ويأتي ذلك بعد إعلان رئيس الهيئة كريم يونس أن لقاءه أمس مع قيادة المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء هو الأخير ضمن جولات الحوار التي قامت بها الهيئة لقرابة شهر.
واقتصرت مشاورت الهيئة مع أحزاب من الهامش السياسي، عدا حزبين لهما تمثيل سياسي نسبي، هما حزب طلائع الحريات الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وحزب رئيس البرلمان، حركة البناء الوطني، فيما واجهت الهيئة صدى سياسيا لافتا من قبل كبرى الأحزاب السياسية الفاعلة في المشهد، كالأحزاب الإسلامية وأحزاب كتلة "البديل الديمقراطي"، كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إضافة إلى التكتلات النقابية الكبرى التي رفضت الحوار مع الهيئة.
وبحسب رئيس هيئة الحوار، فإن التقرير النهائي للهيئة الذي سيسلم في غضون أيام إلى رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، سيتضمن مشروع قانون إنشاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات على ضوء نقل صلاحيات تنظيم ومراقبة الانتخابات بالكامل من وزارة الداخلية إلى السلطة المستقلة.
وتشير بعض المعلومات من مسؤولين في هيئة الحوار، تحدثوا إلى "العربي الجديد"، إلى أن رئيس الهيئة قد يلتقي برئيس الدولة في وقت لاحق، بعدما كان اللقاء مقررا يوم الثلاثاء المقبل، لتسليمه التقرير ومشروعي القانون، قبل إحالة الأخيرين إلى البرلمان، عبر الحكومة، لمناقشتهما والمصادقة عليهما في أقرب وقت ممكن، بما يتيح إنشاء سريعا للهيئة المستقلة العليا للانتخابات، تزامنا مع استعداد رئيس الدولة بن صالح لاستدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري.
وكان قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، قد أعلن في ثلاث خطب متتالية بين يومي الإثنين والأربعاء الماضيين، إصراره على استدعاء الهيئة الناخبة في هذا التاريخ، ما يعني بالضرورة تنظيم الانتخابات الرئاسية في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة.
وتقترح الهيئة في مخرجاتها ضمن التقرير الذي ستسلمه إلى رئيس الدولة تنفيذ تدابير تهدئة لتحسين مناخ الانتخابات، واستبدال حكومة نور الدين بدوي بحكومة كفاءات، خاصة بعد انتهائها من تأمين الدخول الاجتماعي، كشرط مركزي للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، برغم الاعتراض اللافت للجيش على استبدال الحكومة.
وبسبب الظرف السياسي الاستعجالي، قررت هيئة الحوار تجاوز وإلغاء مشروع مؤتمر الحوار الوطني الذي كانت قد دعت إليه في وقت سابق، وكان مقررا أن يعقد مباشرة بعد انتهاء المشاورات السياسية، لعرض مخرجات الحوار والمصادقة عليها في المؤتمر، مثلما وعد بذلك رئيس الهيئة كريم يونس في خطة العمل التي أعلن عنها في 25 يوليو/تموز الماضي، لكن إعلان قائد الجيش استعجال الانتخابات دفع بالهيئة إلى تجاوز مشروع المؤتمر.
ويعتقد الناشط السياسي عبد الرحمن هنانو أن تصريحات قائد الجيش واستعجاله للانتخابات، قبل نهاية السنة الجارية، لم يبق أية مساحة أو هامشا زمنيا لهيئة الحوار لمباشرة ترتيبات مؤتمر حوار وطني، برغم أنها كانت تأمل عقده. وقال هنانو لـ"العربي الجديد" إن "الجيش فرض أجندته السياسية على الجميع، بما فيها الهيئة التي ولدت من رحم السلطة أيضا، ومثلت مجرد قناة لتمرير مشروع إنشاء هيئة مستقلة وترتيبات الانتخابات".
وقال أمين عام المنظمة بالنيابة، محند واعمر بن الحاج، في بيان نشره على موقع المنظمة، إن مسألة عقد مؤتمر توافق وطني (كانت قد أعلنت عنه هيئة الحوار الوطني التي يقودها رئيس البرلمان كريم يونس) لم تعد ضرورية، ويتوجب الاستغناء عن ذلك في الوقت الحالي "كونه يعتبر مضيعة للوقت وهدرا للمال العام".
واعتبر أن الأوضاع السياسية تفرض مباشرة "إنشاء هيئة مراقبة الانتخابات، والتي يجب أن تكون مستقلة مائة بالمائة وليست تابعة لأية سلطة أو إدارة، بما يسمح للشعب الجزائري بالذهاب إلى انتخابات رئاسية بالطرق الشفافة".
ورد رئيس المنظمة الثورية على اتهامات وجهتها له قيادة حزب جبهة التحرير الوطني في وقت سابق باستعداء الحزب، عقب مطالبته بفك الارتباط بين جبهة التحرير التاريخية والحزب السياسي، ووجه من جانبه اتهامات لقيادة الحزب بـ"خدمة مصالح أجنبية وإحباط مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي"، بعد رفضها في وقت سابق تمرير مشروع القانون، برغم أنها تحوز الأغلبية النيابية وكانت ترأس البرلمان.
وكان بن عمر يشير إلى مشروع مقترح قانون تجريم الاستعمار، الذي وقعه 120 نائبا في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بمبادرة من النائب موسى عبدي حينها، وتضمنت مسودة القانون تجريم الاستعمار وأية إشادة به، وإنشاء محكمة في الجزائر لمحاكمة مجرمي الحرب من قيادات الجيش الفرنسي، كما تبنت كتلة تضم 14 حزبا سياسيا شكلت "جبهة الدفاع عن السيادة والذاكرة" المشروع، وأعلنت دعمها السياسي والنيابي له، لكن مكتب البرلمان الذي كان يرأسه حينها عبد العزيز زياري أسقط مشروع القانون.
وفي سياق آخر جدد المسؤول في المنظمة، التي تعد أبرز المرجعيات الثورية في الجزائر، مطالبة المنظمة ودعمها المطالب الشعبية التي تدعو إلى استعادة رمز "جبهة التحرير الوطني" كقاسم تاريخي مشترك بين كل الجزائريين من الحزب الذي يعتمد نفس التسمية، و"وجوب فك الارتباط بين جبهة التحرير الوطني (1954-1962) وبين حزب جبهة التحرير الوطني الذي تم توظيفه طيلة أزيد من نصف قرن كمطية وغطاء لمن تداولوا على حكم البلاد، وتحميله مسؤولية الإخفاقات التي عرفتها مسيرة التنمية الوطنية".