بلدة سبسطية الفلسطينية: حق في الأرض والتاريخ وسارية العلم

30 مارس 2017
يكثف الاحتلال من اقتحام المباني الأثرية (أحمد كايد)
+ الخط -

تقلّ مساحة الأرض التي يمتلكها الفلسطينيون شيئا فشيئا، نظرا للامتداد الاستيطاني المتواصل فيها بشكل مكثف، وزيادة أعداد الوحدات الاستيطانية يوما بعد يوم، بالإضافة إلى منع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من البناء والتوسع في أراضيهم، التي يعتبرها الاحتلال تحت سيطرته وخاضعة لحكمه.

ليس هذا فحسب، فمطامع الاحتلال في سرقة التاريخ والحضارة الفلسطينية تبدو واضحة، من خلال الانتهاكات التي يرتكبها المحتل بحق الأماكن الأثرية، التي تثبت أن هذه البلاد ليست سوى للفلسطينيين الذين سكنوها وعاشوا فيها، قبل أن يهاجم المحتل أرضهم ويسرقها بعد تنفيذ المجازر والمذابح وتشريدهم من أرضهم.

في بلدة سبسطية شمال غربي مدينة نابلس، إلى الشمال من الضفة الغربية المحتلة، يكثف الاحتلال الإسرائيلي، برفقة مستوطنيه، من اقتحام المباني الأثرية، وإجراء طقوس دينية داخلها، عدا عن محاولته السيطرة عليها بشكل كامل، كونها تعتبر منطقة "سي"، بحسب تقسيم الأراضي الفلسطينية في اتفاقية أوسلو.

بلدة سبسطية، أطلق عليها المؤرخون عاصمة الرومان في فلسطين، تعد من أقدم البلدات الفلسطينية، التي يزورها السياح الأجانب من جميع بلدان العالم، للتعرف على آثارها ومبانيها القديمة، والتي تعود للعهد الروماني وتشير إلى تاريخ عميق وحضارة مزهرة، ففيها مقبرة الملوك التي دُفن فيها أحد ملوك الرومان، وكذلك الأعمدة الغرانيتية، ومسرح ومدرج ومعابد وقبور يونانية، كما أنها تعتبر للسكان المحليين مكانا سياحيا وترفيهيا جميلا، إذ تنظم رحلات مدرسية إليها، وتذهب إليها العائلات الفلسطينية للتنزه، خاصة في فصل الربيع.

يقول رئيس بلدية سبسطية، معتصم علاوي، لـ"العربي الجديد"، "بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة التحركات الإسرائيلية، والمطامع الواضحة في السيطرة على هذا الإرث الحضاري في البلدة، من خلال الاقتحامات المتكررة والشبه يومية للبلدة، والقمع العنيف لشبان البلدة، الذين يتصدون لهم دائما في كل اقتحام".

ويضيف علاوي أن الاحتلال "يقتحم دوما البلدة برفقة عشرات المستوطنين، الذين يأتون بحماية مشددة، إضافة إلى تواجد المخابرات الإسرائيلية، وما يسمى بدائرة الآثار التابعة للاحتلال، وهو ما يجعل الحقيقة واضحة خلف هذه الاقتحامات"، مبينا أن الاحتلال "يسعى إلى إثبات حقه فيها أكثر منا، وهو ما يزيد من قلقنا وتخوّفنا مما يخطط له".

الشبان في بلدة سبسطية أسسوا بين الأماكن التاريخية، سارية علم ضخمة، ورفعوا عليها علم فلسطين، ليوصلوا للاحتلال رسالة مفادها بأن هذه البلاد بلادنا، وليس لكم فيها ذرة واحدة، لكن معركة تحد وصمود يخوضها الشبان مع الاحتلال، إذ يتعمد الجنود في كل اقتحام، أن يقوموا بإنزال العلم وتكسير السارية، لكن الشبان يرممونها من جديد ويعيدون رفع العلم.

يتعمد جنود الاحتلال إنزال العلم وتكسير السارية(أحمد كايد) 



ويلفت رئيس البلدية إلى أنه "يوم أمس الأربعاء، داهم عشرات المستوطنين البلدة، وكانوا بحماية قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين انتشروا في عدة مناطق في وسط ومحيط البلدة، حيث دارت مواجهات بين الشبان والجنود، وأطلقوا خلالها الأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، وعشرات قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، كما قاموا بإنزال العلم الفلسطيني وتكسير العلم".

ويؤكد أنه من حق الفلسطينيين أن يرفعوا علم فلسطين أينما شاؤوا، ولا يحق للاحتلال أن ينتزع هذا العلم، كما أن إزالة العلم تشير إلى مدى الاستفزاز الذي يشعر به المحتلون من ألوان العلم.

ويتابع: "كما نشاهد في المستوطنات غير الشرعية، أعلام الاحتلال الإسرائيلي ترفرف، من حقنا أن نرفع علمنا على أرضنا وفي وطننا، وسنظل ننصب سارية العلم، ولن نرضخ للاحتلال".


واعتقل الاحتلال على خلفية رفع العلم ثمانية شبان، وهم الآن موقوفون في السجون الإسرائيلية، كما أصيب عشرات الشبان بالرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط واختنقوا بالغاز المسيل للدموع، وذلك خلال مواجهات كانت تدور في كل اقتحام لقوات الاحتلال، إذ يتصدى الشبان لكل هجمة تشن على البلدة، فيما هُدمت ثلاث منشآت للفلسطينيين في محيط المباني الأثرية، فقد هُدم مطعم سياحي، ومحل تجاري لبيع الخزف والمقتنيات الأثرية، ومنشأة زراعية لأحد السكان هناك.

تسعى بلدية سبسطية، عبر حراك شعبي ورسمي، إلى لفت الانتباه لهذه المطامع التي يسعى الاحتلال لتنفيذها في منطقة أثرية هامة عالميا. وبحسب رئيس البلدية علاوي، فإن البلدية تطلع المؤسسات الرسمية على ما يجري في البلدة، وتعمل على تسليط الضوء الإعلامي حول انتهاكات الاحتلال، وما يقدم عليه بشكل مستمر من أجل سرقة الأرض، عدا عن الفعاليات الشعبية التي تنفذها البلدية بالاشتراك مع عدد من المؤسسات، حيث تنظم بشكل سنوي مهرجانا وطنيا في منطقة المسعودية، التي يسعى الاحتلال أيضا للسيطرة عليها، ويستقطب المهرجان السياح والناشطين والإعلاميين، وعبره توجه رسائل واضحة حول ما يجري في المنطقة، بالإضافة إلى فقرات وطنية وفنية.