تونس: بوادر انشقاق في الجبهة الشعبية

13 سبتمبر 2016
اعتبر الرحوي أن الجبهة تعمل لإخضاعه (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً أن يصدح أحد قياديي التحالف المنضوي تحت إطار الجبهة الشعبية اليسارية في تونس، بعد جملة الانتقادات التي وُجّهت إليها، منادياً بضرورة أن يغيّر اليساريون منهجهم في إدارة الشق المعارض، وطرق معالجتهم لكبرى الملفات، والتعبير عن مواقفهم وطرق احتجاجهم. ولم يعد بامكان المعارضة التونسية الضغط أو التغيير أو الاعتراض، بعد أن تراجع تمثيلها في مجلس نواب الشعب، ولم يبقَ أمامها إلا أن تجمع صفوفها وقواها المتناثرة، عبر الاحتجاجات والتظاهرات بالشارع.


في هذا السياق، كان القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، منجي الرحوي، قد دعا الجبهة الشعبية إلى أن "تغيّر خطابها وسلوكها خلال الفترة المقبلة". واعتبر أنّ "الانطباع العام عند الشعب التونسي أصبح يربط الجبهة بالرفض الدائم لجميع المقترحات، وبالمعارضة الدائمة والجذرية للسلطات الحاكمة".

وأكّد أنّه "كان يفضّل أن تشارك الجبهة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وألا ترفض دعوة رئيس الحكومة يوسف الشاهد للتشاور بخصوص تركيبتها". وكان الرحوي قد انتقد بشدة قيادات الجبهة الشعبية، إثر هجومها عليه بعد لقائه الشاهد، واقتراح منصب وزاري عليه.

وأكد الرحوي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّه "ليس وحيداً في هذا الرأي، وإنما يعبّر عن رأي طيف واسع من منتسبي الجبهة الشعبية، الذين لا يرون وجاهة في مقاطعتها لمشاورات حكومة الوحدة الوطنية"، معتبراً أنّه "على الجميع بذل كل ما في جهدهم وما لهم من إمكانات، كل في مجاله، للعمل على إنقاذ البلاد التي تواجه خطراً محدقاً".

وأضاف الرحوي أنه "من حق الشاهد أن يوجه الدعوة لمن يريد وأنه اختاره كنائب للشعب قبل أن يكون قيادياً حزبياً"، فاتحاً النار على المواقف الرافضة لمشاركته في المشاورات، واصفاً إياها بـ"الرغبة في إخضاعه وتقييده، في حين جاءت الثورة بقيم الحرية". وشدد على أن "الجبهة الشعبية في حاجة إلى نظرة نقدية لتصويب خطها التنظيمي والسياسي، وهو ما سيعبّر عنه في الفترة المقبلة".



في سياق متّصل، طالب الرحوي الجبهة الشعبية بـ"الإسراع في انتخاب هياكل جهوية ومركزية ديمقراطية، استعداداً للاستحقاقات الانتخابية العتيدة"، معبّراً عن استغرابه من "عدم وجود هياكل ديمقراطية بالجبهة رغم دفاعها الدائم عن إرساء ديمقراطية حقيقية في البلاد".

وطاولت انتقادات الرحوي، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، مشيراً إلى أنّ "خطابه أصبح غير مقنع ومكرّر ورصيده أصبح ضعيفاً، وهو في حاجة إلى الراحة والتجديد وتقديم أشخاص آخرين قادرين على تقديم الإضافة". ورأى في حديث إذاعي مؤخراً أن "رصيد الهمامي تآكل بسبب تكراره لنفس الخطاب منذ سنوات"، متسائلاً "هل سيصوّت له الـ250 ألف ناخب الذين منحوه أصواتهم مجّدداً؟". وشدّد الرحوي على أنّ "الجبهة الشعبية ليست تنظيماً مبنياً على الديمقراطية، وهذا لا ينقص من قيمتها بل يفترض أن تبدأ في الإصلاح الداخلي"، مؤكداً أنه "لن يغادر الجبهة وسيعمل على الإصلاح من الداخل". هذا الخطاب الذي وصف بالعنيف للرحوي، لم يلقَ ترحيباً من بقية قياديي الجبهة الشعبية، بل أثار جدلاً واستياءً من بعضهم، رغم إقرارهم بأن الجبهة تواجه نقائص كثيرة ومتعددة.

في هذا الشأن، أكد أحد الأمناء العامين بالجبهة الشعبية، زهير حمدي لـ"العربي الجديد"، أنه "صحيح أن للجبهة العديد من النقائص وفيها الكثير من الرؤى المختلفة باعتبارها تضم أحزاباً عدة، وأن كلّ مناضل بها حريص على تطوير أدائها، ولكن كان لا بدّ أن تناقش هذه الاختلافات والنقائص داخل أطر الجبهة ومؤسساتها لا خارجها عبر وسائل الإعلام". وأضاف حمدي أن "حق الاختلاف والنقد مكفول بين كل مكونات الجبهة ومناضليها، ولكن داخل مؤسساتها، رغم اقرارنا بضرورة أن تعمل على تطوير أدائها ومنهجية عملها".

في هذا الإطار، وصف المحلّل السياسي، المؤرخ الجامعي، عبد اللطيف الحناشي في حديث لـ"العربي الجديد"، تصريح الرحوي، بـ"الهام جداً في هذه المرحلة، بعد خمس سنوات من الثورة". وأكد الحناشي على "ضرورة أن يقوم حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بمناسبة مؤتمره الأول بتقييم لأطروحاته ورؤيته وسلوكياته، فتصريح الرحوي ليس تكتيكياً أو لترضية طرف ما سواء كان داخل الجبهة أو خارجها". وأشار المحلل السياسي إلى أن "الرحوي والحزب، لديهما قناعة بضرورة إعادة النظر في الكثير من القضايا الفكرية والسياسية التي تطرحها الجبهة الشعبية"، معتبراً أن "الوصول إلى مثل هذه القناعة مسألة مهمة جداً".

وأضاف الحناشي أن "جميع الأحزاب تتطوّر في رؤيتها وسلوكها وتتكيّف من أجل التغيير، الذي لا يحدث بإسقاط نظريات على الواقع"، منوّهاً إلى أن "هناك واقعاً سياسياً جديداً في ظلّ نظام برلماني ديمقراطي جديد". وشدّد على "ضرورة تعايش الجماعات السياسية مع بعضها البعض"، لافتاً إلى أن "الاختلاف لا يمكن أن يكون أزلياً، ومن الضروري، أن تقدّم الأطراف المعنية تنازلات سياسية للوصول إلى أرضية الحدّ الأدنى".

وأشار إلى أن "ذلك ينطلق من قناعات الأحزاب المعنية، سواء كانت يسارية أو يمينية على غرار الجبهة الشعبية والنهضة، نظراً إلى خلفيتهما الأيديولوجية"، مذكّراً أن "حركة النهضة قالت إنها تغيّرت وفصلت بين السياسي والدعوي، إلا أنه لا يوجد إلى الآن أي نصّ يترجم هذا الإعلان، الذي بقي في إطار التصريحات السياسية من دون أن ينبثق عن مؤتمر النهضة الأخير وثائق تثبت هذا الفصل، وتكون بين أيدي المؤرخين والمتابعين للشأن السياسي لتقييم مدى التزام الأحزاب بما تعلنه".

أما بما يتعلّق بتأثير تصريح منجي الرحوي على الجبهة الشعبية وتماسكها، فقال الحناشي إن "هذا التصريح وفي هذه الظروف يعبّر عن رغبة مشتركة بين الركائز الأساسية للجبهة الشعبية، والمتمثلة في حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، نحو مراجعة أدائهم ومواقفهم، لانعكاساته على الجبهة، من دون أن يكون له تأثير عميق يمسّ من وحدتها".

في المقابل، اعتبر النائب عن جهة قفصة، عدنان الحاجي، أن بوادر الانشقاق والتفكك داخل الجبهة الشعبية خرجت للعلن بعد مهاجمة الرحوي لحمة الهمامي. وكشف الحاجي في تصريح للإذاعة الرسمية، أن "هناك خلافات عميقة بين مكونات الجبهة الشعبية، أي حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، وحزب العمال"، مشيراً إلى أن "المعركة خرجت للعلن وانتقلت إلى شبكات التواصل الاجتماعي".

المساهمون