خطوة كان لا بد منها بعدما غرقت الولايات المتحدة بشبه شلل، نتيجة لإجراءات التحوّط والتدابير التي اتخذتها السلطات المحلية والمؤسسات المدنية والاقتصادية، والتي ضاعفت الخوف إلى حد أن شوارع واشنطن ونيويورك مثلاً بدت خالية قياساً بحركتها العادية، وكأنها في حالة منع تجول اختياري.
مع أن حجم التفشي محدود نسبياً حتى اللحظة، لكن الجهات المختصة تحذر من أن الموجة ما زالت في بداياتها، وأنها محكومة بالتمدد وبلوغ ذروتها خلال الشهرين المقبلين في أحسن الأحوال، حسب مدير مركز الأوبئة المُعدية انطوني فاوشي. تقديره قد يكون مبالغا فيه كما قد يكون متواضعاً، في ضوء التجربة الصينية، فهو مرهون بمدى القدرة على ضبط وتيرة الانتشار بالتدابير الوقائية. والمشكلة في هذه الأخيرة أنها بدأت تخلّ بانتظام دورة الحياة العادية. خاصة في جانبها الاقتصادي، وبما فاقم الذعر الذي انعكس ليس فقط في أسواق المال، بل أيضاً في الخلل الذي أصاب خطوط إمدادات البضائع والسلع التي أخذت تنفد من الأسواق تحت ضغط الطلب والتسابق على تخزينها خوفاً من احتمالات الحجر الإجباري.
سلسلة تساقطت الآثار على حلقاتها كتساقط أحجار الدومينو، ويزيد من القلق ما انكشف عن أن الجسم الطبي غير جاهز لمواجهة أزمة من هذا النوع لو كبرت رقعتها. المستشفيات حوالي 5100 مزودة بأقل من مليون سرير، قسم كبير منها يشغله المرضى العاديون، عدد لا يكفي لاستيعاب موجات المصابين لو تجاوزت الحدود. وكذلك هو شأن الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لمواجهة هذه الحالة.
ووضع فرض الاستدراك بإعلان الطوارئ لإزاحة العوائق والقيود المالية البيروقراطية، وبما يمكن الجهات المعنية من اتخاذ الخطوات اللازمة لاستباق أي اختناق طبي في الحرب على الوباء. وهو إجراء غير أمني، لجأت إليه الإدارات المختلفة 58 مرة منذ 1976، لإطلاق يدها في التعامل مع أوضاع وتهديدات ومخاطر من نوع الإرهاب، وتهديد الاستقرار ونشر أسلحة الدمار وغيرها. وما زال 31 من هذه الحالات ساري المفعول.
القرار الحالي محلي، وترافق معه توافق الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونغرس على صفقة تعويضات ودعم مالي للمتوقفين عن العمل، ولبعض القطاعات الاقتصادية المتضررة من وقف أو هبوط أعمالها، صوّت عليها مجلس النواب، ليل الجمعة، ليقرها مجلس الشيوخ مطلع الأسبوع القادم.
تحرك مشترك فرضته غزوة "كورونا" على البيت الأبيض والكونغرس، وإن بالحد الأدنى، بعد أن تراجعت الحسابات السياسية وإلى حين. وكانت الحملة الانتخابية الضحية الأولى، إذ غابت سيرتها وحركتها واستطلاعاتها عن الشاشة بصورة شبه تامة، صارت خارج الاهتمام، حتى المناظرة المقررة بين المرشحين بيرني ساندرز وجو بايدن، مساء اليوم الأحد، تبدو من الآن يتيمة، بعد أن فرض الانشغال بالوباء نقلها من ولاية أريزونا إلى واشنطن داخل استوديو قناة "سي أن أن" وبدون جمهور.
"كورونا" المحور الآن، صار الأولوية لكبح الفزع الذي أخذ شحنة إضافية اليوم بضم بريطانيا وإيرلندا إلى لائحة الدول الأوروبية المحظور السفر منها إلى الولايات المتحدة، بعد أن كانت خارجها. يضاعف التخوف أن التداعيات الاقتصادية بدأت تهدد بعواقب قاسية، خصوصاً إذا تعثرت خطوات محاصرة الفيروس لأسباب منها النقص في عدّة الفحص الشامل لعموم الأميركيين.
المفارقة أن الإجراءات الحمائية التي شملت سائر المرافق والمجالات خلخلت نمط السلوك والحياة الأميركية، لكن كان لا بد منها، ولو كان مبالغاً فيها أحياناً.
تناقض لا يجري التعايش معه، ومن غير المعروف كم سيتواصل هذا الوضع، المعلومات متباينة وأحياناً رمادية، آخرها أن الرئيس ترامب كان قد أعلن، أمس السبت، عن إجراء فحص بعد مطالبته بالتثبت من عدم انتقال العدوى إليه، بعد اجتماعه الأسبوع الماضي مع مسؤول برازيلي مصاب بالفيروس. النتيجة تظهر عادة بعد 24 ساعة أو أكثر، لكن البيت الأبيض أعلن مساء اليوم أن الرئيس لا يحمل الفيروس.
تعامل البيت الأبيض الزئبقي مع الوباء جعل الساحة الأميركية تعيش الآن في حالة بين الشك واليقين، مع كل ما يترتب على ذلك من ذيول ومضاعفات، اقتصادية وسياسية وخارجية.