترقيم للمنازل من قبل القوات الهندسية في الجيش المصري، وهي خطوة متعارف عليها في سيناء تسبق عمليات الهدم. ويهدف الترقيم لتحديد المنازل التي ستتلقى التعويضات، وحجم المبالغ التي ستُصرف لها بعد التقييم من قبل الفرق الهندسية، بالتنسيق مع مجلس المدينة، وهذا ما حصل مع كافة مناطق مدينة رفح، إذ اعتادت قوات الجيش على ترقيم المنازل المنوي هدمها قبل فترة وجيزة من بدء عمليات التدمير. ويتوقع الأهالي البدء في هدم منازل القريتين خلال الأيام المقبلة.
وأضافت المصادر أن غالبية منازل قريتي أبو رفاعي والترابين تضررت بقذائف الجيش ونيران رشاشاته، إذ شهدت المناطق حملات عسكرية متكررة، وكذلك إطلاق نار عشوائياً من الكمائن المحيطة بالمنطقة، ما دفع عشرات الأسر إلى ترك المنطقتين خلال السنوات الماضية، ضمن مئات الأسر التي هجرت مدينتي رفح والشيخ زويد بشكل قسري، نتيجة عمليات الجيش، وإجباره للمواطنين بإخلائها، إما بشكل مباشر، أو غير مباشر، إلى أن أصبحت غالبية مناطق مدينة رفح خاوية من السكان والحياة. وها هي مدينة الشيخ زويد باتت على الحال نفسه، ولكن بنسبة أقل، نظراً إلى بقاء مئات المواطنين في وسط المدينة، وبعض القرى المحيطة بها.
وتزامنت إجراءات الترقيم مع غارات جوية على مناطق جنوب وغرب المدينة على مدار الأيام الماضية، إذ قام الطيران الحربي المصري، بقصف قرى الشلاق وقبر عمير والخروبة والتومة والمقاطعة، في أعقاب الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها قوات الجيش والشرطة في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وأدت إلى مقتل وإصابة عشرات العسكريين. هذا القصف أشعر الأهالي بجدية الجيش في إخلاء مناطق جديدة جنوب مدينة الشيخ زويد، في إطار عمليات التهجير القسري التي تشهدها المحافظة، على الرغم من أن الجيش نشر رواية، عبر صفحات متخصصة في شؤون سيناء، عن أن الترقيم يهدف للتحضير لصرف التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمنازل خلال الفترة الماضية نتيجة عملياته في المنطقة.
وتعقيباً على ذلك، قال مصدر حكومي في مجلس مدينة الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش بدأت في ترقيم المنازل التي تضررت على مدار سنوات العمليات العسكرية في المنطقة، وكمرحلة أولى في أبو رفاعي والترابين، وليس الترقيم لكافة المنازل كما أشيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبين أهالي المنطقة. وأضاف أن الترقيم هو بهدف تعويض الأهالي عن هدم المنازل خلال العمليات العسكرية، مع احتفاظ المواطنين بحق البناء على الأرض، وامتلاك الأرض كذلك. مع الإشارة إلى أن قوات الجيش تمنع دخول مواد البناء ومستلزماته إلى غالبية مناطق رفح والشيخ زويد منذ أكثر من خمس سنوات، ما يعني عدم وجود إعمار لهذه المنازل، مهما بلغت التعويضات.
وأوضح المصدر ذاته أن الإجراءات التي تخضع لها المناطق سابقة الذكر في الشيخ زويد تشابه ما جرى في مدينة رفح، مع تأكيد الجهات الأمنية، أن ما يتم الآن في حيي أبو رفاعي والترابين لا يتعلق بالتهجير كما جرى في مدينة رفح، وإنما تعويض الأهالي المهدمة منازلهم نتيجة عمليات الجيش. إلا أن القلق يساور الأهالي من عدم إمكانية الرجوع لمنازلهم خلال الفترة المقبلة، على الرغم من ترقيم المنازل تمهيداً للتعويضات المالية التي ستصرف لهم لاحقاً من قبل الجهات المعنية في الدولة، فيما ينتظر استكمال إجراءات الترقيم في عدة قرى جنوب وغرب مدينة الشيخ زويد خلال الأسابيع المقبلة، من دون الكشف عن الخطوات اللاحقة لهذه المرحلة من الترقيم والتعويضات، في ظل الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المدينة، منذ العام 2013.
ويعود القلق لدى سكان مدينتي الشيخ زويد والعريش من إمكانية ملاقاة مصير سكان مدينة رفح، لاستمرار الحديث الإعلامي عن خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، والتي من المتوقع أن تشمل مناطق من محافظة شمال سيناء، كأراضٍ لإنشاء مشاريع أو توطين الفلسطينيين، ضمن "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية وفق الصفقة. هذا الحديث الإعلامي تؤكده وقائع عديدة على الأرض، تشير إلى تحضيرات عملية لتنفيذ الصفقة، من خلال إزالة الوجود البشري والسكاني لمسافات طويلة بين الحدود المصرية مع قطاع غزة وإسرائيل على حد سواء، وإنهاء كافة أشكال الحياة، كالكهرباء والمياه والاتصالات، من المنطقة واستمرار العمليات العسكرية والهجمات من قبل طرفي النزاع، بهدف دفع المواطنين إلى ترك الأرض.