سعدالدين العثماني... المفاوض المرن أمام تحدي تشكيل الحكومة المغربية

17 مارس 2017
العثماني يؤكد خوض غمار مشاورات الحكومة (أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن خرج سعد الدين العثماني، القيادي في حزب "العدالة والتنمية" المغربي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 من الحكومة المغربية التي كان يشغل فيها منصب وزير الخارجية، ليأتي مكانه صلاح الدين مزوار في النسخة الثانية منها، يعود الرجل اليوم ليدخل إلى الحكومة الجديدة رئيساً لها بعدما كلفه الملك المغربي، محمد السادس، أمس الجمعة، بمهمة تشكيل الحكومة المغربية بعد يومين من إعفاء الأمين العام للحزب من هذه المهمة نتيجة تعثر مشاوراته لتشكيلها على مدى خمسة أشهر، لكن مهمة العثماني لن تكون سهلة، أخذاً بعين الاعتبار العوائق التي أدت إلى فشل رئيس حكومة تصريف الأعمال، عبد الإله بنكيران في مهمته طوال الأشهر الماضية.

وقال العثماني، في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد" بعد استقباله من قبل الملك المغربي، محمد السادس، إنه "يشعر بأن منصبه الجديد يجعله محط تكليف وليس تشريف"، مضيفاً أن "المسؤولية ثقيلة على كاهله، لكنه يستعين بثقة الملك به، ومؤازرة حزبه له، من أجل خوض غمار مشاورات الحكومة والوصول بها إلى برّ الأمان".  واستبق الملك المغربي، محمد السادس، اجتماع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الذي كان مقرراً اليوم السبت لحسم مرشح الحزب الجديد لتشكيل الحكومة المغربية، معلناً تكليف العثماني بهذه المهمة. وأعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، في بيان، أن "الملك محمد السادس استقبل يوم الجمعة 17 مارس/آذار 2017 بالقصر الملكي بالدار البيضاء، السيد سعد الدين العثماني، عن حزب العدالة والتنمية، وعينه، بمقتضى الدستور، رئيسا للحكومة، وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة". وكان الملك أعلن، الأربعاء الماضي، إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الوزراء، في سابقة سياسية هي الأولى من نوعها في المملكة، وأنه سيعين بدلاً منه عضواً آخر في حزب "العدالة والتنمية"، في مسعى لكسر جمود بشأن تشكيل الحكومة دام خمسة أشهر عقب الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويمارس العثماني، المنحدر من منطقة إنزكان الأمازيغية، والذي ولد في 16 يناير/كانون الثاني 1956، مهنة الطب النفسي منذ سنوات عدة، كما أنه ضليع في الفقه الإسلامي، ولديه مؤلفات في هذا المجال. وشغل العثماني منصب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، في الفترة بين 2004 و2008، ليخلفه في قيادة الحزب ذي المرجعية الإسلامية عبد الإله بنكيران الذي قاده في انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 إلى الفوز برئاسة الحكومة، ثم تصدر الحزب ثانية انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016. ويعرف عن العثماني هدوؤه الكبير. كما أنه يشتهر بميوله إلى الهدنة والحلول الوسطى، حتى إنه يعتبر من بين ما يسميهم البعض "حمائم" حزب "العدالة والتنمية"، مقابل صقور الحزب. ويعول "العدالة والتنمية" على خصال التفاوض والمرونة التي تتصف بها شخصية العثماني ليقود دفة مشاورات تشكيل الحكومة بالكثير من الحكمة، خصوصاً أمام تمسك زعيم حزب "الأحرار"، عزيز أخنوش، بمشاركة حزب "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة، وهو ما أدى إلى انهيار المشاورات مع بنكيران الرافض لوجود هذا الحزب في الحكومة. وبتعيين العثماني رئيساً للحكومة يكون حزب "العدالة والتنمية" قد طوى صفحة بنكيران، وشرع في صفحة جديدة، يشكل أول تحد فيها طريقة إدارة العثماني للمفاوضات مع باقي الأحزاب لتشكيل حكومة طال ّأمدها منذ أكثر من 5 أشهر.


وكانت قيادة حزب "العدالة والتنمية" أكدت عدم تحمل رئيس حكومة تصريف الأعمال، عبد الإله بنكيران، أية مسؤولية في عدم تشكيل الحكومة الجديدة، بقدر ما تكمن المسؤولية في اشتراطات أحزاب أخرى في مراحل مختلفة من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة. وما لفت في بلاغ الأمانة العامة للحزب العبارة التي نصت على أن "مثل هذه الاشتراطات هي التي ستجعل تشكيل الحكومة الجديدة، في حالة استمرارها، متعذراً، أياً كان رئيس الحكومة المعين". واشترط حزب "الأحرار"، بقيادة عزيز أخنوش، على رئيس الحكومة المكلف أن يتم إشراك حزب "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة لضمان غالبية قوية ومريحة، وحتى يكون هناك انسجام مع ترؤس هذا الحزب لمجلس النواب، فيما أصر بنكيران على رفض دخول هذا الحزب إلى الحكومة. ويرى مراقبون، في ما بين سطور موقف قيادة "العدالة والتنمية" بخصوص موضوع الاشتراطات، وفشل تشكيل الحكومة المقبلة إذا استمرت، بأنها رسالة ضمنية إلى أن خليفة بنكيران على رأس الحكومة سيواصل نفس الموقف السابق، وهو رفض دخول "الاتحاد الاشتراكي" إلى الحكومة. وفي هذه الحالة، أي تمسك رئيس الحكومة الجديد بنفس موقف بنكيران في رفض إشراك حزب "الاتحاد الاشتراكي"، وهو موقف أجمعت عليه قيادة الحزب في أكثر من مناسبة، فإن أزمة تشكيل الحكومة قد تمتد، إذا لم يتنازل الطرف الثاني عن شرط مشاركة "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة.

ومن السيناريوهات المطروحة، في حالة تمسك رئيس الحكومة الجديد من حزب "العدالة والتنمية" بموقف الاكتفاء بالتحالف السابق، المكون من "العدالة والتنمية"، و"الأحرار"، و"التقدم والاشتراكية"، و"الحركة الشعبية"، مقابل تمسك أخنوش، ومن معه من أحزاب بمشاركة "الاتحاد الاشتراكي"، أن يتدخل الملك ثانية، ليعين شخصية أخرى من خارج "العدالة والتنمية"، وتحديداً الحزب الثاني في انتخابات 7 أكتوبر، وهو في هذه الحالة حزب "الأصالة والمعاصرة". وقال مصدر قيادي من "العدالة والتنمية"، طلب عدم الكشف عن هويته بالنظر إلى تعليمات قيادة الحزب بعدم التصريح للصحافة في هذه الفترة، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب كيفما كان اسم خليفة بنكيران لن يبدل رؤيته لتشكيل الحكومة المقبلة". وأوضح أن "عدم قبول حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة لم يكن موقفاً خاصاً من بنكيران، بل هو موقف آزرته فيه الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في بلاغات سابقة، وبالتالي يتعين على الطرف الآخر إبداء شيء من المرونة لتسهيل ولادة الحكومة المتعسرة".

وتعليقاً على الموضوع، يرجح أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، الدكتور عثمان الزياني، ألا يتمسك حزب "العدالة والتنمية" بعناده، وبالتالي تبقى مسألة العودة إلى المعارضة مستبعدة في هذه المرحلة. واعتبر أن هذا الحزب يستحضر دائماً المنطق البراغماتي في سلوكه السياسي، ولا يريد أن يدخل في نوع من الموت السياسي البطيء، خصوصاً أن جل أعضاء الحزب يستبطنون فكرة أن هذا القرار، على الرغم من أنه احترم منطق الفصل 47، أي احترام إرادة صناديق الاقتراع، إلا أنه في خلفياته يتضمن محاولة لإحداث انقسام داخلي، ما يستدعي التكاتف والتمسك بخيارات الحزب. وأوضح أن الذي يتبقى هو مدى تمسك "العدالة والتنمية" بالشروط السابقة في مفاوضات تشكيل الحكومة، أم انه سيقبل بالتنازلات ويقوم بإشراك حزب "الاتحاد الاشتراكي"، معتبراً أنها مسألة واردة من أجل تفويت الفرصة على باقي الأحزاب التي تضغط باتجاه استبعاد الحزب بشكل نهائي عن الحكومة.