سقوط الطائرة المصرية...ترجيح العمل الإرهابي بثالث كارثة خلال أشهر

20 مايو 2016
30 مصرياً كانوا على متن الطائرة المنكوبة (العربي الجديد)
+ الخط -

مُني الطيران المدني المصري بكارثة جديدة، أمس الخميس، بعد تحطم طائرة "إيرباص" تابعة لشركة مصر للطيران كانت تقل 66 شخصاً بعدما غادرت مطار شارل ديغول في باريس وكانت في طريقها إلى القاهرة قبل أن تختفي من على شبكات الرادار ويعلن عن الأجهزة المسؤولة التواصل معها في ساعة مبكرة من فجر أمس الخميس، في المنطقة البحرية العميقة الواقعة بين المياه الإقليمية المصرية والمياه الإقليمية اليونانية بعرض البحر الأبيض المتوسط. وكان على متن الطائرة 66 شخصاً، هم 56 راكباً وطاقم من سبعة أشخاص بالإضافة إلى ثلاثة من أفراد الأمن. وذكرت شركة مصر للطيران في بيان أن الطائرة كانت تقل 30 مصرياً و15 فرنسياً بالإضافة إلى بريطاني وبلجيكي وعراقيين وكويتي وسعودي وسوداني وتشادي وبرتغالي وجزائري وكندي.
وتُعتبر هذه الكارثة هي الثالثة التي تحل بالطيران المصري في فترة لا تتجاوز سبعة أشهر، بعد الاعتداء الإرهابي الذي أسقط طائرة روسية فوق سيناء بعد مغادرتها مطار شرم الشيخ في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم اختطاف طائرة مصرية في 29 مارس/ آذار الماضي وهي في طريقها من الإسكندرية إلى القاهرة واقتيادها عنوة إلى قبرص.
وسادت الأوساط الرسمية المصرية حالة من الارتباك الشديد بسبب عجز القوات الجوية والبحرية المشتركة بين مصر وفرنسا واليونان عن إيجاد حطام كامل الطائرة حتى عصر أمس، واقتصرت البيانات في هذا السياق على إعلان اليونان إيجاد بعض القطع من الحطام قبالة سواحل جزيرة كريت جنوب مياهها الإقليمية.
ورفض كل من رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل ووزير الطيران شريف فتحي ترجيح أية فرضية لسيناريو سقوط الطائرة، بما في ذلك استهدافها بعمل إرهابي، أو تعرضها لعطل مفاجئ، غير أن الوزير قال في تصريح لوكالة "فرانس برس" بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده ظهر أمس، إن "فرضية الاعتداء الإرهابي قد تكون الأرجح".
بدوره، رجّح رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، أن يكون تحطم الطائرة "نتيجة عمل إرهابي". ودعا بورتنيكوف في تصريحات نقلتها وكالة "نوفوستي"، كافة الأطراف المعنية، "بما فيها الشركاء من أوروبا إلى اتخاذ أعمال مشتركة لتحديد الأشخاص الذين لهم ضلوع في هذا العمل المروع".
أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، فأعلن أنه لا يمكن استبعاد أية فرضية، مضيفاً في كلمة متلفزة: "حين نعرف الحقيقة، علينا استخلاص كل العبر سواء كان الأمر حادثاً أو فرضية أخرى تخطر على بال كل شخص، وهي فرضية عمل إرهابي".
من جهته، قال مصدر في وزارة الطيران في تصريح خاص، إنه "تم التواصل مع فرنسا رسمياً لمتابعة التحقيقات التي أعلن القضاء الفرنسي عن البدء فيها لمراجعة الإجراءات الأمنية في مطار شارل ديغول خلال استضافته الطائرة وكذلك لدى مغادرة الركاب الأراضي الفرنسية". ولفت المصدر إلى أن "الفرنسيين لا يستبعدون أي احتمال بما في ذلك حدوث خرق في نظامهم الأمني لاستهداف الطائرة بعمل إرهابي، كوضع عبوة ناسفة أو تسلل راكب مرتدياً حزاماً ناسفاً، وهو ما نقدّره كطرف مصري مالك للطائرة".
كما أشار المصدر أن "وزارة الدفاع الفرنسية أرسلت إلى نظيرتها المصرية وجهاز الاستخبارات العامة صوراً واضحة رصدها قمر صناعي فرنسي لمكان فقدان الاتصال بالطائرة، والذي تم تحديده بواسطة هيئة الطيران المدني اليوناني، وهي آخر جهة تواصلت مباشرة (بالصوت) مع طاقم الطائرة المنكوبة". وأوضح المصدر أن "هيئة الطيران اليونانية أرسلت إلى مصر تسجيلات للمحادثة التي جرت بين قائد الطائرة ومراقب جوي يوناني قبل اختفاء الطائرة بثلث ساعة فقط، وأظهر التسجيل أن الطيار المصري لم يكن يعاني من أي مشاكل، وأنه تحدث مع المراقب باللغتين الإنجليزية واليونانية مؤكداً له أن الأمور تسير على ما يرام". وشدد المصدر على أن "ترجيح فرضية العمل الإرهابي لا يمكن تأكيده قبل العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة"، مشيراً إلى أن "خبراء من شركة إيرباص العالمية قدموا مع وحدات عسكرية فرنسية إلى منطقة البحث للمشاركة في إيجاد الصندوقين".


وفي سياق التحقيقات أيضاً، كلف النائب العام المصري نبيل صادق، فريقاً من نيابة أمن الدولة العليا بفحص تسجيلات مراقبة الأماكن التي تواجدت الطائرة فيها داخل مطار القاهرة قبل مغادرتها إلى باريس قبل يوم، ومراجعة إجراءات التأمين التي بوشرت على رحلتها قبل الأخيرة، تحسباً لأن يكون العمل الإرهابي المحتمل قد تم زرعه من القاهرة. وقال مصدر قضائي مصري عصر أمس في تصريح خاص، إن صادق كلّف مساعده للتعاون الدولي بالتواصل مع النيابة العامة الفرنسية لمتابعة تطورات التحقيقات هناك، خصوصاً في ما يتعلق بمراجعة إجراءات استضافة الطائرة ومغادرة الرحلة.
وتعليقاً على المعلومات المتداولة حول الواقعة، قال خبير طيران مصري رفض نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن جميع المؤشرات تؤكد حدوث سيناريو من اثنين، الأول هو تفجير للطائرة من الداخل سواء بواسطة عبوة ناسفة أو حزام ناسف ارتداه أحد الركاب، والثاني أن تكون الطائرة قد أصيبت بصاروخ من طائرة حربية تصادف وجودها في المنطقة نفسها. وأضاف الخبير أن هذين الاحتمالين فقط هما ما يؤديان إلى مشهد احتراق الطائرة في الجو وسقوطها بسرعة في اتجاهات عشوائية، وصولاً إلى اختفائها ثم غرق حطامها بالكامل.
وكان وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس قد صرح بأن أجهزة المراقبة المحلية قد رصدت انعطاف الطائرة المنكوبة 90 درجة إلى اليسار ثم 360 درجة إلى اليمين أثناء هبوطها بمعدل 22 ألف قدم من ارتفاع 37 ألف قدم إلى 15 ألفاً، قبل اختفائها من شاشات الرادار، وذلك كله عقب 20 دقيقة فقط من محادثة بين الطيار المصري والمراقب اليوناني.
وأكد الخبير المصري أنه "من المستحيل أن تكون الطائرة قد سقطت نتيجة عطل فني، لأن الطائرات إيرباص طراز إيه 320 تستغرق وقتاً يتراوح بين 30 دقيقة و45 دقيقة قبل السقوط في حالات العطل الفني، وذلك لأنها طائرة متوسطة الحجم، بينما تستغرق الطائرات الأكبر حجماً وقتاً أطول في الجو قبل سقوطها بسرعة الجاذبية".
وبعيداً عن الاحتمالات، بدت المعلومات الصادرة من الجهات الرسمية المصرية في الساعات الأولى بعد الكارثة متناقضة ومتأخرة بكثير عما يتم تداوله في وسائل الإعلام الدولية نقلاً عن السلطات اليونانية والفرنسية. وتجلى هذا التناقض في إصدار شركة مصر للطيران الحكومية بياناً في التاسعة والنصف صباحاً (بتوقيت القاهرة) أفاد بأن الطائرة المنكوبة أرسلت نداء استغاثة إلى القوات المسلحة في الرابعة والنصف فجراً (بتوقيت القاهرة) مما يعني ضمنياً تأخر عمليات الإنقاذ لنحو ساعتين ونصف، وبعد ذلك بنحو نصف ساعة أصدر المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري بياناً نفى فيه تلقي القوات المسلحة نداءات استغاثة من الطائرة.
ثم عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اجتماعاً، هو الأول هذا العام، لما يُسمى بـ"مجلس الأمن القومي" بحضور رئيس مجلس النواب علي عبدالعال ورئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار ومدير الاستخبارات العامة خالد فوزي ومستشارة الرئاسة للأمن القومي فايزة أبو النجا، ووزراء آخرين.
ولم يتطرق بيان المجلس إلى استعراض أسباب الحادث، لكن المجلس تلقى تقريراً من وزير الطيران شريف فتحي بالمعلومات المتاحة عن اختفاء الطائرة وآخر الإشارات التي وردت منها إلى أن اختفت من الرادار. وأسند المجلس إلى القوات المسلحة مواصلة جهود البحث بالطائرات والقطع البحرية، والعمل على كشف ملابسات الحادث بأسرع وقت، وتنسيق التعاون مع دولتي فرنسا واليونان، وقرر تقديم مساعدات عاجلة لعائلات الركاب وطاقم الطائرة البالغ عددهم 66 شخصاً، وكلّف مركز أزمات شركة مصر للطيران بمتابعة تطورات الموقف والإعلان عما يستجد من معلومات. وشهد الاجتماع، بحسب مصادر حكومية مطلعة، تكليف وزير الطيران بالحديث منفرداً في هذه القضية، تلافياً لتناقض التصريحات كما حدث في ساعات سابقة.