حلب بين الهدنة و"المعركة الكبرى": المعارضة ترفض الخروج وتتوعد

20 أكتوبر 2016
هدوء نسبي بعد شهر من القصف (إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -


تقف مدينة حلب السورية على مشارف منعطف جديد، وسط سعي روسيا والنظام السوري لإخلائها من مقاتلي المعارضة، وهو الأمر الذي أعلنت المعارضة رفضها القاطع له، فيما تنذر تصريحات بعض القادة العسكريين فيها باقتراب "معركة مهمة".
كما عززت تصريحات لدبلوماسي كبير في حلف شمال الأطلسي، أمس الأربعاء، الشكوك حول أهداف الهدنة الروسية المحدودة، خصوصاً بعدما كشف عن معلومات لأجهزة استخبارات غربية تفيد بأن السفن الحربية الروسية قبالة ساحل النرويج تحمل قاذفات مقاتلة من المرجح استخدامها لتعزيز هجوم نهائي على شرق حلب المحاصر في سورية خلال أسبوعين.

وقال الدبلوماسي، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" إن الروس "ينشرون كل أسطول الشمال وجزءاً كبيراً من أسطول البلطيق في أكبر انتشار بحري منذ نهاية الحرب الباردة". وأضاف "هذه ليست زيارة ودية. خلال أسبوعين سنرى تصعيداً في الهجمات الجوية على حلب في إطار استراتيجية روسيا لإعلان النصر هناك"، على حد قوله.


وسط هذه الأجواء، ساد، أمس الأربعاء، هدوءٌ نسبي في حلب بعد قصف من النظام وروسيا امتد لشهرٍ، وأدى لمقتل نحو خمسمائة مدني، مع ترقب "هدنة إنسانية" من المفترض أن تبدأ عند الثامنة صباح اليوم، الخميس، لـ11 ساعة بعد أن كانت 8 ساعات وأعلنت موسكو، أمس، تمديدها. فيما تغيب أي تحركات دولية فعلية لإيجاد حل للصراع، مع تركيز بعض الحراك على تمديد الهدنة.
وساد هدوء في حلب منذ ما قبل ظهر أول من أمس، الثلاثاء، بعد إعلانٍ روسي مفاجئ عن بدء "تعليق طلعات الطيران الروسي والسوري" في حلب منذ العاشرة صباحاً، لـ"إبداء حسن النية، دعماً للفصل بين المعارضة في حلب وجبهة فتح الشام"، حسب ما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أضاف أن "على المسلحين الذين سيبقون في حلب بعد خروج النصرة التوقيع على اتفاق الهدنة، إذا نجح هذا الأمر وغادر المسلحون المدينة سيتم تمديد الهدنة".
نجاح هذا المطلب الروسي من عدمه، يتحدد مصيره اليوم، إذ تبدأ مدة الساعات الـ11، عند الثامنة صباحاً. وتتطلع روسيا والنظام، لأن تنجح مساعيهما، التي تأتي بعد تصعيدهما للقصف الممتد لأربع أسابيع، وتهدف هذه المساعي بالدرجة الأولى لزعزعة الحاضنة الشعبية عن الفصائل المقاتلة هناك، وإحداث تصدُعٍ في بنية القوة العسكرية المتواجدة شرقي حلب.
وفي هذا السياق، أجرى مسؤولون بارزون أميركيون وروس محادثات، أمس الأربعاء، بهدف الاتفاق على كيفية "فصل المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة عن مقاتلي المعارضة في مدينة حلب"، من أجل تمهيد الطريق لوقف إطلاق النار، وفق وكالة "رويترز". ورأس المبعوث الأميركي الخاص لسورية، مايكل راتني، الوفد الأميركي، في حين أرسلت روسيا خبراء عسكريين لم يكشف عن أسمائهم. وقال دبلوماسي غربي، لـ"رويترز"، إن مسؤولين من قوى إقليمية، مثل السعودية وقطر، انضموا للمحادثات، لكن لم تشارك إيران التي لم توجه لها الدعوة. ولم تحضر المحادثات أيضاً الأطراف السورية المتحاربة.
يأتي ذلك فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، الوضع في حلب. وقال أردوغان في كلمة له في العاصمة التركية أنقرة، أمس: "طلب منّا بوتين التوسط لإخراج جبهة النصرة من حلب، وقمت بدوري بإبلاغ المعنيين للقيام بما يجب، واتفقنا على القيام بهذه الخطوة كي نتيح لأهل حلب فرصة العيش بأمان". وحذر أردوغان من أن أي موجة نزوح من حلب قد تؤدي إلى تدفق مليون لاجئ إلى الأراضي التركية.
وجاء ذلك في وقت كانت موسكو تستبعد فيه تمديد "الهدنة الإنسانية" في حلب بشكل أحادي الجانب. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، للصحافيين، أمس: "أستبعد أننا والحكومة السورية سنقوم بتمديد الهدنة الإنسانية في حلب بشكل أحادي الجانب. تم التشديد مراراً على أن خصوم بشار الأسد يستخدمون الهدن الإنسانية للحصول على تعزيزات وغيرها. لا يمكن اتخاذ قرار إلا بناءً على اتفاقات".


في المقابل، كان الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، يعد ببذل كل الجهود بالتعاون مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "لتمديد" الهدنة في مدينة حلب. وقال الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، أمس، إلى جانب رئيس منظمة "الخوذ البيضاء" في حلب رائد الصالح، إن "فرنسا ستمارس كل ما بوسعها من ضغوط، وخصوصاً على الجهات الداعمة للنظام، أي الروس، لكي يمكن تمديد الهدنة ونقل المساعدة الإنسانية والوصول إلى حل سياسي" للنزاع. واعتبر أن "ما يجري في حلب وبشكل أوسع في سورية بسبب القصف المتواصل للنظام والجهات الداعمة له، غير مقبول ولا يمكن التغاضي عنه". وقال إن الهدنة في حلب يجب أن تساهم "في إدخال المساعدة الإنسانية" التي يجب أن تصل إلى سكان "من غير الوارد أن يسلكوا طريق المنفى أو مخيمات" اللاجئين.
يأتي كلام هولاند بعدما كانت الأمم المتحدة أعلنت أن هدنة الثماني ساعات في حلب التي كانت أعلنتها موسكو قبل تمديدها لـ11 ساعة، غير كافية. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية، جينس لارك، خلال مؤتمر صحافي في جنيف "قبل أن نفعل أي شيء معقول، نحتاج إلى ضمانات من كافة الأطراف". وأكد أن الفرق المكلفة نقل المساعدات الإنسانية إلى حلب بحاجة "إلى 48 ساعة على الأقل".
وحضرت الأوضاع السورية في قمة ألمانية فرنسية روسية عُقدت، أمس، في العاصمة الألمانية برلين. وجمعت القمة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبحثت الوضع في سورية، والغارات التي تشنّها روسيا لدعم النظام السوري، خصوصاً في حلب. هذا الاجتماع جاء عشية قمةٍ لقادة الاتحاد الأوروبي، من المفترض أن تبحث العلاقات مع موسكو، والقصف الذي تتعرّض له حلب، فيما أعلنت الأمم المتحدة أن مجلس حقوق الإنسان التابع لها سيعقد، غداً الجمعة، جلسة خاصة في جنيف، لبحث الوضع "المتدهور" في مدينة حلب، بناءً على طلب رسمي من بريطانيا. وقدّمت بريطانيا الطلب نيابة عن 16 دولة غربية وعربية، وبدعم من الولايات المتحدة.
بموازاة ذلك، تقوم لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة برئاسة الخبير البرازيلي باولو بينيرو، بتوثيق جرائم الحرب المحتملة على يد كل الأطراف في سورية، وتجمع شهادات من ضحايا وشهود. وكانت اللجنة قد أشارت، الشهر الماضي، إلى أنّها تملك قاعدة بيانات بنحو خمسة آلاف مقابلة مفصلة ومعلومات تبادلت بعضها مع حكومات أوروبية، تسعى لمحاكمة مواطنيها الذين يقاتلون في سورية.
في غضون ذلك، شهد يوم أمس حملات إعلامية من قبل محور النظام، في محاولة لإضعاف معنويات خصومه، ولإنعاش حاضنته بما يعتبره "اقتراب الحسم في حلب". إذ أوردت صفحات موالية للنظام على الإنترنت، أن "حافلات خضراء" في طريقها إلى حلب لنقل "المسلحين" منها إلى مدينة إدلب. غير أن ناشطين في حلب، تواصلت معهم "العربي الجديد"، رجحوا أن يكون ذلك في إطار "الحرب النفسية" التي يقوم بها النظام وروسيا، للتأثير على مجرى الأحداث في حلب، مؤكدين أنه "لا توجد أية بوادر تشير إلى استعدادات للخروج من حلب غداً (اليوم) سواء من قِبل العسكريين أو المدنيين". وأكد الناشط ماجد الحلبي أن "الأمور طبيعية في حلب، والناس لا ينظرون بجدية إلى عرض الهدنة الروسي الذي يعتبرونه مثل العروض السابقة مجرد دعاية".
وفيما عاشت حلب، أمس الأربعاء، يومها الثاني الهادئ نسبياً بعد أربع أسابيع من المجازر، فإن تصريحات بعض قادة المعارضة العسكريين، تبدو ذاهبة نحو أن هذا الهدوء الذي تلا عاصفة، قد تتبعه كذلك تطوراتٌ عسكرية مهمة، مع توعّدٍ بـ"معركة كبيرة" تكون كفيلة بـ"إنهاء حصار النظام ومليشياته" للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية في حلب.
في هذا الإطار، قال المتحدث باسم تجمّع "فاستقم" (أحد فصائل الجيش الحر في حلب)، عمار سقار، لـ"العربي الجديد"، إن موضوع الخروج من حلب "غير مطروح حتى للتفكير"، متوعداً بأن "حصار حلب لن يطول وسيُكسر". فيما أعلن القائد العسكري في "حركة نور الدين زنكي" (انضمت أخيراً لجيش الفتح)، عمر سلخو، في تصريحاتٍ له، أن الرد على الهدنة الروسية "سيكون ليس بفك الحصار عن مدينة حلب بل بتحريرها كاملةً (يقصد دخول المعارضة للأحياء الغربية)"، متوقعاً "أياماً مبشّرة للثوار في المرحلة المقبلة".
وفي خضم هذه التطورات التي تُنذر باقترابِ تحركاتٍ في حلب، ليست واضحة المعالم حتى الساعة، يبدو موقف "جبهة فتح الشام" أقرب للتصعيد، وخصوصاً أنها معنية بالدرجة الأولى في هذه المرحلة، وفق تصريحات روسية وتركية وغربية وغيرها، تطالبها بضرورة سحب مقاتليها المتواجدين شرقي حلب. وتبيّن ذلك من تصريحاتٍ لحسام الشافعي، المتحدث باسم "الجبهة"، جاء فيها أن المقترح الروسي لـ"هدنة مؤقتة بغية إخراج جبهة فتح الشام من مدينة حلب ليس بالأمر الجديد، وإنما إكمالاً لما بدأته الأمم المتحدة في حمص وداريا وغيرها"، مضيفاً أن "هذا الدور فُضح أمام الرأي العام، وبأن مكره تفريغ لمناطق أهل السنة، وإبعاد كل من يشكل خطراً على نظام الأسد والعمل على إبعاده عن العاصمة دمشق، إضافة للتفريق والتمييز بين القوى المجاهدة بغية إضعافها واحدة تلو الأخرى".
وأضاف الشافعي، في تصريحات وصلت نسخة منها لـ"العربي الجديد"، أن "المشهد المخزي الذي يراد لأهل الشام أبعد من هذا الاقتراح (الهدنة الروسية)، إذ لا يمثل إخراج الجبهة من حلب سوى مقطع صغير من الصورة الكاملة، وأن أي استسلام أو ضعف أمام العدو سيجعله يطمع بالمزيد"، مشيراً إلى أن خيار جبهته هو "أننا لن نُسَلِّمَ أهلنا، سنكمل جهادنا حتى إسقاط النظام ولن نقبل أي طرح يحول دون ذلك".