الحكومة اللبنانية الجديدة: المفارقات وغلبة معسكر "حزب الله"

بيروت

محمد شبارو

avata
محمد شبارو
31 يناير 2019
DC64D54D-0474-4618-9AC1-F7B96D3C5135
+ الخط -


انتظرت أطراف السياسة اللبنانية تسعة أشهر إلا أسبوعاً واحداً، ليتمكنوا من تجاوز خلافاتهم على الحصص بعد انتخابات 6 مايو/أيار الماضي، وليتفقوا على تشكيل حكومة ولدت مساء اليوم الخميس، من 30 وزيراً، برئاسة سعد الحريري للمرة الثالثة، وضمّت معظم الأطراف السياسية في ما يُسمّى في بيروت "حكومة وحدة وطنية". حكومة تضم غالبية كبيرة لمصلحة حلفاء "حزب الله"، تحديداً 18 من أصل 30، في مقابل 12 وزيراً مما كان يسمى معسكر 14 آذار، المعارض للنظام السوري ولسلاح "حزب الله" وللسياسات الإيرانية.

وتوزّع الوزراء على الشكل التالي: 10 وزراء لـ"التيار الوطني الحرّ" وحصة رئيس الجمهورية ميشال عون، 5 وزراء لـ"تيار المستقبل" برئاسة الحريري، 4 وزراء لـ"القوات اللبنانية"، 3 وزراء لـ"حزب الله"، 3 وزراء لحركة "أمل"، وزيران لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي"، وزير لتيار "المردة"، وزير لحزب "الطاشناق" الأرمني، وزير لـ"اللقاء التشاوري" (النواب السنة الستة الحلفاء لـ"حزب الله").

وتجمع هذه الحكومة كل تناقضات السياسة اللبنانية، ويتوقع أن تواجه صعوبات في بعض علاقاتها الخارجية، على خلفية الغالبية الساحقة التي يملكها "حزب الله" داخلها.

وإذ شملت أربع وزيرات، أبرزهن ريا الحسن، وهي وزيرة للداخلية، وهي المرة الأولى التي تشغل فيها سيدة في لبنان وزارة الداخلية، التي قد تكون أهم الوزارات من حيث النفوذ وعدد الأجهزة الأمنية التي تتبع لها، في بلد يعتبر الهم الأمني، رئيسياً فيه.

وتنتمي ريا الحسن إلى تيار الحريري (المستقبل)، وسبق لها أن شغلت منصب وزيرة للمالية قبل سنوات في حكومة فؤاد السنيورة. كذلك عينت سيدة ثانية جديدة هي مي شدياق لحقيبة التنمية الإدارية (عن "القوات اللبنانية") فضلاً عن ندى البستاني (تيار رئيس الجمهورية) وفيوليت خير الله الصفدي، وزيرة لشؤون تطوير الشباب والمرأة عن "المستقبل".

وتوزعت الوزارات الـ30 على الشكل التالي:

-وزراء "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية هم: سليم جريصاتي (وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية) والياس بوصعب (وزارة الدفاع) وألبير سرحان (العدل) وفادي جريصاتي (البيئة) وغسان عطالله (وزارة المهجرين) ومنصور بطيش (الاقتصاد والتجارة) وندى بستاني (الطاقة والمياه) وجبران باسيل (الخارجية) وصالح الغريب (وزير دولة لشؤون النازحين) واواديس كيدانيان (وزارة السياحة).

-أما وزيرا الحزب "التقدمي الاشتراكي" فهما أكرم شهيب (التربية والتعليم العالي) ووائل ابو فاعور (الصناعة).

-وزراء القوات اللبنانية هم: غسان حاصباني (نائب رئيس الحكومة) وكميل بو سليمان (وزارة العمل) ومي شدياق (وزيرة التنمية الإدارية) وريشار كيومجيان (الشؤون الاجتماعية).

-وزراء "حزب الله": محمد فنيش لوزارة الشباب والرياضة، ومحمود قماطي، كوزير دولة لشؤون مجلس النواب، وجميل صبحي جبق لوزارة الصحة التي ستكون محط الأنظار نظراً إلى علاقة الوزراة بملفات دولية، سيكون على "حزب الله" التعامل معها، وقد تؤدي إلى خلافات مع الولايات المتحدة التي تحفظت على منح الحزب هذه الوزارة.

-كذلك يمثل حركة "أمل" علي حسن خليل: وزارة المال، وحسن اللقيس: وزارة الزراعة، ومحمد داوود داوود: وزارة الثقافة.

-يشغل يوسف فنيانوس وزارة الاشغال العامة والنقل عن "تيار المردة" الذي يرأسه سليمان فرنجية الحليف لـ"حزب الله".

-أما الوزراء الخمسة لتيار "المستقبل"، فهم محمد شقير لوزارة الاتصالات، وعادل أفيوني  وزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات، وفيوليت خيرالله الصفدي وزيرة دولة لشؤون التأهيل الإجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة.

-وفي النهاية، تم تعيين حسن مراد وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية، وهو ممثل النواب السنة الستة الحلفاء لـ"حزب الله"، والذي بسبب توزير شخص من لقائهم، تأخر تأليف الحكومة لأشهر.

 



مسيرة الأشهر التسعة والعقد الطائفية

بدأت رحلة الحريري في تأليف حكومته بصعوبة، تزامنت مع صراعات حول الحصص الوزارية، وحول صلاحيات رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء، ولم تختتم حتى في الأيام الأخيرة، مع استمرار الخلافات بشأن الثلث المعطل في الحكومة وإصرار "التيار الوطني الحر" بهذا الثلث المعطل (ثلث الحكومة +1) والذي يمنحه حق تمرير أو عرقلة القرارات.

ومع الخلافات الدستورية التي حسمت في الشق الأول من رحلة تأليف الحكومة، واجه الحريري مشاكل المحاصصة ضمن الطوائف، فحضرت العقدة المارونية أولاً، التي حسمت لاحقاً بمنح "القوات اللبنانية" أربعة مقاعد وزارية، قال يومها سمير جعجع أنها تنتقص من حجم "القوات" الذي برز في الانتخابات النيابية، لكنه قبل تسهيلاً.

انتهت العقدة المسيحية، فكانت العقدة الدرزية، بعدما أصر "الوطني الحر" على تمثيل حليفه الانتخابي طلال ارسلان، فيما تمسك "التقدمي الإشتراكي" بالمقاعد الثلاثة المخصصة للطائفة الدرزية، قبل أن يتنازل أيضاً وليد جنبلاط لحل منح المقعد الدرزي الثالث لرئيس الجمهورية.


وبعدما ظنّ اللبنانيون أن موعد الحكومة قد دنا، برزت عقدة سنية، بعدما رفض "حزب الله" تسليم أسماء الوزراء المخصصين له، قبل أن يتأكد من تمثيل النواب السنة المحسوبين عليه، وهي العقدة التي ظلت حاضرة حتى الساعات الأخيرة، قبل أن تحل بوزير يمثل هؤلاء الوزراء ويكون من حصة رئيس الجمهورية أيضاً، فرسا الخيار على حسن مراد، نجل النائب عبدالرحيم مراد.

وبعد المحاصصة والكثير مما حكي عن ارتباط حكومي بأزمات المنطقة، أبصرت الحكومة النور بتوازن يعبر بوضوح عن انتصار فريق إقليمي، وتحديداً المحور الإيراني – السوري، بعدما نال حلفاؤهم في الداخل اللبناني 18 مقعداً، من أصل 30، لتكون بذلك أول حكومة منذ العام 2005، باستثناء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية التي كانت حكومة لفريق "8 آذار" بالتحالف مع النائب السابق وليد جنبلاط، التي تكون فيها السيطرة كاملة للفريق المحسوب على ايران وسورية.

البيان الوزاري

وستكون الجلسة الأولى للحكومة بعد غد السبت لتسمية اللجنة التي ستعمل على صياغة البيان الوزاري (برنامج الحكومة)، تمهيداً لعرضه على مجلس النواب ونيل الثقة.

وأكدت المصادر أن التوافق على البيان الوزاري لن يكون مهمة شاقة، لأنه سيكون نسخة عن البيان الوزاري السابق، على الرغم من ان النقاشات ستتمحور حول العلاقات اللبنانية – السورية. وتوقعت المصادر ألا يكون موضوع العلاقات اللبنانية – السورية خلافياً، بل سينصب البحث على شكليات صياغة هذا البند، إضافة الى البنود المتعلقة بالتزامات لبنان الدولية، والقرارات الدولية ذات الصلة، وسياسة النأي بالنفس، وسيادة الدولة على أراضيها في ظل وجود سلاح "حزب الله"، وربط المعادلة الثلاثية التي يطالب فيها "حزب الله" دوماً، والتي تسمى "الجيش والشعب والمقاومة".



في شكل الحكومة، كانت الأسماء بأغلبها متوقعة، وعاد أكثر من نصف الوزراء الى وزاراتهم أو وزارات أخرى، على الرغم من المفاجأة التي تركها الحريري حتى اللحظة الأخيرة، لصبغ الحكومة بصبغة حداثية، وهو رفع عدد تمثيل النساء إلى 4 من أصل 30، وهو التمثيل النسائي الأكبر منذ الاستقلال، إضافة إلى منح ريا الحسن وزارة الداخلية.

وعلى الرغم من محاولات الحريري التأكيد على ضرورة تماسك الحكومة وتعاون الوزراء، إلا أن البعض في لبنان يتوقع أن تكبل الخلافات والمحاصصات عمل الحكومة، وذلك سيكون اختباراً لها على المدى القصير، وانطلاقاً من أكثر ملف، لاسيما تلك المتعلقة بالتزامات لبنان الدولية، والتي من المتوقع أن تفتح ورشة كبيرة لتنفيذها في محاولة للحصول على المساعدات التي أقرت في مؤتمر "سيدر" الاقتصادي.

ذات صلة

الصورة
نعيم قاسم في كلمة له أثناء تشييع قيادي في حزب الله ببيروت، 22 سبتمبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً له خلفاً لحسن نصر الله الذي استشهد في 27 سبتمبر/أيلول الماضي بغارة إسرائيلية.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع