"تكميم الأفواه" يشعل أزمة داخل أكبر حزب يساري في المغرب

11 مايو 2020
من الاحتفالات بالذكرى الستين لتأسيس الحزب (فيسبوك)
+ الخط -
تلوح بوادر أزمة جديدة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر حزب يساري في المغرب، بعد أن رفضت قيادة الحزب دعوة ثلث أعضاء المكتب السياسي، لعقد اجتماع عاجل للتداول في ما أثاره ما بات يعرف، في المغرب، بمشروع قانون "تكميم الأفواه" من جدل داخل الحزب وخارجه، باعتباره "ردة حقوقية"، و"محاولة لتقييد حرية الرأي والتعبير".

وفيما أشعل مشروع القانون الذي تقدم به محمد بنعبد القادر، وزير العدل، نار الغضب ضد قيادة الحزب، بعد أن أضر المشروع بإرث الاتحاديين في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، اعتبر حسن نجمي، عضو المكتب السياسي، أن عدم دعوة الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، إلى عقد اجتماع للمكتب السياسي بل والرد (بالإيجاب أو حتى بالسلب) على رسائل ثلث أعضاء المكتب السياسي "شَكّلَا تحقيرًا، واستخفافًا بأخلاق المسؤولية".

وقال نجمي، أحد المطالبين بعقد اجتماع للجهاز التنفيذي للاتحاد الاشتراكي، في بيان وصل إلى "العربي الجديد"، إن "رأي مجموعة من أعضاء المكتب السياسي كان أن نجتمع لنستمع إلى الأخ محمد بنعبد القادر بخصوص ما جعله يرتكب هذا الخطأ البليغ، وفي أي إطار، وأي ملابسات، ثم ليُتخَذ قرار عاجل بإيقاف الأخ محمد بنعبد القادر، وزير العدل، أو حمله على الاستقالة من مهامه، وذلك سعياً لإنقاذ سمعة الاتحاد الاشتراكي وتبرئة ذمته أمام الجماهير من هذا العبث، لكن الكاتب الأول كتب جملة واحدة على الواتساب يرفض فيها نهائياً فكرة الاستقالة المقترحة".

وأضاف عضو المكتب السياسي: "لسنا كلنا في القيادة الحزبية على توافق مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومع الأخ محمد بنعبد القادر، وأن المشروع المذكور لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا بمبادئه وقيمه ومرجعيته، وتاريخه، ومدونة نضالاته، وكتاب شهدائه الذهبي المرصع بالأسماء والتضحيات المجيدة".


إلى ذلك، شنّ نجمي هجوماً حاداً على الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وقال: "الحزب ليس مقاولة خاصة أو ضيعة شخصية يتصرف فيها الكاتب الأول بمزاجه، ويكفي أنه "بهدل" حزبنا ومرغ سمعته في الأوحال، ولا يزال"، وتابع قائلاً: "لن نقبل بهذا العنف الرمزي من طرف الكاتب الأول، ولن نسكت عن بعض الزبانية الفاسدين المفسدين الذين أضروا بسمعة الاتحاديات والاتحاديين، وتركوا هذا الفراغ الكبير المؤسف، فلا توضيح (للواضحات)، ولا موقف يشبه الاتحاد الاشتراكي".

من جهة أخرى، التمس حسن نجمي من الكاتب الأول السابق للحزب، عبد الواحد الراضي، عقد اجتماع للجنة التحكيم والأخلاقيات داخل الاتحاد للنظر في "الانحراف، وكذا للفصل في أمر هذا الوضع الشاذ الغريب والمرفوض جملةً وتفصيلاً، خصوصاً ما تعلق بخيانة الأمانة".

كما دعا الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني للحزب، إلى اتخاذ ما يراه مناسباً لإنقاذ الحزب من هذه اللحظة القاسية، مبرزاً أنه "لن تقف ظروف الحجر الصحي الحالية دون إمكانية اجتماع المجلس الوطني للاتحاد على أساس احترام واجب التباعد الاجتماعي واحترام شروط الوقاية الصحية".

ورأى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يعرفه حزب "الاتحاد الاشتراكي" من جدل بشأن قانون المنصات الاجتماعية، ما هو إلا حلقة من حلقات الخلاف بين مكونات القيادة الحزبية، وذلك منذ وصول إدريس لشكر إلى قيادة الاتحاد، لافتاً إلى أن ترؤسه للحزب وطريقة تسييره يجدان معارضة من قِبل مكونات قيادية وقاعدية تتهمه بأنه ابتعد عن المسار النضالي الذي كان ينتهجه الحزب، ما أدى إلى ابتعاد شخصيات قيادية عدة عن الحزب، ورفضها العودة ما دام لشكر على رأسه.

ولفت شقير إلى أن حدة الخلاف زادت، لا سيما بعد قبول لشكر المشاركة ضمن حكومة الكفاءات التي ترأسها سعد الدين العثماني على الرغم من تقزيم موقعه داخلها باحتفاظه بوزارة يتيمة، وهو الذي يرأس مجلس النواب، مضيفاً أن ما صعّد من حدة هذا الخلاف هو تسريب مصادقة الحكومة على مشروع قانون يتناقض مع كل الرصيد النضالي للحزب في الدفاع عن المكتسبات الحقوقية، كما أنه مشروع قانون يتناقض مع كل أدبيات الحزب في ما يتعلق بتكريس الحقوق الأساسية.

وبحسب شقير، فإن دعوة بعض أعضاء المكتب السياسي الكاتب الأول إلى عقد اجتماع لمناقشة ملابسات هذا المشروع وما تبعه من تسويف من قبل قيادة الحزب، دفعا بأحد أعضاء المكتب السياسي إلى إثارة الأمر علانية، من خلال تدوينة في موقع التواصل الاجتماعي، ما عكس الأزمة التنظيمية العميقة التي يعاني منها الحزب، والمتمثلة في عدم الإجماع على شخصية القائد، وانتقاد طريقة تسييره لدفته والتشكيك حتى في ذمته السياسية والأخلاقية.

وكان تسريب مسودة مشروع القانون، المتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، قد فجّر ردودَ فعل أحزاب سياسية وفاعلين نقابيين وحقوقيين، ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، تراوحت بين الرفض والغضب لـ"توقيت طرحه"، ولما يتضمنه من "قواعد قانونية فضفاضة تترتب على خرقها جزاءات حبسية مشددة وغرامات مالية ثقيلة". فيما وجد قادة الاتحاد الاشتراكي أنفسهم في مواجهة سيل من الانتقادات الداخلية والخارجية والدعوات إلى إقالة وزيره في العدل.​

دلالات
المساهمون