تصاعد دعوات مقاطعة الانتخابات المحلية في العراق: قانون يصادر أصوات الناخبين

28 يوليو 2019
اعتراضات متزايدة على تعديل قانون الانتخابات (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
ما إن صوَّت مجلس النواب العراقي، الأسبوع الماضي، على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات (الانتخابات المحلية)، حتى بانت ملامح عدم الرضا من قبل الأوساط الشعبية وبعض الكيانات السياسية والحزبية، خصوصاً أنه سيهمش الأحزاب الصغيرة والقوى المدنية الجديدة، بحسب سياسيين، كما أنه يمثل الطموح الدائم للكتل الكبيرة التي سعت خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبقاء في السلطة، والتي اعتمدت على نظام التمثيل النسبي وفقاً لآلية "سانت ليغو 1.9".

ويرى مراقبون أن هذا القانون، سيُمكن الأحزاب الرئيسية في البلاد من احتكار أصوات الناخبين بل ومصادرتها ومنع نشوء أي حزب أو تيار مدني جديد يمكن له أن ينافسهم، في ظلّ تقسيم البلاد إلى 18 دائرة انتخابية بحسب عدد المحافظات، وفقاً لقانون الانتخابات.

ووفقاً للتعديل الجديد فقد تمّ تقليص عدد أعضاء مجلس المحافظة، بأن يكون لكل محافظة 10 أعضاء يضاف إليها مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة فوق المليون، بحسب آخر إحصائية معتمدة لدى وزارة التخطيط، وتخصيص محطات انتخابية خاصة بالنازحين والمهجرين في مناطق وجودهم وخارج البلاد، وشمول محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل بالانتخابات، على أن تجري العملية الانتخابية في الأول من إبريل/نيسان 2020.



وطريقة سانت ليغو هي آلية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. 

أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6 فصاعداً، فإن حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة. وفي آخر انتخابات محلية أُجريت في العراق عام 2013 تمّ اعتماد آلية سانت ليغو بالقسمة على 1.4، وتسبب ذلك بفوز أحزاب صغيرة ومرشحين مستقلين تمكنوا من تغيير مسار الحكومات المحلية. الأمر الذي أزعج القوى الكبيرة التي سارعت إلى تعديل الآلية إلى 1.6 في انتخابات البرلمان 2014، ثم إلى 1.7 في الانتخابات التشريعية 2018، وأخيراً 1.9 في انتخابات مجالس المحافظات المقررة عام 2020.

وسارعت قوى مدنية إلى إعلان رفضها للقانون، وأصدرت قرابة 25 منظمة ضمنها تجمعات لمراقبة الانتخابات بياناً موحداً، الخميس الماضي، قالت فيه، إنّ "هذا التعديل مجحف ويعرقل عملية التمثيل الحقيقي للناخبين، لأنه يجعل المنافسة غير عادلة بين من يسعون إلى المشاركة في الانتخابات، ويحد من قدرة القوى السياسية الصغيرة والشخصيات المستقلة على الوصول إلى مجالس المحافظات، فالصيغة الحالية تكرس هيمنة وسيطرة الكتل والأحزاب المتنفذة والكبيرة على المفاصل الإدارية والتنفيذية في المحافظات".

أمّا الحزب "الشيوعي" العراقي، وهو شريك أكبر تحالفات مجلس النواب "سائرون"، فقد أشار أيضاً إلى خلل التعديل، في افتتاحية الجريدة الناطقة باسم الحزب "طريق الشعب"، قائلاً إن "الإيجابيات في القانون المعدل ترافقها مثلبة كبيرة، تتمثل في اعتماد صيغة (سانت ليغو المعدل 1.9) لاحتساب الأصوات، بالرغم من المعارضة السياسية والشعبية لهذا النظام بصيغته المعدلة".

وأضاف أن "التعديل الذي صوَّت لصالحه البرلمان يريد سرقة أصوات الناخبين، ويعكس اعتماد نظام سانت ليغو المعدل بقاسم انتخابي يبتدأ بـ(1.9)، إصرار الكتل المتنفذة على مواصلة التفرد بالقرار واحتكاره، وتضييق قاعدة المشاركة الوطنية في إدارة السلطات المحلية".

وقال عضو تحالف "سائرون" التابع لمقتدى الصدر، وليد النجار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القانون الأخير، جاء لدعم وتكريس نظام المحاصصة، وإدامة سلطة الأحزاب الكبيرة"، مشيراً إلى أنه "يمثل خنجراً بجسد الدور الرقابي، ودافعاً لبقاء المتورطين بالفساد المالي، لذلك التوجه الشعبي الحالي، هو لمقاطعة الانتخابات المحلية، لأن الشعب بات محبطاً جداً، أكثر من فهمه لهذه القوانين التي لا تخدم سوى الأحزاب".

من جهته، قال عضو اللجنة المركزية للحزب "الشيوعي" العراقي جاسم الحلفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحديث عن مقاطعة الانتخابات سابق لأوانه، ولكن بالتأكيد ستشهد الانتخابات المقبلة مقاطعة واسعة لأسباب عديدة، وهذا القانون لن يفسح المجال في إدارة الحكم إلا للمتنفذين وأعضاء الأحزاب المرتبطين بمصالح خاصة وخارجية".

وأوضح أن "الاعتراضات الحالية لدى الأوساط المدنية ليست فقط على تعديل قانون الانتخابات إنما على عمل مجالس المحافظات التي لم تقدم أي إنجاز أو خدمة للمواطنين".

وأضاف أن "إقامة انتخابات على قانون غير منصف لا جدوى منها لأنها معروفة النتائج ولا معنى لها، وستُعيد نفس الوجوه التي يرفضها العراقيون، وهذا القانون لن يعطي فرصة للشخصيات الوطنية والقوة المدنية، وبالتالي ستبقى الوجوه نفسها، في خطوة لإفساد العملية السياسية والخروج عن الديمقراطية الحديثة".



في المقابل، أشار عضو تحالف "الفتح" والنائب عدي عواد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "القانون جاء نتاج اجتماعات مكثفة بين المفوضية العليا للانتخابات والكتل السياسية إلى أن تم التوصل إلى هذه الصيغة، بعد أن حدثت إشكالات بسبب إجراء الانتخابات في كركوك، والأغلبية هي التي حسمت ملف تعديل القانون"، مؤكداً أن "أي توافق سياسي يتعرض إلى حملات تسقيطية وإيجاد مبررات لجعله دون المستوى، والمشكلة حالياً ليست بالقانون إنما بالرفض والتذمر والخذلان من العملية السياسية برمتها من قبل المجتمع العراقي، وهناك دعوات لمقاطعة الانتخابات التي تعتبر حلاً".