عالم المليشيات في العراق: 53 تشكيلاً بدعم إيراني

24 يوليو 2015
فاق عدد المسلحين عتبة الـ120 ألف مقاتل (الأناضول)
+ الخط -
تجري في العراق اليوم عملية تشكيل المليشيات المسلّحة بسرعة تُثير قلق قادة التيار المدني في البلاد وأوساط حكومية وبرلمانية عراقية، في الوقت الذي تحظى فيه بتأييد من الأحزاب الراديكالية الموالية لإيران. حالة مشابهة لما كان يجري من تشكيل الأحزاب والكتل السياسية في العراق عقب الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، حين كانت الولايات المتحدة تموّل أي حزب وحركة سياسية تتشكّل حديثاً مهما كان توجّه الحزب دينياً أو علمانياً وطنياً أو قومياً شرط أن يكون مؤمناً بما تسميه واشنطن التجربة الديمقراطية حتى وصلت إلى 711 حزباً وحركة سياسية.

وارتفع عدد المليشيات المسلّحة في العراق، وفقاً لتقرير استخباري صادر عن ديوان استخبارات وزارة الدفاع العراقية، وحصلت "العربي الجديد" على مقتطفات منه، إلى 53 مليشيا مسلحة في عموم مناطق جنوب ووسط العراق، فضلاً عن العاصمة بغداد، وفاق عدد المسلحين عتبة الـ120 ألف مقاتل، غالبيتهم من الطبقة الفقيرة غير المتعلمة ومن أعمار تراوح بين 16 و40 عاماً.

وأوضح ضابط عراقي رفيع المستوى في وزارة الدفاع أن التقرير الذي شمل مسحاً كاملاً للواقع الميداني أظهر "ارتفاع عدد المليشيات في العراق إلى 53 مليشيا مسلحة بعد أن كان عددها 43 في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2014، وأن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت ولادة مليشيا واحدة كل شهر".

وأضاف الضابط العراقي نقلاً عن التقرير أن "المليشيات لديها عامل مشترك واحد هو الغطاء الديني المتطرف والتمويل، إذ تتلقّى كل مليشيات العراق موازنة من طهران تراوح ما بين 100 إلى 500 ألف دولار شهرياً بحسب عدد أفرادها وثقلها على الأرض والإنجازات التي تحققها"، مشيراً إلى أن "غالبية ترسانتها العسكرية هي روسية وسلاح إيراني محلي الصنع، وهناك نسبة غير قليلة من أسلحة أميركية وغربية مختلفة حصلت عليها تلك المليشيات من الجيش والشرطة العراقيين بعد تسليم تلك الدول مساعدات عسكرية للعراق".

وعرف العراقيون المليشيات أول مرة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين نفذت مجموعة مسلّحة تُطلق على نفسها "قوات بدر" أولى العمليات "الإرهابية" في العراق بواسطة سيارات مفخخة وعبوات ناسفة ضربت بغداد مع الأيام الأولى للحرب العراقية الإيرانية، وتم اعتقال أغلب قادتها وحُكم عليهم بالإعدام، فيما فر الباقون إلى إيران وشاركوا مع الجيش الإيراني في هجماته على العراق، ونفذوا عمليات إعدام لجنود عراقيين. ويُعد هادي العامري وأبو مهدي المهندس آخر قادتها على قيد الحياة بعد مقتل أبو مجتبى العلي في معارك قرب تكريت مطلع العام الحالي.

عادت هذه الظاهرة إلى العراق عقب الاحتلال الأميركي، حين تأسست مليشيا "المهدي" بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر منتصف عام 2003، تلتها مليشيا "العصائب" التي انشقت عن مليشيا "المهدي"، لتتوالى بعدها عملية تأسيس المليشيات وترتفع إلى سبعة تشكيلات مليشياوية في العراق استمر نشاطها على الشقين السياسي والأمني بشكل واسع، وتورّطت بعمليات اغتيال وتفجير واسعة في البلاد، فضلاً عن جرائم التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي ومصادرة ممتلكات طوائف وألوان دينية عراقية مختلفة كالمسيحيين والصابئة والعرب السنّة.

اقرأ أيضاً: جيل مراهقي العراق بين "داعش" والمليشيات

إلا أن سقوط مدينة الموصل واجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مساحات واسعة من العراق وسيطرته على نحو 40 في المائة من مدن العراق الإجمالية وتهديده العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، دفع بالمرجع الديني علي السيستاني إلى إطلاق "فتوى الجهاد" منتصف يونيو/حزيران الماضي بعد خمسة أيام على سقوط الموصل. ونصّت الفتوى الدينية على حمل السلاح والجهاد لكل قادر ضد تنظيم "داعش"، وهو ما دفع برئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي إلى تشكيل هيئة أطلق عليها اسم "هيئة الحشد الشعبي"، ونظّم المتطوعين ضمن سرايا ووحدات عسكرية بواقع 32 ألف شخص، وهو مجموع من لبّى نداء "الجهاد" ضمن فتوى السيستاني.

لكن بعد إعلان الحكومة عن تخصيص مرتبات مالية لهم بواقع 950 ألف دينار (نحو 800 دولار) لكل متطوع، ارتفع العدد إلى نحو 100 ألف مقاتل وظل في تصاعد حتى الفترة الحالية ليبلغ نحو 120 ألف مقاتل يتوزعون على 53 مليشيا، جميعها كانت تُقدّم دعماً مباشراً لقوات الجيش والشرطة العراقية، إلا أنه في الفترة الحالية تحوّلت تلك المليشيات إلى القوة الأساس في الحرب القائمة، في الوقت الذي تحوّلت القوات النظامية إلى قوات ثانوية أو صورية.

ومن أبرز تلك المليشيات: جيش المهدي، منظمة بدر، العصائب، حزب الله، النجباء، الأبدال، السلام، الوعد الصادق، سرايا طليعة الخراساني، لواء عمار بن ياسر، لواء أسد الله الغالب، لواء اليوم الموعود، سرايا الزهراء، لواء ذو الفقار، لواء كفيل زينب، سرايا أنصار العقيدة، لواء المنتظر، لواء أبو الفضل العباس.

إضافة إلى مليشيات أخرى صغيرة ومتوسطة تنشط في المنطقة الجنوبية للعراق، وهي التي هاجمها رئيس الوزراء حيدر العبادي في 12 يوليو/تموز الحالي بسبب امتهانها السرقة والسطو المسلح والتضييق على حريات المواطنين الشخصية. لكن المفارقة أن أفراد تلك المليشيات، وبحسب عضو "التحالف الوطني" علي الربيعي، يتسلمون مرتباتهم الشهرية من الموازنة العامة المخصصة لـ"الحشد الشعبي".

وقال الربيعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الخطأ اعتبار كل أعضاء الحشد الشعبي مجاهدين أو مقاتلين ضد داعش بل هناك فئة استغلّت الأوضاع لارتكاب جرائم قتل طائفية وسرقة وسطو مسلح وحتى اعتداءات أخرى، ويمكن ملاحظتهم بكل قوة عند المعارك الحامية يختفون وبعد انتهائها يظهرون للسرقة والاعتداء والتقاط الصور لتقديمها إلى مراجعهم العسكرية أو الدينية في العراق وبطبيعة الحال في إيران أيضاً".

اقرأ أيضاً: موسم هجرة الجيش العراقي إلى مليشيات "الحشد"

من جهته، يلفت العقيد محمد عبدالله نصار، أحد الضباط الذين أقيلوا أخيراً من الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أفراد مليشيات الحشد بينهم تنافس حاد يتحوّل في أكثر الأحيان إلى مشاكل كبيرة، عادة بسبب التوثيق أو الغنائم التي يحصلون عليها بسرقتهم منازل ومتاجر المواطنين في المدن التي يدخلونها".

وأوضح أن "التوثيق مهم عندهم، إذ يجب أن يلتقطوا صوراً في مناطق المعارك أو مع جثث القتلى، وليس بالضرورة أن يكونوا قتلى من داعش بل مدنيون ويجعلون منهم داعش، وكل هذا من أجل الحصول على الاعتماد اللازم كمليشيا عاملة على الأرض ضد داعش، ويتم وضعها بما يُعرف في الجهد القتالي العام، ومن خلال ذلك تُمنح الموازنة المخصصة من إيران وكذلك المرتبات المخصصة من الحكومة العراقية". ويشير نصار إلى أنه "بسبب ذلك تحاول كل مليشيا سرقة جهد المليشيا الثانية، ومن هنا تنشأ المشاكل ثم الاقتتال بين تلك المليشيات إلا أنه سرعان ما ينتهي بتدخّل القيادات والمراجع الدينية".

وأعلن نصار أن "هناك قادة أو عناصر بارزين في تلك المليشيات أصبحوا شخصيات ثرية جداً بسبب عمليات الخطف والسرقة أو الفدية أو بسبب تسجيل أسماء عناصر مليشيات غير موجودين أصلاً أو أنهم غير ملتحقين بالقتال وأخذ مرتباتهم الشهرية". لكنه يوضح أن ذلك "لا يعني فساد الجميع فهناك مليشيات تقاتل منذ أشهر وقدّمت تضحيات كبيرة لا يمكن التقليل منها".

وعن الموضوع نفسه، يرى القيادي في التيار الصدري العراقي حسين البصري، في حديث لـ"العربي الجديد" من مقر إقامته في البصرة، أنه "لولا الحشد الشعبي لكانت بغداد ومدن جنوب العراق كلها بيد داعش، إذ كان انهيار الجيش أسرع من انتقال الحرارة في سلك النحاس"، على حد وصفه.

ولفت البصري إلى أنه "من الخطأ القول إن المجاهدين تحرّكوا بعد فتوى الجهاد للسيستاني، فالفتوى جاءت بعد خمسة أيام على اجتياح داعش للعراق، بينما التيار الصدري وأحزاب أخرى لم تنتظر الفتوى بل أعلنت النفير وتجميع قواتها قبل ذلك"، قائلاً إنه "لولا الحشد لانتهى شيء اسمه العراق ولكان داعش الآن يحكم بغداد وأغلب مدن الجنوب، ولتدخلت إيران علناً واشتعلت المنطقة بأسرها أكثر مما هي عليه الآن".

وأضاف البصري: "علينا أن نعترف مرة أخرى بأن الجيش العراقي الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة 27 مليار دولار، سيئ ولم يحافظ على البلاد، بل الذي أوقف سقوط العراق وانهيار النظام العام في الدولة هو الحشد الشعبي، ونحن نعتبر أن التركيز على السلبيات وترك الإيجابيات هو طائفية بحد ذاتها".

في المقابل، رأى القيادي في جبهة "الحراك الشعبي" العراقي محمد عبدالله، في مليشيات "الحشد" خطراً على العراق ووحدته أكبر من خطر تنظيم "داعش"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مليشيات الحشد تقوم بتنفيذ مخطط إيران في العراق وتسير على أجندة خطيرة هدفها تغيير وجه العراق وسلخه عن محيطه العربي بل وحتى عمقه الفكري والديني".

وأعلن أن "المليشيات نفذت حتى الآن، وبالوثائق، 17 عملية تغيير ديمغرافي خلال أقل من عام، شملت طرد العراقيين السنّة وتوطين آخرين في مناطق جرف الصخر والسعدية وبلد والإسكندرية والبحيرات والجنابيين والمحمودية وفي قرى أبو غريب والطارمية وسامراء وبعقوبة والمقدادية والخالص وشهربان ومندلي، ومناطق أخرى، كما قدمنا وثائق للأمم المتحدة تدين تورّط مليشيات الحشد بأكثر من 10 آلاف عملية إعدام ميدانية بحق عراقيين مدنيين لأسباب طائفية معروفة، فضلاً عن تفجير الجوامع ودور العبادة بفعل يطابق فعل داعش وسرقة المنازل والمتاجر وحرقها". واعتبر أن "تلك المليشيات وجه آخر لداعش ولا تقل سوءاً عنه، فكلاهما إرهابي متخلف، ولا يمكن علاج داعش بتلك المليشيات الطائفية التي تنفذ أجندة إيرانية واضحة للجميع".

اقرأ أيضاً: مخطط إيراني لدمج "الحشد الشعبي" في الجيش العراقي

المساهمون