ووسط ترجيحات بتدويل التظاهرات العراقية في حال تواصل عمليات القمع، يؤكد سياسيون عراقيون أن الحكومة والقوى الداعمة لها تسعى إلى إنهائها بسرعة وبأي شكل من الأشكال، قبل السماح بأي مواقف تصعيدية جديدة، وهو ما يبدو حتى الآن غير ممكن بسبب الخشية من مرجعية النجف، التي حذرت الحكومة من مواصلة القمع وحملت القوات الأمنية مسؤولية قتل المتظاهرين المدنيين في خطبة الأسبوع الماضي.
وشهدت الساعات الماضية مواقف دولية وأممية ومحلية، وحتى من قبل مرجعية النجف، حيال الأزمة، تترجم غالبيتها على أنها رفض للصفقة الإيرانية التي أبقت على عبد المهدي في منصبه، وبالتالي تعتبر تحدياً لمطالب الشارع في إقالة الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة تحت إشراف أممي.
ويقول القيادي في جبهة الإنقاذ العراقية، أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المؤكد أن التصريحات التي صدرت عن السيستاني هي الأهم والأكثر تأثيرا داخل العراق من بيان البيت الأبيض، فدعوات الإدارة الأميركية أصبحت تجابه من قبل القوى السياسية في الوقت الحاضر، ولهذا لم يكن لها تأثير قوي ما لم يكن هناك ضغط لتحقيقها".
وأكد أن "التصريحات التي صدرت عن السيستاني لها تأثير كبير في تقوية المتظاهرين، ومنع الأجهزة الأمنية من قمعهم بشكل كبير، وسيبقى الأمر منوطا بالحكومة العراقية. هي والكتل السياسية التي شكلت الحكومة عليها أن تقرر هل ستذهب بالبلاد إلى الاصطدام مع المتظاهرين والاصطدام مع المرجعية والاصطدام مع المجتمع الدولي، أم أنها سوف تتنازل وتقبل بخفض النفوذ الإيراني في العراق".
وبيّن النجيفي أن "الكتل السياسية التي تحسب على المعارضة حاليا عددها قليل، وهي التي ترفض بقاء الحكومة الحالية وتطالب بإقالتها، فأغلبية الكتل الآن أصبحت مع الحكومة"، معتبرا أنه "لا بد من أن يكون هناك وعي من المجتمع العراقي والمتظاهرين، بأن الحل يجب أن يكون سياسيا، فإذا لم نصل إلى الحل السياسي سوف نذهب إلى الفوضى العارمة في العراق، التي ستقود البلاد إلى المزيد من الأزمات والخراب".
من جانبه، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن "أي طرف أو جهة لا يمكن له أن يتنبأ بالسيناريو القادم للمشهد العراقي، بسبب أن الحكومة العراقية والكتل السياسية ما زالت تسوف الوعود غير المضمونة التنفيذ والحلول الترقيعية".
وبيّن شنكالي أن "ما قررته الحكومة من قرارات هو ردود فعل، وكل الخطوات المتخذة من الحكومات منذ 2003 لغاية الآن هي ردود فعل على الغضب الشعبي، كما أنه رغم الأحداث التي شهدها العراق، ما زالت الكتل السياسية حتى الساعة متمسكة بحصصها وتقاسمها للمناصب والمحاصصة".
وتطرق إلى دعوة السيستاني لاتخاذ طريق آخر للإصلاح، إذا فشلت الحكومة بالإصلاحات الحالية، قائلًا "ربما يكون الإصلاح أو الحل هو الحكومة الانتقالية أو حكومة إنقاذ وطني؛ ولهذا على الرئاسات الثلاث أن تكون جادة في حل هذا الأزمة، فهي أزمة حقيقية، وصلت إلى المجتمع الدولي".
أما القيادي في تحالف القوى العراقية حيدر الملا، فأكد في اتصال مع "العربي الجديد"، أنه "بعد تظاهرات الأول من أكتوبر، لا يمكن الاستمرار بالعملية السياسية بالنهج ذاته، فلا بد من أن يكون ثمة تغير جوهري في العملية السياسية، وهذا التغيير إذا لم تستطيع أن تصنعه القوى السياسية من خلال فلسفة إصلاح النظام السياسي، فمن الممكن أن ندخل نفق تدويل القضية العراقية، وهذا من أكبر المخاطر التي يمكن أن تواجه الواقع العراقي".
وشدد على أنه "على صاحب القرار السياسي أن يستثمر فرصة الضغط الجماهيري ودعم المرجعية للمتظاهرين، ومخاطر تدويل القضية العراقية، لإحداث إصلاحات حقيقية وليس ترقيعية. لغاية الساعة لا توجد خطوات جادة لصاحب القرار السياسي لإحداث إصلاح حقيقي في النظام السياسي".
وأكد أن "الإصلاحات تحدث من خلال استقالة حكومة عادل عبد المهدي؛ فهي أصبحت متورطة بإراقة الدم العراقي".
إلى ذلك، بيّن القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، النائب ريبوار كريم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظل المواقف الدولية والداخلية، يبدو أن هناك فرصة أخرى، قد تكون مدتها قليلة للقوى السياسية والحكومة العراقية ومجلس النواب، وحتى السلطة القضائية، حتى تقوم بدورها في تحقيق إصلاحات حقيقية، واتخاذ الخطوات المهمة في تقليل معاناة الشعب العراقي".
وأكد أنه "لا بد من إجراء حزمة إصلاحات حقيقية وليس شكلية، أو سنكون أمام مفترق طرق قد يفضي إلى حل الحكومة والبرلمان، وهذا الأمر مطروح من قبل المجتمع الدولي"، واستطرد بأن "المرجعية أكدت أن هناك فرصة أمام السلطات في العراق لتحقيق مطالب المتظاهرين، والآن العامل الزمني مهم، بالإضافة لنوعية الإصلاحات".
بدوره، شخص رئيس كتلة "الوركاء الديمقراطية"، جوزيف صليوا، لـ"العربي الجديد"، الوضع بالقول إنه "لغاية اللحظة هناك حديث عن الديمقراطية في العراق، لكن على أرض الواقع لا توجد ديمقراطية".
وأكد أن "المجتمع الدولي لن يقبل بأن يكون العراق ساحة مفتوحة لإيران لكي تنفذ به أعمالا طائفية وتخريبية تساهم في أذية الشعب العراقي... وتصريحات البيت الأبيض وكذلك السيستاني، دليل على أنهم يبذلون جهودا دبلوماسية بوسائل سلمية من أجل إخراج العراق من تحت عباءة إيران والجماعات التي نصبت من قبل إيران وتسلطت على الشعب العراقي ومقدرات العراق، وأنتجت الفساد والفقر، وألغت سيادة العراق".
في المقابل، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأمور في العراق بدأت تتصاعد، وربما تتجه الأزمة نحو التدويل، خصوصاً أن الأمم المتحدة تدخلت بقوة، بعد موجة الانتقادات التي وجهت إليها، وزارت ممثلة عنها السيستاني بالأمس، وتصريحات المرجعية دليل على أنها غير راضية عن الأداء وغير راضية عن إدارة الأزمة في العراق".
وبيّن أن "دخول الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر، يدل على أن إيران سوف تتدخل بشكل مباشر، وهذا سوف يعقد الأمور والأزمة".
وأضاف الهاشمي أن "بيد الحكومة العراقية ومجلس النواب والكتل السياسية إيجاد حلول ترضي المتظاهرين، وإجراء انتخابات بقانون جديد يلبي طموح الشعب، ولا يكون القانون جزءا وامتدادا للقوانين السابقة التي تصب في صالح القوى الكبيرة الشيعية والسنية والكردية، ودون تلك الحلول فإن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية سوف تستمر والأزمة سوف تتعقد".