لم يطل الأمر حتى أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن دعم قطر للقضية الفلسطينية هو عامل أساس في خلفية الحملة السعودية ــ الإماراتية ضد دولة قطر. شاء الرجل، من باريس، أول من أمس، تسمية "وقف دعم قطر لحركة حماس" كمطلب سعودي رئيسي موجه للدوحة.
ومناصرة القضية الفلسطينية، والحفاظ على ما تبقى من حقوق للشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال وجرائمه المتصاعدة، ليس موقفاً قطرياً سريّاً، بل تجاهر الدوحة به في كل منبر، وهذا الموقف تسبب لقطر، ولا يزال، بمشاكل دبلوماسية مع دوائر غربية أساساً، محسوبة على اللوبي الصهيوني. ويبدو أن أطرافاً عربية أساسية في الحملة اليوم، انضمت إليه، علناً، عبر التصريحات والتمويل والتحريض في واشنطن وفي عواصم عربية. حتى أن الموقف القطري من قضية فلسطين عموماً، وُوجه بحملة لمنع وصول هذا الدعم إلى أبعد من قطاع غزة المحاصر، وهو ما لم يحل دون تمسك الدوحة باعتبار موقفها المؤيد لفلسطين عابراً لانقسامات الضفة ــ غزة، وما يستتبعه ذلك من خلافات فصائلية داخل الساحة الفلسطينية.
وبالنسبة إلى غزة، فإنّها حين تعرضت إلى حصار إسرائيلي قاتل، شاركت فيه مصر في عهدي الرئيسين الحالي عبد الفتاح السيسي، والمخلوع محمد حسني مبارك، فإنها وجدت في قطر داعماً بعدما حاولت اللجوء إلى كل ممر إنساني وسياسي لدعم القطاع والوقوف إلى جانب المدنيين. وفي المصالحة الفلسطينية المتعثرة، أُفشلت الجهود القطرية كما بدا واضحاً أكثر من مرة، رغم اتصالات الدوحة بحركة "حماس" التي تملك معها علاقات مميزة، لكنّ هناك أطرافاً عربية ضغطت لسحب الملف من يد الدوحة لمنع تحقيقها أي تقدم فيه يحسب لسياساتها الخارجية. ولا يقتصر الدعم المادي القطري على غزة فحسب، رغم أنه كان موجهاً إلى القطاع المحاصر أكثر من أي مكان فلسطيني آخر، نتيجة للمأساة الإنسانية المتفاقمة في القطاع الساحلي، وترك الجميع لمليوني إنسان يواجهون شبح الموت، حرباً أو جوعاً وقهراً. ففي القدس المحتلة، يدعم صندوق قطر من أجل المسجد الأقصى نشاطات الإفطار والإعمار في المسجد والمناطق المحيطة به، رغم ملاحقة إسرائيل للعاملين في هذه المشاريع وتجريمهم، والعمل على وصمهم بـ"الإرهاب". وتدخلت قطر كثيراً في الملف الفلسطيني لجهة محاولة تخفيف الأزمات وإنهاء خلافات مستعصية داخلية وخارجية، ووقفت إلى جانب الفلسطينيين جميعاً، وهي اليوم تحتضن جالية كبيرة جداً من الفلسطينيين.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ قطر تعاقَب كونها ناصرت المستضعفين، خصوصاً دورها ونفوذها الواضح على الساحة الفلسطينية لدى مختلف القوى والفصائل، بدءاً من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وصولاً إلى حركة "حماس" ومختلف الفصائل. ويؤكد المدهون أنّ الدور القطري في الساحة الفلسطينية، على وجه الخصوص، كان أحد أسباب الموقف الخليجي، إذ بات دورها مزعجاً للنظام العربي، في ظل الموقف المتوازن الذي تتبناه في سياستها وحالة النشاط والتأثير الذي تؤديه، والذي يزعج الآخرين.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، مع المدهون بأن الموقف القطري تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، والعديد من الملفات العربية بشكل خاص، ساهم في اتخاذ الموقف الأخير من قبل هذه الدول والتسريع بقطع العلاقات معها. ويقول محيسن، لـ"العربي الجديد"، إن جميع الأطراف حسمت أمرها، في ظل إدارة أميركية جديدة في المنطقة، من أجل محاولة الضغط على قطر التي كان لها موقف مغاير تجاه العديد من الملفات والقضايا، لا سيما القضية الفلسطينية، وتعاملها مع حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية. ويلفت إلى أن الدور القطري بارز في المشهد الفلسطيني على الصعيدين السياسي والمالي، عبر محاولة تمهيد الأجواء بين حركتي "فتح" و"حماس"، في محاولة لرأب الصدع بين الجانبين واستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام. ويضيف محيسن إنّ قطر أبدت استعدادها، في الكثير من المرات، لتحمل تبعات مالية واقتصادية، أملاً في الخروج من الأزمة السياسية الفلسطينية الداخلية، عدا عن دعمها المستمر والمتواصل لخزينة السلطة وتغطيتها نفقات رواتب الموظفين، والتأكيد على شرعيتها ورمزيتها. ويشير إلى أن الدعم القطري لغزة، خصوصاً في مجال المشاريع والصحة والتعليم ورواتب الموظفين، كان من أجل تعزيز صمودها والمساهمة في تخفيف الأعباء المتلاحقة بفعل الحروب التي خاضتها، في الوقت الذي تنفذ فيه مشاريع متنوعة، في الإطار ذاته، في الضفة الغربية. ويؤكد أنّ الدور القطري تجاه المقاومة الفلسطينية، وحالة تعزيز صمود الغزيين في القطاع المحاصر إسرائيلياً، يعتبر ضمن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ قرار قطع العلاقات معها.